11 دجنبر 2007

امرأة عاشقة….امرأة مهزومة



ذهبت الى العرافة, وضعت ورق اللعب على صدري ورددت وراءها “هاقلبي, هاتخمامي …”. تجشأت كثيرا وقالت انه بيني وبينه سحرا جعله يهرب مني.لكنها أكدت لي أنه سيعود وعندها سأكون ملزمة”بذبيحة كبيرة” و “ليلة كناوية”.لم أفهم جيدا معنى “ذبيحة كبيرة” لكن حركت رأسي بالموافقة.ثم قوست حاجبيها, و أغمضت عينيها وأخذت تحرك شفتيها بسرعة ,تكلم أشخاصا تراهم هي فقط.وأخبرتني أن جنيا أسود يدعى”ميمون” سكن جسدي هو السبب في كل ما يحدث لي.شعرت بالفزع لمجرد التفكير أنني اقتسم هذا الجسد النحيل مع جني أسود مشاغب.خرجت من بيتها الذي كان بحجم خم للدجاج.علقت بثيابي رائحة البخور.اللعنة.أخذت رزمة من الاوراق المالية وأعطتني بدلا عنها شموعا. بيت العرافة يقع في ازقة ملتوية و متشعبة كالمتاهة.وأنا سأدخل متاهة و حروبا أخرى مع الجن و العفاريت كأنه لا تكفيني معاركي مع الانس, حتى ازج بنفسي في معارك مع الجن. اشعلت الشموع لكي يشتعل حبه من جديد, لكنه لم يأت. بدأت أفكر جديا في اقامة”ليلة كناوية” وزيارة الولي “بويا عمر”.أنظر من نافذة غرفتي ,قطتي أصبحت تمشي بصعوبة بعدما ازداد بطنها انتفاخا فأصبح بحجم اجاصة.أبي طردها من البيت وأنا أقدم لها الطعام خلسة. تركت البيت منذ مدة لتلحق قطا أجرب أغواها, و بعد ذلك عادت تتمسح بي .
أنا كذلك تركت العالم بأسره وتبعته.لم يكن وسيما .كان يشبه دبا صغيرا أصلع بكرش مرتخية تخفي أعضاءه التناسلية, ومِؤخرة ضخمة ووجه مدور.كنت دائما أكره الرجال ذوي المؤخرات الضخمة و الوجوه المدورة.فكيف أحببته؟ هو هكذا الحب دائما يأتي بلا موعد.الحب كالموت ,كالمرض يأتي دائما حين لا ننتظره و في الاوقات و الاماكن الاكثر غرابة.الحب يجعلنا نتصرف كالاطفال بلا منطق.لماذا لا يخترعون مصلا ضد الاصابة بالحب؟أحس بالبرد .أنظر الى السماء.تبدو سوداء هجرتها النجوم. ستمطر لا محالة.أعطس ثلاث عطسات, سأ صاب بنزلة برد .لا احب فصل الشتاء ,فصل الانوف الحمراء والازقة الموحلة.عندما كنت طفلة كنت احب فصل الشتاء.أخرج برفقة “اولاد الدرب”, نصرخ بفرح لا يضاهيه اي فرح ,”آشتاتاتا أصبي صبي”. صوت “نعيمة سميح” المنبعث من الراديو الصغير, يبدو مرتخيا وملتويا.البطارية توشك على النفاذ, “ياك آجرحي جريت وجاريت”.هو لا يحب “نعيمة سميح” و ” أم كلثوم”. يقول أن هذه النوعية من الاغاني تجعله يتثاءب.
كيفت حياتي حسب رغباته و أهواءه ومزاجه. لانخرج الا حين يريد هو. لا نرتاد سوى الاماكن التي يرتاح لها هو . رغباتي انا مزاجي انا….لا يهم فيما بعد…فيما بعد.أسمع آذان الفجر, يجعلني أشعر برغبة في البكاء.أتمنى لو أبكي بصوت مرتفع و أركل الارض بقدمي كما كنت أفعل و أنا طفلة , فتأتي أمي و تضعني في حجرها و تهدهدني و تغني بصوت خفيض, ” الله الله محمد رسول الله”, فأرتاح وأنام .أسمع خطوات أمي متجهة الى الحمام لكي تتوضأ.أبي يصلي في رمضان فقط.أما هو فحين سألته لماذا لا يصلي, قال انه يؤمن بالله وكفى,وليس في حاجة الى اثبات ذلك خمس مرات في اليوم.عندما جاء لخطبتي, رأته أمي من فتحة الباب, ضربت خديها بكفيها حتى ارتسمت أصابع عشرة على وجهها, وقالت,” لازين ولامجي بكري”. لكنك أمي دائما ترددين,”الرس المغطي احسن من الراس العريان”., ثم انني احبه.عاودت النظر اليه من فتحة الباب. بدا وسيما في قميصه الاصفر.تذكرت انني اكره اللون الاصفر.لون الاسنان الصفراء المتعفنة والابتسامة الصفراء المنافقة,و” للاميرا” الجنية التي تعشق الاصفر.أبي بدا ممتعضا هو الاخر.أخذ يعبث بالشعيرات الاربعة التي نبتت فوق صدره بلا مناسبة.نفث دخان سيجارته في وجهي وقال” انها عملية خاسرة بالتأكيد”. لكن أبي, متى كانت العواطف تحسب بآلة حاسبة؟ هل أكلم اأبي ام تاجرا في سوق الخردة؟نظر الي و أكمل ” ثم انه موظف”. نطقها كأنها سبة أو تهمة, لكنني أحبه.هزكتفيه وقال”اذهبي الى الجحيم …جيل ما كيحشمش”. و هل تخجل انت ابي عندما زوجتني و أنا بعد طفلة بجديلتين؟ كسبت يومها من وراء تزويجي / بيعي كثيرا.أتذكر يومها جاءت أمي أخذتني الى الحمام, غسلت جسمي و نتفت شعر ابطي و عانتي, وقالت لي كلاما احمر له وجهي خجلا.وخضبت النساء يدي بالحناء و كحلن عيني…كانت زغاريدهن أشبه بالصراخ والولولة.وبعدها وجدت نفسي أمام رجل طويل جدا.أول شيء فعله صفعني وقال” نهار الاول يموت المش”.وعرفت بعد ذلك انني المش او القط الذي يجب ان يموت.هذا كل ما أعرفه عن الزواج,حمام ,حناء وزغاريد ورجل يصفعك لكي يثبت أنه الاقوى, وبعد ذلك يملأ بطنك أطفالا و يهرب.زوجي الاول هرب وترك لي خازوقا. وهذا الذي أحببته هرب و ترك لي خازوقا آخر, كلهم يهربون عندما تصبح الامور جادة.أمي تلوي شفتها السفلى و تسأل عن سبب اختفائه.الجني الاسود مازال يسكن جسدي ,أختي تخرج لي لسانها وتشهر في وجهي أصبعها الوسطى. العرافة تقول يلزمك “ليلة كناوية”و “ذبيحة كبيرة” وكثير من الاوراق المالية. تضع النقود بين نهديها وتشعل سيجارة من نوع”كازا” و تطلب التسليم. جارتي تقول ان العرافة كانت “شيخة”*, وعندما جار عليها الزمن أصبحت عرافة.أشعر بالجوع.ألبس الخف .سأذهب الى المطبخ وآكل فطيرة مدهونة بالعسل.أتراجع في آخر لحظة.يجب أن أقلع عن هذه العادة السيئة.فعندما أغضب لا أجد سوى المطبخ أنفس فيه عن غضبي.في بعض الاحيان ,آكل كل شيء و أي شيء وأنا أبكي. يبدو منظري مضحكا و مقرفا. بعدها أذهب الى الحمام وأدخل اصابعي في حلقي و أتخلص من كل شيء.يجب أن أكون قوية.هذه المرة لن أنفس عن غضبي و حنقي في الأكل .سأذهب اليه هو في مقر عمله, وأخرج له لساني وأقول له “ان الكون لا يبدأ وينتهي عند قدميك”.سأقول له”أنا نادمة لأنني أعطيتك أكثر مما تستحق من الحب و الاهتمام”.سأقول له”أنا نادمة لأنني كنت مستعدة لأي شيء معك, و لم تكن مستعدا سوى للكذب و النفاق.فهنيئا لك على قدرتك الفائقة على الكذب”.غدا سأحرق صوره و رسائله و هداياه وأكاذيبه. ولن أشعل الشموع ثانية لكي يشتعل حبه ويعود.ولن أقيم “ليلة كناوية”.أوف أشعر بالجوع, سآكل فطيرة واحدة لا غير. ترى كم تكلف ” ليلة كناوية”؟

