20 نونبر 2007

جراح الروح والجسد (الأخيرة)


هؤلاء المكبوتون موجودون في كل مكان: في البيت, في الشوارع , في محلات البقالة , في سوق الخضار و حتى في الحافلات. يستغلون الزحام و الغفلة ليفرغوا مكبوتاتهم الحيوانية في ضحاياهم من النساء الغافلات الشابا ت أو العجائز. بعض العجائز تعجبهن اللعبة و يتظاهرن بالغفلة و عندما تنتهي اللعبة يصرخن في احتجاج . رأيتهن كثيرا في الحافلات…)تقول الهام و هي ما زالت عارية :-أعرف لن تنام حتى تنشر الخبر في كل المدينة القديمة وتزيد وتنقص حسب هواها و تضخمها حتى تصبح بالحجم الذي يرضيها.كنت أنظر الى جسم الهام الشائه , واخيرا نجحت في الكلام قلت لها:-سأذهب للصيدلية و أشتري بعض الأدوية لعلاج جراحك.أوقفتني باشارة من يدها:-لا تفعلي. جراحنا تشفى وحدها لسنا في حاجة لدواء الصيادلة.ثم نظرت لحقيبتي وقالت:-ما الأمر؟ خصومة مع زوجة أبيك؟-بل مع أبي.-ماذا حدث؟صمتت لحظة و قلت لها:-سأسافر الى فرنسا.بدت للحظة كتمثال شمع:-كيف؟متى؟ لم تخبريني بشيء.-لم أخبر أحدا بالأمر.صرخت في وجهي و الدموع تملأ وجهها:-أنا لست أي أحد. أنا أختك , صديقتك.أحكي لك كل شيء. تعرفين حتى ما بداخل مصاريني, تجلسين معي , تأكلين و تخفين عني أمرا كهذا, بل ربما كنت تنوين السفر بدون وداع , انك مثلهم غدارة و خائنة للعشرة.لم أرها بهذا الشكل أبدا. ضممتها الي وقلت:-ليست قسوة بل حب. خفت فراقك, خفت لحظة الوداع. انك لا تفهيمين ما أحس به نحوك. لا تعاتبيني أرجوك, يكفي ما سمعته من أبي.مسحت دموعها و قالت:-متى قررت السفر؟-اقترحت علي جوزيان السفر لانشاء جمعية تعنى بضحايا التحرش الجنسي من الأطفال.-هراء! هل تظنين نفسك ستصلحين الكون أنت وجوزيان؟-أنا و جوزيان و الآخرون . لا بأس من المحاولة-لست مقتنعة بالفكرة, لكن فرنسا جميلة. اذهبي هناك و اعملي في أي شيء: نادلة في مطعم..أي شيء.. ما دمت بعيدة عن هنا. و عندما تجمعين مالا كثيرا عودي و افتحي حانة. ستصبحين ثرية.-هذه أحلامك انت الهام. أنا سأنشئ جمعية و أدرس ألا تفهمين؟-فعلا يبدو أننا أصبحنا نتكلم لغة مختلفة.-الهام. لماذا لا تتركي هذا العمل؟ لأجل دعاء. فكري بها عندما تكبر.أشعلت سيجارة . كانت يداها ترتعشان و تتحسان من حين لآخر أماكن الأسنان المكسورة.حاولت أن تتكلم بهدوء:-سأترك العمل حاضر. لكن قولي لي أين سأعمل؟ في الشركة التي تركها أبي ؟ أم في المصنع الذي تركته أمي؟ قبل أن تقولي أنت و غيرك اتركي هذا العمل أعطوني البديل, أم تحسنون الكلام فقط؟ هل تنوين حل مشاكل الناس الذين يأتون جمعية المستقبل بالكلام؟ الهضرة ما تعمر خضرة.-أقصد…أسكتتني باشارة من يدها و قالت:-خذي دعاء لتنام بجانبك هذه الليلة. لا أستطيع ضمها الي. جسمي متألم و اطفئي الضوء.أطفأت الضوء . ضممت دعاء , قلت لالهام:-سأكتب لك كثيرا و من يدري؟ قد أجد حلا و أرسل اليك لكي تلحقي بي.صمت ثقيل يلف المكان و بعدها قالت :-ستكتبين مرة و اثنتين و بعدها ستأخذك الحياة. ستنسين الهام و دعاء و و كل الأيام الجميلة.-سترين أنني لن أنساك..لن أنسى دعاء.. لو كانت ابنتي…دفنت رأسي تحت الوسادة وبكيت.صباحا حملت حقيبتي , عانقتها , ضممت دعاء الي, أعطيتها بعض النقود كانت تفيض عن حاجتي. نجحت في حبس دموعي و انصرفت.في المطار , جلست أنتظر الطائة. كنت أشعر بشعور غريب : الخوف من المستقبل , المجهول ربما. احساس بالمرارة في حلقي . أنظر في كل الوجوه عساني أرى وجه أبي. لو يأتي ؟ لو يرضى عني ؟ دخلت المرحاض, غسلت وجهي من آثار الدموع ..خرجت و….رأيته, انه هو أبي.! عانقته . لأول مرة أحس بدفء ذراعيه. احساس رائع ..رائع. انتبهت لنفسي كنت أبكي بصوت مسموع. لم أكن وحدي , حتى أبكي كان يبكي. يا الهي! هل هو يبكي مثلنا؟ عانقته ثانية لأشبع من حضنه. لم يعانقني أبدا قبل الآن. قال لي بعد أن مسح دموعه:-سافري يا ابنتي و قلبي راض عنك.-كيف اقتنعت بفكرة سفري؟-أنا لم أقتنع بشيء. أخاف عليك أولاد الحرام. الدنيا خايبة آبنتي. كنت أريدك أن تتزوجي و تنجبي و تتركي الدراسة ووجع الدماغ. المرأة مكانها في البيت و الأولاد….لكن رأسك صلبة. افعلي ما بدا لك ..سافري .عانقته بقوة , بقوة. كم أنت رائع يا أبي! لو أشعرتني بالحب قبل الآن كانت تغيرت أشياء كثيرة في حياتي.نظر الي ثانية وقال:-سأطلق سراح زوجتي. قررت هذا منذ مدة لكن بالأمس عندما غادرت البيت تكلمنا كثيرا, و اتفقنا على كل شيء. سأطلقها و أعطيها مبغا من المال و تعود الى قريتها.-ربما هذا أفضل لك و لها.-سترسلين لي رسائل كثيرة؟-أجل و سأحكي لك أشياء كثيرة.أدخل يده في جيب سرواله و أخرج سلسلة ذهبية:-هذه آية الكرسي, ضعيها حول عنقك حتى تحفظك.قبلت يده و جبهته. ضمني اليه ثانية و ذهب
***************************************************
حق الصورة محفوظ للكناوي
أخذتها حين زيارتي لقبري المرحومتين زوجة أخي ومليكة مستظرف بمقبرة الرحمة بالبيضاء

هناك تعليق واحد:

Mourai Radouane يقول...

j'ai lu toutes les partis de cette histoire passionnante et trés forte, j'ai beaucoup adoré. mais votre image m'a interpellé, s'agit il d'une histoire vraie ou c'est de la pure fiction ?
dans les deux cas le texte est d'une beauté déconcertante.

merci pour le partage