08 دجنبر 2007

ترانت سيس


اكره يوم السبت.
أعرف ان هناك من يكره كل أيام الاسبوع ولا يشتكي.لكن بالنسبة لي الامر مختلف, أو هذاعلى الاقل ما أعتقد.
كل يوم سبت يحضر ابي باكرا جدا,يجر قدميه الكبيرتين , بطنه جد منتفخة,لا تتناسب مع جسمه النحيل.وجهه مستطيل,جبهته بارزة بعروق نافرة.لا يبدو وسيما أبدا.كل يوم سبت تكون برفقته امرأة لا أعرفها, لاتشبه المرأة التي أحضرها في الاسبوع الفائت ,ولن تشبه بالتأكيد المرأة التي سيحضرها في الاسبوع القادم.يرسلني الى دكان “با ابراهيم”.دكانه معتم وتنبعث منه رائحة عطنة,منفرة, تبعث على القيء. لم أكن أشتري منه المواد الغذائية التي نحتاجها .عيناه حمراوان معمشتان.يتنشق “التنفيحة” و ينخرط في نوبة عطس لا نهائية.يمسح أنفه بمنديل يبدو أنه قصه من كيس طحين مهترئ. يفتح المنديل و يتأمل للحظة ذلك المخاط ثم يعاود دسه في جيبه.يحاول أن يتفوه ببعض الكلمات اللطيفة.الابتسامة لا تناسبه .تبدو اسنانه طويلة و غير متناسقة بلون الطحالب.أقول له جملة واحدة و ابتعد”عيشة الطويلة”.أضم ذراعي الى صدري و أنتظر.تأتي جارتنا تحمل طفلها حديث الولادة بين ذراعيها.الطفل يصرخ باصرار,يمص رضاعته المملوءة بالكمون الصوفي والكروية.قالت ل”باابراهيم”:هاد ولد الحرام ما بغاش يسكت”.يسكتها باشارة غاضبة من يده”هذا غير ملائكة..عندي دواه”.عاودت النظر الى الطفل حتى اعرف عن قرب شكل الملائكة.كان وجهه بلا رموش و لا حواجب كأنه يعاني الثعلبة..يفتح فمه عن آخره وهو يصرخ بعنف.وجهه كله عبارة عن فم كبيرمفتوح,”حلق الموت” يرتعش كجرس صغير. ينفخ “باابراهيم” دخان السبسي بوجه الرضيع,مرة, اثنتين, فيصمت ,تتشقلب عيناه وينام. تمد المرأة يدها الى صدرها,تنبعث منها رائحة الحموضة,تخرج بعض الدراهم تمدها للبقال, يضعها على جبهته ثم يقبلها. بالتأكيد رائحة المرأة الكريهة عالقة بالدراهم.تشكره المرأة بلطف يناسب امرأة في الاربعين تنبعث منها الخل. تنصرف المرأة,اكرر طلبي”عايشة الطويلة”.يتجه الى الداخل.كنت اتوقع دائما ان يأتيني بامرأة طويلة و عملاقة,لكنه كان يمدني بزجاجتين ملفوفتين بورق الجرائد, ويقول بصوته الذي يشبه صوت النساء و الذي لا يتناسب وشكله المخيف”ديريكت للدار”.ثم يعود الى ركنه المعهود.
ذات يوم اغراني ذلك السائل الاحمر القاني.تجرعت ما تبقى في الكأس التي نسيها أبي دفعة واحدة.تقيأت كل ما في جوفي وظلت رائحة منفرة تشبه رائحة جوارب متعفنة عالقة بي تلازمني طيلة اليوم.
يقفل ابي علي باب غرفتي.يعطيني نصف خبزة بها بعض السمك المعلب.
أرمي بها فور خروجه من النافذة. لن اقفل الباب بالمفتاح لكن لا تحاولي الخروج. من الغرفة الاخرى تنبعث رائحة الشواء , يتحلب ريقي.أفتح الباب قليلا.ضحكات خليعة,كلمات نابية,الرائحة الشهية تتسلل الى انفي.معدتي اصبحت في حالة هيجان قصوى,واصبح من الصعب اسكات قرقرة مصاريني.أبتلع ريقي بصعوبة,أتحسس الدراهم القليلة في جيب بيجامتي,غدا سأشتري نصف خبزة ممتلئة بصلا وكفتة.”العربي “شكله مقرف,بطنه تمتد وتتدلى فوق العربة.يمسح مخاطه و يعاود قلب أصابع الكفتة و النقانق. لكن لا يهم.أكله لذيذ,وربما هذا“العفن” ما يزيد من لذة اكله.فالزبائن يتجمعون حول عربته أكثر من الذباب الذي يحط على البصل و الطماطم المفرومة.
أبي ,أريد ان اشاهد التلفاز.اريد ان ارى السندباد.لا استطيع النوم.جدتي لابي تقول ان الرسوم المتحركة مخلوقات حقيقية تعيش في مكان ما.تأخذ سبحتها و تظل تسبح.أصابع يدها الاخرى لا تفارق فتحة انفها في محاولة يائسة لنزع بعض الشعيرات.السندباد على مركبه يجوب العالم.الجنية تخرج من عمق البحر. ينقلب المركب و أسقط من سريري. الغرفة مظلمة.علاقة الملابس تصبح جنيا فاردا ذراعيه.يتقدم نحوي.أخفي راسي تحت الغطاء .أسمع دقات قلبي كأنه يضخ في اذني.أين هي امي ؟على الحائط لا أجد صورة لها.صورة قرد كبير يلف ورق التواليت على جسمه الضخم المشعر, يفتح فكيه في بلاهة,تظهر أسنانه الصدئة بحجم حبات الفول. لماذا يصر ابي على وضع صورته وسط البهو؟ من ذاك الذي قال ان أصل الانسان قرد؟ كيف هوشكل امي؟هل أحمل بعضا من ملامحها؟ سمينة؟ بيضاء؟كنت احمل كراستي و أتخيلها. كنت دائما ارسم امراة بلا ملامح.جدتي قالت لي يوم زرتها بالبادية”عيناك تشبهان عينا امك”.فرحت.الان اعرف شكل عيني امي.
أردفت و هي تفلي القمل من راسي”عيناك وقحتان ترمي عليهم كمشة الملح ما يرمشوا”.ينقبض قلبي, انفلت من بين رجليها.كرهت جدتي و ازددت حبا لامي.
ذلك السبت ليلا.احسست بآلام تفتك ببطني , و بسائل ساخن يتدفق من بين فخذي الى ساقي.السائل رائحته كريهة.فهمت.لكن لم اعرف ماذا افعل.أضع يدي بين فخذي حتى امنع ذلك السائل المهين و الكريه.تمتلئ اصابعي بالدم.تنزل قطع حمراء داكنة كالكبد.ارتعش ,السريرالحديدي يطقطق.أسناني تصطك.أحس بالمهانة.ماذا لوامتلات ارض الغرفة بالدم؟السلالم؟الحي؟أصرخ.يأتي ابي.عيناه نصف مغمضتين : آش بيك؟ صوته يشبه الحشرجة.آشبيك؟عيناه نصف مفتوحتين.آش بيك؟ وجهه مستطيل و جبهته اكثر بروزا.شعيرات مجعدة يحاول ان يخفي بها صلعه.آش بيك؟صوته يزداد حدة.الدموع كحبات الرمل, كالابر تنغرز في العيون.آشبيك؟اريد امي. .ينزع عني الغطاء,يرى سوءتي.الازار تشرب الدم حتى البلل. يدي بين فخذي,احاول ان امنع النزيف المهين ..يتسمر.عيناه كقطعتي زجاج, ينظر الى الازار الملوث بالفضيحة.ينظر الى نهدي, الى وجهي الذي امتلأ بثورا حمراء.تفاجة آدم تصعد و تنزل . يحك قفاه أهز رأسي من اليسار الى اليمين كأنني ادفع عني تهمة .يفتح خزانة الملابس ,يمدني بفوطة كنا نمسح بها أرجلنا.يرميها بعنف باتجاهي.يبصق على الارض يخرج .لا أزال مكورة فوق السرير.أنظر الى بقع الدم , الى الفوطة الخشنة. تأتي المرأة التي تقاسم ابي مجونه.تخفي عريها بازار ابيض.تضحك ضحكة لزجة ماجنة بلا معنى. تقول بصوت خشن بفعل السجائر“نوضي قفزي الله يمسخك, ها انت وليتي امرأة”.يومها ,كرهت أبي ,كرهت جسدي وأحببت امي.
صباحا أستفيق على صراخ المرأة التي أحضرها أبي .أفتح عيني المنتفختين, أوار بالباب.المرأة ترمي بورقة نقدية خضراء في وجه ابي,التفال يخرج من فمها,تنتفخ أوداجها,تبدو كضفدعة.”على هذا بهاد الثمن؟”,و تشير الى ما تحت بطنهاالأكرش في حركة وقحة.يعاود ابي دس الورقة النقدية في جيب سرواله القندريصي الذي يستر نصف مؤخرته فقط. يرفع رجله اليمنى ويصوبها نحو مؤخرتها”خرجي الق.. النسا حطب جهنم”.تنجح المرأة في الافلات.يصفق الباب وراءها بعنف واضح . تستمر في الصراخ حتى و هي في الشارع”حرام عليك تاكل عرق الوليات, الله يدخلهم عليك بالحرام”.عيناه ضيقتان كثقبين صغيرين مظلمين,لاتنسجمان مع أنفه الضخم الممتلئ بآثار الجدري.يسند جبهته الى الحائط, أستطيع ان اسمع انفاسه المضطربة,يضرب الحائط بقبضة يده,يبصق على الارض , أسمعه و هو يسب دين النساء.المرأة لا تزال تصرخ ,تريد جلبابها و حقيبة يدها.يفتح حقيبتها و يرمي بها من النافذة.تنتشر محتوياتها على الاسفلت.يتسابق الاطفال لسرقة ما تقع عليه أيديهم.يمزق الجلباب و يعاود رميه من النافذة, يجلس على حافة الكرسي و هو يلهث,ثم يضحك في ارتياح.
أستطيع أن اخمن ما سيحدث بعد ذلك. سيدخل الحمام, يستحم, يستقبل القبلة, يقول” اللهم اني نويت صلاة ركعتين لوجه الله”.نفس الحكاية تتكرر كل يوم سبت مع اختلاف بسيط في التفاصيل.
مع اقتراب يوم السبت, يحط على صدري حجر ضخم لا يتزحزح.أصبحت أكره يوم السبت, وأصبحت أفهم لماذا يسمي الجيران أبي ب “ترانت سيس”.

24 نونبر 2007

موت


أضغط على الريموت كنترول…المذيعة تبتسم تظهر اسنانها البيضاء اللامعة ..كيف تستطيع الحفاظ على أسنانها بيضاء ؟

…وقد هاجمت اسرائيل مدينة غزة انتقاما لمقتل جنديين اسرائيليين

تزداد ابتسامتها اتساعا…تضع عدسات لاصقة خضرا ء اليوم بنفس لون الفستان الضيق. اللون الاخضر لا يناسبها ..يكشف استدارة نهديها

وجد معايا الطبلة- لحم الغنمي يكفي علاش حمرتي حتى الدجاج ؟

جثت متعفنة ..رؤوس مفصولة عن اجسادها

أغرز الشوكة والسكين في قطعة اللحم ، ألتهمها بتلذذ

الله يعطيك الصحة اللحم بنين: يقول زوجي

المذيعة تحاول ان تبدو حزينة…الغوباشة لا تناسبها

regarde sa robe est très belle

امهات يبكين…بؤس ..فقر…صراخ..دماء يمتصها الاسفلت

بغيت عصير طانك-اسكب العصير لابنتي

الكوكاكولا احسن كتساعد على

الهضم ولكن كتدير الغازات

-وتستعمل اسرائيل اسلحة وقنابل ممنوعة دوليا

ماما شوفي كنشطح بحال نانسي عجرم

-تتلوى الصغيرةتغني:آه ونص بص بص بص

اصفق لها …تشبهني كثيرا حين كنت طفلة

الله يحفظك ليا آزينة البنات

:يقول زوجي-طفلي الصغير يشعر بالغيرة،يقفز من الكرسي

:انا كنغني احسن منها، يكور قبضته على شكل مايكروفون

علاش مابغيتيش تجي يالمشيشة

شريت ليك الشكلاط والشيشة

وانت بغيتي الكوستيم والطريبيشة

تدمع عينايا من الضحك

on ne parle pas quand on mange

mais vous parlez toi et maman

انا وماماك كنتكلمو في اشياء مهمة

يصمت طفلي..تصمت طفلتي

“وفي العراق قتل 42 مدنيا بينهم ثلاتة اطفال وجرح 15 اخرين سبعة

منهم في حالةخطيرة اثر سقوط قنبلة …و

- نهارالسبت بالليل غادي نمشيو “البالكون33″كاينة واحد الراقصة أمريكية كترقص الرقص الشرقي.

- لا ..السبت كاين ماتش سخون بين الرجا والوداد وغادي نرجع مهلوك من التيران ، ولكن الى ربحت الوداد نمشيو فين ما بغيتي

انت شي نهار تقتلك الكرة

-معلوم الراجل هواللي يموت على بلاده ولا اولاده ولا الوداد–ديماحمرا

نمشي معاك لتيران ؟ :يقول طفلي بفرح- احفظ دروسك ويالله معايا

-عملت التمارين كلهم ..بقا لي درس التاريخ ماقدرتش نحفظو صعيب بزاف

ركز مزيان ..التاريخ ساهل..هي نفس الدروس كتكرر دائما

-المذيعة لا زالت تتكلم أحمر الشفاه الوردي لا يناسبها يجعل فمها يبدو كبيرا

وستغادراليوم باخرتين محملتين بالسياح باتجاه اسبانيا …الحرب المفاجئةعلى لبنان..وقد رفضت اسرائيل….الى…حين …مغادرة السياح

فيقيني بعد ساعة.. نعاسي ثقيل بحال الميت : يقول زوجي ثم يتمدد على الكنبةالمواجهة لجهاز التلفزيون

20 نونبر 2007

جراح الروح والجسد (الأخيرة)


هؤلاء المكبوتون موجودون في كل مكان: في البيت, في الشوارع , في محلات البقالة , في سوق الخضار و حتى في الحافلات. يستغلون الزحام و الغفلة ليفرغوا مكبوتاتهم الحيوانية في ضحاياهم من النساء الغافلات الشابا ت أو العجائز. بعض العجائز تعجبهن اللعبة و يتظاهرن بالغفلة و عندما تنتهي اللعبة يصرخن في احتجاج . رأيتهن كثيرا في الحافلات…)تقول الهام و هي ما زالت عارية :-أعرف لن تنام حتى تنشر الخبر في كل المدينة القديمة وتزيد وتنقص حسب هواها و تضخمها حتى تصبح بالحجم الذي يرضيها.كنت أنظر الى جسم الهام الشائه , واخيرا نجحت في الكلام قلت لها:-سأذهب للصيدلية و أشتري بعض الأدوية لعلاج جراحك.أوقفتني باشارة من يدها:-لا تفعلي. جراحنا تشفى وحدها لسنا في حاجة لدواء الصيادلة.ثم نظرت لحقيبتي وقالت:-ما الأمر؟ خصومة مع زوجة أبيك؟-بل مع أبي.-ماذا حدث؟صمتت لحظة و قلت لها:-سأسافر الى فرنسا.بدت للحظة كتمثال شمع:-كيف؟متى؟ لم تخبريني بشيء.-لم أخبر أحدا بالأمر.صرخت في وجهي و الدموع تملأ وجهها:-أنا لست أي أحد. أنا أختك , صديقتك.أحكي لك كل شيء. تعرفين حتى ما بداخل مصاريني, تجلسين معي , تأكلين و تخفين عني أمرا كهذا, بل ربما كنت تنوين السفر بدون وداع , انك مثلهم غدارة و خائنة للعشرة.لم أرها بهذا الشكل أبدا. ضممتها الي وقلت:-ليست قسوة بل حب. خفت فراقك, خفت لحظة الوداع. انك لا تفهيمين ما أحس به نحوك. لا تعاتبيني أرجوك, يكفي ما سمعته من أبي.مسحت دموعها و قالت:-متى قررت السفر؟-اقترحت علي جوزيان السفر لانشاء جمعية تعنى بضحايا التحرش الجنسي من الأطفال.-هراء! هل تظنين نفسك ستصلحين الكون أنت وجوزيان؟-أنا و جوزيان و الآخرون . لا بأس من المحاولة-لست مقتنعة بالفكرة, لكن فرنسا جميلة. اذهبي هناك و اعملي في أي شيء: نادلة في مطعم..أي شيء.. ما دمت بعيدة عن هنا. و عندما تجمعين مالا كثيرا عودي و افتحي حانة. ستصبحين ثرية.-هذه أحلامك انت الهام. أنا سأنشئ جمعية و أدرس ألا تفهمين؟-فعلا يبدو أننا أصبحنا نتكلم لغة مختلفة.-الهام. لماذا لا تتركي هذا العمل؟ لأجل دعاء. فكري بها عندما تكبر.أشعلت سيجارة . كانت يداها ترتعشان و تتحسان من حين لآخر أماكن الأسنان المكسورة.حاولت أن تتكلم بهدوء:-سأترك العمل حاضر. لكن قولي لي أين سأعمل؟ في الشركة التي تركها أبي ؟ أم في المصنع الذي تركته أمي؟ قبل أن تقولي أنت و غيرك اتركي هذا العمل أعطوني البديل, أم تحسنون الكلام فقط؟ هل تنوين حل مشاكل الناس الذين يأتون جمعية المستقبل بالكلام؟ الهضرة ما تعمر خضرة.-أقصد…أسكتتني باشارة من يدها و قالت:-خذي دعاء لتنام بجانبك هذه الليلة. لا أستطيع ضمها الي. جسمي متألم و اطفئي الضوء.أطفأت الضوء . ضممت دعاء , قلت لالهام:-سأكتب لك كثيرا و من يدري؟ قد أجد حلا و أرسل اليك لكي تلحقي بي.صمت ثقيل يلف المكان و بعدها قالت :-ستكتبين مرة و اثنتين و بعدها ستأخذك الحياة. ستنسين الهام و دعاء و و كل الأيام الجميلة.-سترين أنني لن أنساك..لن أنسى دعاء.. لو كانت ابنتي…دفنت رأسي تحت الوسادة وبكيت.صباحا حملت حقيبتي , عانقتها , ضممت دعاء الي, أعطيتها بعض النقود كانت تفيض عن حاجتي. نجحت في حبس دموعي و انصرفت.في المطار , جلست أنتظر الطائة. كنت أشعر بشعور غريب : الخوف من المستقبل , المجهول ربما. احساس بالمرارة في حلقي . أنظر في كل الوجوه عساني أرى وجه أبي. لو يأتي ؟ لو يرضى عني ؟ دخلت المرحاض, غسلت وجهي من آثار الدموع ..خرجت و….رأيته, انه هو أبي.! عانقته . لأول مرة أحس بدفء ذراعيه. احساس رائع ..رائع. انتبهت لنفسي كنت أبكي بصوت مسموع. لم أكن وحدي , حتى أبكي كان يبكي. يا الهي! هل هو يبكي مثلنا؟ عانقته ثانية لأشبع من حضنه. لم يعانقني أبدا قبل الآن. قال لي بعد أن مسح دموعه:-سافري يا ابنتي و قلبي راض عنك.-كيف اقتنعت بفكرة سفري؟-أنا لم أقتنع بشيء. أخاف عليك أولاد الحرام. الدنيا خايبة آبنتي. كنت أريدك أن تتزوجي و تنجبي و تتركي الدراسة ووجع الدماغ. المرأة مكانها في البيت و الأولاد….لكن رأسك صلبة. افعلي ما بدا لك ..سافري .عانقته بقوة , بقوة. كم أنت رائع يا أبي! لو أشعرتني بالحب قبل الآن كانت تغيرت أشياء كثيرة في حياتي.نظر الي ثانية وقال:-سأطلق سراح زوجتي. قررت هذا منذ مدة لكن بالأمس عندما غادرت البيت تكلمنا كثيرا, و اتفقنا على كل شيء. سأطلقها و أعطيها مبغا من المال و تعود الى قريتها.-ربما هذا أفضل لك و لها.-سترسلين لي رسائل كثيرة؟-أجل و سأحكي لك أشياء كثيرة.أدخل يده في جيب سرواله و أخرج سلسلة ذهبية:-هذه آية الكرسي, ضعيها حول عنقك حتى تحفظك.قبلت يده و جبهته. ضمني اليه ثانية و ذهب
***************************************************
حق الصورة محفوظ للكناوي
أخذتها حين زيارتي لقبري المرحومتين زوجة أخي ومليكة مستظرف بمقبرة الرحمة بالبيضاء

جراح الروح والجسد ٦


يكفي تمثيلا.لما هذه الدهشة المرتسمة على وجهيكما؟ كأنكما لا تعرفان شيئا. ألم تكونا تعلمان أن لكما أخت قحبة؟صرخت حديجة من خلال دموعها:-أجل قحبة.كنت أريد المال الكثير , الكثير جدا. كنت أريد أن البس كالناس, آكل كالناس. كنت أريد هذه الدنيا بطولها وعرضها. ووالدك كان شحيحا. لو الأمر يعود اليه للبسنا جميعا ثيابا مرقعة.-وزوجك كذلك شحيح. بل أكثر شحا من أبي فكيف تتصرفين؟ هل ما زلت تذهبين لتلك الشقق؟-سأقول لك كل شيء لكي ترتاحي. لم أعد أذهب لتلك الشقق لأن الزبائن أصبحوا يأتون الي في شقتي وزوجي يعلم, انه واجة فقط.أنا أصرف على البيت وأنا من اشترى له محلا تجاريا.شعرت بالدوار. ماذا أسمع؟ هل يعقل هذا؟ نظرت الى كوثر و أمينة أحاول أن أقرأ أثر المفاجأة على وجهيهما. لا أثر. كأن المسألة عادية جدا. أو كأن خديجة ألقت عليهما تحية الصباح.سألتهما:-هل سمعتما؟ هل..قاطعتني خديجة بعد أن مسحت دموعها:-انهما تعرفان كل شيء.و أساعدهما على تحمل أعباء الحياة. كل واحدة تأخذ راتبا شهريا.عرق بارد يلف جسمي.دوار عنيف. جريت الى الحمام.تقيأت كل شيء. يا الهي ! اذا كانت الحياة بهذه القسوة فكيف يكون الجحيم؟ مصيبة لو كان كل شيء يتم بعلم أبي.استجمعت قوايا و قلت:-سيكون شيئا رائعا لو كنت تفعلين ما تفعلين بعلم ابي.-لا تكوني غبية أبي لا يعلم شيئا.-ولماذا لا يعلم؟ يأتيك هو الآخر بزبائنه وتنضم اليك كوثر و أمينة و زوجته و عوض أن أسافر الى فرنسا نفتح شركة لبيع اللحم الرخيص. فنحن قوم لوط.-قولي ما يحلو لك , سأذهب.-قبل أن تذهبي اريد أن أسألك :هل والدتي رحمها الله كانت تعلم بالأمر؟-رحمها الله لم تكن تعلم شيئا, كانت تصدق كل أكاذيبي.تنهدت بارتياح.جلست على كرسي و قلت لهن جميعا:-الآن ازداد اقتناعي بضرورة السفر, لو أستطيع تغيير جلدي و عظامي و حتى هذا الدم الذي يجري في عروقي لما ترددت لحظة واحدة.سأسافر لكنني سأعود لأجل دعاء ابنة الهام,لأجل هذا الطفل الذي سيولد لكي لا ترتكبي جريمة في حقه هو الآخر. قبل أن أنسى من يكون والده؟لم تجبني, خرجت و صفقت الباب وراءها.لم يبق الكثير على سفري. كان لا بد من اواجهه بنفسي .لست في حاجة لوساطة أحد. لم أعد أحتمل الحياة في هذا الوسط الموبوء.جاء أبي نظر الي ثم قال:-ماذا بك؟ كنت تبكين؟-نعم-لماذا؟ ماذا حدث؟ خصومة مع زوجتي؟-لا.-ماذا اذن؟ تكلمي.-أبي ..لا أعرف بماذا أبدأ حديثي.-تكلمي ماذا حدث؟-لقد قررت السفر.-ألم تنسي حكاية الرباط و الصحافة بعد؟-هذه حكاية قديمة , الجديد هو أنني سأسافر الى فرنسا.-يبدو أنك لست في وعيك.-بل لم أكن ف وعيي مثل الآن. كل شيء جاهز: تذكرة السفر, التأشيرة و حتى حقيبتي, لم يتبق سوى موافقتك.-جهزت الجواز و التذكرة و التأشيرة وحتى الحقيبة و أنا هنا في دار غفلون.-كنت أعرف أنك سترفض ففعلت ذلك خلسة.-و تريدين وضعي أمام الأمر الواقع.فيلم هندي هذا أم مصري؟-فيلم مغربي.أرجوك أبي أن توافق لا أريد أن أسافر وأنت غاضب مني.-أتريدين أن تتحديني؟ أن تخرجي عن طوعي؟ افعلي ما بدا لك. لكن لن أدفع لك فرنكا واحدا.-لا أريد نقودا..أريد موافقتك.-و أنا لست وافقا.غدا على الساعة العاشرة صباحا سأسافر.-اذن احملي حقيبتك واخرجي الآن في هذا الليل.-أبي ارجوك لماذا تعقد الأمور؟-أنت من يعقد الأمور. اذا كنت تريدين السفر لأجل الدراسة فالبلد مملوءة جامعات. الا اذا كنت تنوين السفر لأجل شيء لآخر.-شيء آخر مثل ماذا؟-كل الفتيات اللواتي يسافرن للخارج زنديقات.يا الاهي لا يستطيع التفكير أبعد من مؤخرته.-أبي أكررها للمرة الألف: اذا كنت أريد العيش على سجيتي فلست في حاجة للسفر .سأفعل كل ما أريد و أنا هنا بقربك و أنت في دار غفلون.صمت . كان يدرع الغرفة جيئة و وذهابا ثم قال:-كل أخواتك مهديات مرضيا الا أنت.استفزني:أبي لا تكرر على سمعي هذه الجملة ثانية أكرهها.-رائع انك تصرخين في وجهي. طبعا (حطيت عصاتي أصبحت نتضرب بيها). اسمعي احملي حقيبتك و اخرجي الآن لا تنتظري حتى الغد.-لست جادا أبي.-لم أكن جادا كاليوم أبدا. واعتبري أنه لا أب لك.-لماذا كل هذا؟ أليس من حقي السفر؟-هل هذا ما علموكم في المدارس؟ تحدي اهاليكم؟ تحدي أهاليكم؟ تريدين لوي دراعي؟ من السهل علي جدا تمزيق جواز سفرك و كل الأوراق و أقفل عليك البيت لا دراسة ولا هم يحزنون. وأزوجك لأول كلب يطرق الباب. لكنني لن أفعل لأني مللت رؤية وجهك العكر. و الآن أخرجي اذهبي عند أولئك الذين ملأوا رأسك بالكلام الفارغ لبست ملابسي , حملت حقيبتي وصورة أمي لا يمكنني أن أتركها خلفي وحيدة. أخذت سيارة طاكسي و ذهبت الى بيت الهام. فتحت الباب , توقعت أن أجدها كالمعتاد نائمة على سريرها . لم تكن متواجدة. البيت في منتهىالفوضة : علب جعة فارغة , أواني متسخة. رتبت السرير , غسلت الأواني و ناديت دعاء من عند الجارة. أعطيتها قليلا من الحليب والبسكوت. جاءت الجارة و هي تطرقع العلك , سألتها:-ألم تأت الهام؟-لم تأت. لابد أنها نايمة في العسل عند أحدهم. ياريت واحد من أصحاب الدشداشة.أتعرفين لو ذهبت مع واحد من أصحا ب الخليج فستكسب في الليلة ما تكسبه في البار ف ثلاثة أشهر, أيديهم سخية يبعثرون الأموال هنا وهناك. وأكل و شرب و هدايا. هل تعرفين كلثوم بنت حادة؟ لا أنت لا تعرفينها. الهام تعرفها كانت جميلة, ياه! طويلة وعريضة و شعرها أشقر و طويل يصل حتى ما تحت مؤخرتها كشعر الخيل , وبيضاء كالقشدة و لها عينان سبحان من سواها وخلقها. قبل أن تصل سن الرشد والخطاب يقفون على باب بيتهاطوابير. هي لا تشبه أمها ابدا أمها سمراء ممكن أنها تشبه والدها نعن لا نعرفه. ما علينا المهم ان أمها كانت ترفض كل المتقدمين لابنتها, الى أن أتتها خديجة العورة .الا تعرفينها؟ لقد غادرت الحي , هي قوادة. أتتها بواحد من الامارات, لديه سيارة سوداء طولها متران و لديه سائق . يقولون أنه أمير و الله أعلم. كان كبيرا في السن . حوالي الستين. الرجل لا يعيبه الا جيبه, و البنية كلثوم عمرها سبعة عشر سنة رآها الرجل وجنّ عليها. لاتصدقين اذا قلت لك أنه أعطاها في المهر فيلا لا يخرجك منها الا سكرات الموت.الفيلا أكبر من حينا هذا كله. يلزمك سيارة لتنقلك داخل الفيلا.عاشت معه سنتين في الجنة وأخذت معها أمها. و لما مات أخذ اخذ أولاده كل شيء حتى الفيلا التي تسكنها و الحلي التي تملكها باعتها لكي تعالج نفسها من مرض ما.جميعة تقول أنها مصابة بالزهري لكن لا.. لو كانت فعلا مصابة بالزهري لما احتاج الأمر أن تبيع كل هذه الحلي. المسألة أكبر يمكن مصابة بالسيدا. ياه تأخرت الهام كثيرا!(يا الهي متى تصمت هذه المرأة؟).كنت أنظر اليها و أتساءل ان كان هناك زر في مكان ما من جسم المرأة أضغط عليه فتصمت الى الأيد.-ها هي الهام .صرخت المرأة.نظرت جيدا, كانت هي..لكن ثيابها ممزقة, كدمات زرقاء على وجهها شعرها أشعث.أدخلتها الى البيت.ماذا حدث؟ تبعتنا المرأة و أقحمت نفسها و هي تضرب صدرها الممتلئ بيدها و تطرقع العلك. تبحث عن حكاية ترويها لأهل الحي. جلست الهام على حافة السرير و هي تبكي بهيستيريا و حرقة:-أولاد الكلب..يلعن ابوهم..الله ياخذ فيهم الحق.و تنخرط في نوبة بكاء عنيفة. لا أجرؤ على سؤالها.تتولى المرأة سؤالها:-ماذا حدث يا أختي؟تمسح الهام دموعها. أنتبه الى فمها جيدا..لا أثر لبعض الأسنان في فكها السفلي.علامة استفهام كبيرة مرتسمة في رأسي. أشحت بيدي على وجهي كأنني أطرد ذبابة سوداء كريهة. جلست الهام نزعت ملابسها و قالت:-أنظري ..أولاد الزانية ماذا مفعلوا بي؟ أنظري لظهري وفخذي..لا أستطيع الجلوس مؤخرتي تؤلمني.ندوب زرقاء و بنفسجية تملأ ظهرها و كامل جسمها .دماء متجمدة على بعض الجروح. لم أستطع النظر اليها طويلا , لم أستطع الكلام, احتبست الكلمات في حلقي كأنني ابتلعت لساني :-ماذا حدث؟ سألتها المرأة متلهفة لمعرفة كل الأخبار السيئة. ثم أردفت و عيناها تلمعان بلهفة :-هل أمسكوك في الكوميسارية؟ أخذوك للدار الحمراء؟ لا يضرب أحد مثل هذا الضرب الا هناك. لكن لماذا؟-عندما كنت أداوم في البار , انتبهت لشخص يجلس في أحد الأركان لا يرفع عينيه من علي. لم أره من قبل في البار, فنحن هناك نعرف بعضنا البعض .تنخرط في البكاء من جديد ثم تضيف :-ولد ز..الله يوريني فيه يوم , يا ربي أنا أمة تحت سماك أمنيتي أن أراه و الكلاب تمزق لحمه قطعا قطعا و يستغيث و لا من مغيث. لا..لا..أريد أن تسحقه شاحنة الزبال تمحقه أرضا فيختلط لحمه و عظامه مع الأزبال و يسيل دمه مع البالوعات..تنزع تلك المرأة السمينة غطاء رأسها :-الله ياخذ فيك الحق يا ولد الحرام..الله يجعلك مثل ثور الوحل ما ان ترفع قدما حتى تغرق الأخرى ..الله يعطيك..تلتفت الى الهام و تسأل:-ما اسمه حتى أدعي عليه؟-قال اسمه محمد. كان يرتدي بدلة وربطة عنق بالأسود و قميصا أبيض و حذاء أسود يلمع. يحمل مفاتيح كثيرة في يده و شعره ممشوط بعناية يلمع هو الآخر. عندما عرض علي الذهاب معه قلت : و لما لا؟ على القل واحد نظيف بدل هؤلاء الصعاليك الذين يملأون المكان. و ما سآخذه منه سأشتري به حذاء لدعاء و كيلو لحم. ذهبت معه في سيارته المرسيدس البيضاء. لم يكن يتكلم كثيرا, بل لم يكن يتكلم قط. أخذني الى خارج المدينة , لا أعرف أين بالضبط. عندما سألته لم يجبني. اشعل سيجارته و صمت. ساعتها شعرت بالخوف وتمنيت لو أعود. لكن الليل! خفت أن يتركني في الشارع.ليته تركني لكان أرحم. ربما الكلاب الضالة لم تكن لتفعل بي ما فعل بي ابن ال…ذهبنا الى فيلا في طور البناء, الطابق السفلي مكتمل لكن لم يصبغ بعد. أكياس الاسمنت مرمية هنا وهناك و الرمل و المسامير. رفضت ات أنزل جذبني من شعري بعنف و أدخلني الى الداخل , صرخت , قاومت لكن لا من مغيث.الأرض خلاء و الظلمة : تمد ايديك تقطع.أنا ر شمعتين و أمرني أن أنزع ملابسي و عندما رفضت مزقها فوق جسمي و ربطني الى أحد الأعمدة و شرع يمارس علي الجنس بطريقة غريبة. لم يكن وحده , فجأة خرجوا من الظلام كالعفاريت , كالجرذان. كانوا أربعة ربما أكثر, لم أتبين ملامحهم و لن أعرفهم حتى لو التقيتهم ثانية. مارسوا علي كل أنواع التعذيب من اهانة و ضرب و أخذوا نقودي. تصوري ! أتيت من هناك سيدي رحال أظن لست متأكدة.. تصوري من سيدي رحال الى المدينة القديمة.. أحس أنني قطعت نصف الكرة الأرضية على قدمي. أحس أ ن الله يصر اصرارا عجيبا على تعذيبي. و لدت و لا أعرف لي أبا قط, اسم بنت الحرام يلتصق بي كالوشم. خالي و أخي اغتصباني منذ المهد, أمي الوحيدة التي كانت سندي في هذه الديا تموت وتتركني أنا و طفلتي في عالم كله ذئاب و حيوانات و ماذا بعد؟تسكتها المرأة:-استغفري الله المؤمن مصاب.تصرخ الهام في وجهها:-من يدلك على ايماني؟ من قال لك أنني مؤمنة ؟ جبهتي لا تلامس الأرض الا اذا انكفأت على وجهي من شدة السكر. الصوم أجوع فقط كالآخري. تركت لكم الايمان و كل شيء فقط أريد أن أرتاح. أن أضع رأسي على الوسادة و أنام. لقد حملت الهم مبركرا.تقف المرأة و تستأذن لكي تنصرف:-سأذهب الله معك.

جراح الروح والجسد ٥



كان لا بد أن اعرف لماذا انتحر “قدور” ؟ ما هو السبب الخطير الذي جعله ينتحر؟ انه جبان نتن. لانتحر الا الجبناء. علمت بعد ذلك بخبر قدور زوجته “النصرانية” كان اسمها جوزيان , أتت للمغرب لتصفية كل الأمور المادية في المغرب و العودة الى فرنسا. لم أكن أملك رقم هاتفها لذلك ذهبت اليها مباشرة. قرعت الجرس فتحت لي الباب. تغيرت كثيرا, سبق لي أن رأيتها مرتين. كانت أردافها ممتلئة. أما التي أرى أمامي فهي هيكل عظمي متحرك.يبدو أنها لم تتعرف علي قلت لها:-أنا قريبة “قدور”.تغيرت ملامحها , بدت ممتعضة:-ماذا تريدين؟أحسست بالحرج . ماذا أقول لها؟-علمت أنك هنا و أردت فقط أن ..صمتت قليلا, لم أعرف ماذا أقول في الحقيقة. بدت متضايقة ثم قالت:-تفضلي بالدخول.دخلت. البيت أنيق جدا , مؤثت على الطريقة المغربية. كيف أبدأ حديثي معها؟ علي اللعنة لماذا اتيت؟ فلينتحر أو فليذهب الى الجحيم ما شأني به؟قطعت الصمت بجملتها؟-تودين معرفة لماذا انتحر “قدور” أليس كذلك؟-نعم اذا كان ذلك ممكنا.-في نظرك لماذا انتحر؟شعرت بالحرج:-لا أدري. لو كانت لدي أدنى فكرة لما أتيت لأسألك.أشعلت سيجارتها , تنهدت ثم نادت بأعلى صوتها:-زهرة , تعالي حبيبتي.و أتت زهرة طفلة شقراء في حوالي الخامسة من عمرها . ربما اكبر قليلا, جميلة جدا لا يملك المرء الا أن يحبها. أجلستها والدتها على ركبتيها و قالت لها:-احك للآنسة ماذا كان يفعل معك بابا؟بكل عفوية وبراءة اخذت تحكي:-عندما كانت تذهب ماما للعمل يأخذني بابا , ينزع ملابسي كلها ويقبل جسمي وبعدها ينزع بنطلونه ويخرج شيئه ويضعه في مؤخرتي. كنت احس بالألم لكنه كان يقول لي لو اخبرت أي أحد سألاميك في الغابة و تأكل الذئاب جسمك.شعرت بالأرض تميد بي, عرق بارد يلف جسمي.-اذهبي الان يا زهرة .سأكمل لك الحكاية:في يوما ما وجدت حرارتها مرتفعة اخذتها الى الطبيب, عندما فحصها وجد تعفنا في جهازها التناسلي وبكارتها مفتضة, شككت في كل الناس, في مدرسها في حارس الفيلا في الجيران الا في قدورقرر الطبيب ابلاغ الشرطة استمهلته حتى أعرف منها بنفسي وكانت الصاعقة قالت: أبيهل يعقل هذا؟ لا أستطيع أن اعبر بالكلمات, جربت كالمجنونة الى البي لأكتشف أن زهرة لم تكن وحدها الضحية : فاطمة ويوسف أولادي الآخرين.هل تصدقين هذا؟ هل هناك من يفعل بأولاده هذا؟ هذه الأشياء كنت أقول أنها تحدث للاخرين فقط.نسمع عنها في الأخبار و الجرائد , لكن أنتقع عندنا؟ لا . عندما علم أن خبر جريمته انكشف انتحر. كنت أود لو أقتله بيدي, لديه أموال كثيرة كان من الممكن أن يذهب الى أية ساقطة ويفرغ مكبوتاته الحيوانية, لكن أن يفعل هذا بأولاده أية وحشية هذه؟صمتت قليلا لتلتقط أنفاسها و أشعلت سيجارة أخرى و قالت:- أولادي الآن يعالجون في مصحة نفسية, سأكون جمعية تعنى بضحايا الاعتداء الجنسي ,يجب ان نحمي أطفالنا من أمثال هؤلاء.لم أعرف ماذا أقول لها؟ أحسست برغبة عنيفة في البكاء عّل دموعي تخفف عني. وددت لو أصرخ بأعلي صوتي فارتدت الصرهة في جوفي.ماتت الصرخة قبل أن تولد.أجهشت بالبكاء , نظرت الي جوزيان نظرات غريبة قلت لها:-أجل أنا كذلك عانيت مثل زهرة وفاطمة ويوسف.قدور حطمني أفسد حياتي.لم يكن وحده البقال و الرجل الأسود.-ابك ,هذا جيد لا تتركي هذه الأشياء تعكر عليك حياتك.عندما نبكي و نتكلم نرتاح.لكن لماذا لم تخبري أهلك والشرطة؟-لأننا نخاف الفضيحة.الناس لن ترحمني ستصبح سيرتي علكة تلوكها الأفواه الكريهة.ضربوني وقالوا: أصمتي.فصمتت.أنتم هناك لا تخافون شيئا.هنا نرضع الخوف و القمع من ثدي أمهاتنا.-فهمت.لكن ما رأيك أن تتغلبي على خوفك و تأتي معي الى فرنسا؟-ماذا أفعل هناك؟-ساعديني على انشاء الجمعية.اجعلي من تجربتك درسا للآخرين, ساعديهم على تجاوز أزماتهم و عندما تنجح التجربة هناك هنا,تكونين المسؤولة عنه.-ستنجحين هناك في بلدك, لكن هنا أشك.أؤكد لك ستجدين هنا في أغلب البيوت حكاية مثل هذه و أفظع.أشياء لا تتصورها العقول ,لكن لا أحد يتكلم .هذه مواضيع مسكوت عنها.-الى متى ستظل أمور كهذه تحت الغطاء؟-لأننا اذا عريناها ستطفو روائح كريهة على السطح.روائح فضائح تزكم الأنوف. حكايات اعتداءات داخل الادارات , في المستشفيات, في البيوت, في الشارع, حتى في الحافلات. يقول المثل المغربي : نبش تجبد حنش. والحنش أفعى كلما قطعت رأسها نبت لها ألف رأس و رأس.عو دي الى بلدك و افعلي ما بدا لك,لكن اتركينا هنا نأكل و نتغوط وننام كالدواب و نغرس رؤوسنا في الرمل كالنعام.-أنتم جبناء . قالتها بعصبية.-قولي ما بدا لك , أجل نحن جبناء.-سأكرر ثانية : تعالي معي الى فرنسا.-أنا لم أستطع السفر الى الرباط لدراسة الصحافة فكيف سيتركوني أسافر الى آخر الدنيا؟-فرنسا ليست آخر الدنيا.-كل مكان خارج البيضاء بالنسبة لهم آخر الدنيا.قطبت ما بين حاجبيها ثم قالت :-هم؟ من؟-هم؟ أهلي ..أبي.-بنازير بوتو عندما كانت في مثل عمرك قلبت بلدا باكمله وأنت مازلت تقولين أبي.-بنازي بوتو لم يكن لها أب مثل أبي.-كل هذه الأعذار واهية. اذا كانت لديك ارادة قوية و عزيمة وكنت تؤمنين بقضيتك , ستقفين في وجه الشيطان.-في وجه الشيطان نعم, لكن في وجه أبي لا.-هل والدك غول خرافي؟ هذا الخوف بداخلكانت فقط, جربي أن تتحديه , أن تقفي في وجهه و تثوري.ماذا سيحدث في أسوأ الأحوال؟ سيطردك؟ فليفعل بيتي مفتوح لك. و يوما سيفتخر بك. الفرصة تطرق بابنا مرة واحدة و أنا أمنحك اياها.تعالي معي, ساعديني على تأسيس الجمعية , حققي حلمك بأن تصبحي صحفية , تحرري من هذه الأغلال و الأصفاد التي تكبلك .ستجدينني دائما رهن اشارتك .حانت مني التفاتة, رأيت زهرة منزوية في ركن الغرفة تلعب بدميتها, تذكرت طفولتي : الرجل الأسود, بقال الحي, قدور القدر, الحرق في فخدي ,المرحاض المظلم, دعاء ابنة الهام, لو أستطيع أن آخذها بعيدا و تكون ابنتي ! نظرت ثانية لزهرة, آه ! كيف لك أن تنسي أيتها الطفلة؟ أستطيع أن أحس بكل ما تعانين.تذكرت جملة أبي: يريد أن يأتي بأبنائه الى المغرب لكي يربيهم على مبادئ الاسلام. كان يريد أن يهرب بجريمته الى هنا. كان يعلم أن أمره سينكشف يوما ما . أي مبررات سيقدمها علماء النفس لشخص مثل هذا؟نظرت لجوزيان وقلت لها:-لست جبانة سأصرخ و سأكسر هذا الصمت و سأتقيأ كل ما ظل مختزنا في جوفي طوالا هذه السنين , سترين و ستسمعين , أعدك.ذهبت الى البيت, لم أخبر احدا بشيء , اتصلت بي الهام كانت فرحة قالت لي:-ذهبت الى الجامعة لأرى نتيجة امتحانك, لقد نجحت مبروك .لم أكن فرحة و لم أكن حزينة:-أشكرك قلتها بكل اقتضاب-ماذا بك؟-لاشيء متعبة.-لقد اتصل بي نجيب يريد أن يراك غدا على الساعة الثالثة بعد الزوال.-حسنا انها فرصة لكي أقطع علاقتي به.-هل أنت جادة؟ لا تفعلي أرجوك-بل سأفعل .سأختلق أي عذر لأنهي علاقتي به.وضعت سماعة الهاتف, و أخذت أفكر في كلام جوزيان.صمت ثقيل يلف المكان, كان ينقر المائدة بأصابع يده نقرات رتيبة تزيد من احساسي بالملل. كنت أرتشف قهوتي رشفات سريعة أريد أن أنهيها بنفس السرعة التي أود أن أنهي بها حكايتي مع نجيب.سألني بصوته الأجش:-ما هو هذا الشيء المهم الذي تفكرين به و يجعلك منشغلة عني؟-علاقتنا اليست شيئا مهما يستوجب النقاش و التفكير؟-ما الذي جد في علاقتنا يستوجب النقاشابتسمت في مرارة:-المشكلة أنه لم يجد أي شيء منذ التقينا. لا تقاطعني أرجوك.أتمنى لمرة واحدة أن أتكلم و أقول ما عندي. عندما عرفتك تمنيت لو أعيش معك ما لم أعشه من قبل: نخرج, نضحك, نمرحو نذهب سويا الى البحر, الى اماكن لم أذهب اليها من قبل.أن أحدثك كأنني أتكلم مع نفسي بصوت مرتفع ,أن لا تكون حواجز بيننا.كنت أتمنى عندما نلتقي نرمي هموم البيت و الدراسة والعمل وراء ظهورنا و لو لنصف ساعة, نضحك من قلبينا.لكن كنت أهرب من المشاكل لأجدك تحدثني عنها…عمل , عمل نفس الكلام لا يتعير أبدا.هربت من الملل فجعلت حياتي أكثر مللا وضجرا. كنت اتمنى عندما أذهب للقياك أذهب بفرح نقي تسبقني أحلامي الوردية و يدق قلبي شوقا لكن كنت أذهب اليك و كأنه واجب اداري ثقيل على نفسي.جذب نفسا عميقا من سيجارته ثم قال بثباته المعهود:-و ماذا أيضا؟صرخت فيه:-أتعرف ؟ في البداية كنت معجبة بثباتك ووقارك.الآن بتّ أكره هذه الرزانة. لايمكنني أن أعيش رزينة أربعا وعشرين ساعة في اليوم سبعة أيام في الأسبوع.أريدك أن تخلع ربطة عنقك هذه و تلبس لباسا رياضيا, نتمشى على البحر , ناكل جلاص , لم تمتدح مرة واحدة تسريحة شعري, لم تبد أبدا اعجابك بفستاني أ و عطري. قد تكون هذه الأشياء تافهة بالنسبة لك لكنها مهمة بالنسبة لي.أطفأ سيجارته بعصبية :-هل أترك عملي و مشاكلي لأجري وراءك على شاطئ البحر؟كنت على وشك الانفجار:-عمل ..عمل ..عمل فليذهب عملك الى الجحيم.أشعل سيجارة أخرى و عاد يقول بنفس العصبية:-فليذهب عملي الى الجحيم, طبعا لأنك لن تخسري شيئا , لم تتعبي كما تعبت لم تذوقي المر كما ذقته. ما وصلت اليه الآن بنيته بتعب السنين و لست على استعداد أن أضيعه من أجل امرأة …-تافهة؟ أليس كذلك؟-اسمعي لماذا لا تذهبين معي الى البيت؟ لن تندمي أبدا.-لدي حل أفضل.لماذا لا نفترق؟-ماذا تقصدين؟ اسمعي لا تفسدي كل شيء . انك تعجبينني و أنا لا أحسن فن الغزل و كل هذا الكلام الجميل و المنمق.اصبري قليلا معي من يدري ؟ قد نتزوج.ضحكت باستهزاء:-هل تظنني مراهقة غريرة؟ ما ان تعدني بالزواج أرتمي في أحضانك؟أقول لك شيئا؟ أحلامي أبدا لا يدخل في ضمنها الزواج.أريد أن تكون لي طفلة نعم لكن لا أريد زوجا,تبدو الفكرة غريبة وغير مقبولة لكن هذ ا كان دائما حلمي.بدا ساهما ثم قال:-لم أسمع عن امرأة ترفض الزواج.-و ها أنت قد سمعت عنها.-هذا ضد الكبيعة الا اذا كنت…سكت ثم ابتسم في خبث. قلت ببرود و أنا أنقر المائدة:-الا اذا كنت ماذا؟ سحاقية مثلا؟ لو كنت كذلك لما همني الأمر و لقلتها على الملأ و لتذهب أنت و الجميع الى جهنم. كل ما في الأمر أن لدي أسبابي الخاصة تجعلني أكره الرجال. سمني معقدة ان شئت.-اذا لماذا دخلت في علاقة معي؟-لا أدري تجربة كباقي التجارب.-تقصدين تسلية كباقي التسليات. كنت تتسلين بي؟بدا منفعلا ثم أكمل:-أنت فعلا معقدة و أقترح عليك زيارة طبيب نفساني.-أشكرك على النصيحة. ما رأيك لو تعطيني عنوان الطبيب النفساني الذي يعالجك؟-لو لم نكن في الشارع لقتلتك.-أنت لن تستطيع قتلي.يمكنك أن تقتل الأطفال أو العجائز هناك في احدى القرى النائية في بلدك الجزائر .لكن هنا لا.جرب و اقسم لك سترى بعد ذلك أياما أسود من شعر رأسك.ابتلع غضبه,أصلح ربطة عنقه ثم وقف .ناديته:-نجيب, لماذا لا نفترق بطريقة حضارية؟ أنا لا أريدك ليس لأنك شخص سيء. بالعكس أنت طيب جدا.لكن هناك أشياء تمنعني من اقامة علاقة جنسية بالتحديد مع أي رجل.لا تسألني عن هذه الأسبا ب أرجوك. لماذا لا تمد يدلك لمصافحتي؟-أنت فعلا غريبة.صافحني تعمد أن تظل يدي في يده .سحبتها في رفق وودعته.جهزت جواز سفري خلسة.لم يعلم أحد بالأمر حتى الهام لم أقل لها شيئا.ضممت الجواز لصدري.بعدها أرسلت لي جوزيان كل الأوراق اللآومة للحاق بها. بعت سلسلتين ذهبيتين و حجزت تذكرة سفر الى فرنسا.حتى حقيبتي جهزتها .لكن كيف سأقنع أبي بالسفر؟ فكرت بالاتصال بشقيقاتي لكي يقنعن أبي بالفكرة.دخلت خديجة بطنها ممتدة أمامها كقنبلة موقوتة ستنفجر في أية لحظة. تبعتها كوثر ثم أمينة.جاءت زوجة أبي, نظرت اليها نظرة ذات مغزى فصعدت الىالطابق الثاني و تركتنا وحدنا. لم نجتمع من زمن طويل على صينية شاي. و نحكي همومنا و أحلامنا. كنت أحس بالغربة معهن .آلاف من المسافات الضوئية تفصل بيننا. في بعض الاحيان لا يكون المرء في حاجة للسفر بعيدا لكي يحس بالغربة , يمكننا أن نحس بها و نحن بين أهلنا و في بلدنا. كيف أبدأ حديثي معهن؟-سأدخل في الموضوع مباشرة دون مقدمات لأو مؤخرات.قالت خديجة :-أعرف لماذا جمعتنا اليوم. الحكاية فيها عريس اليس كذلك؟شعرت بالغيظ. دائما تحاول الظهور بمظهر العالمة العارفة بكل شيء.-الحكاية أبعد ما تكون عن الزواج.-اذن ما هو هذا الأمر المهم الذي استدعيتنا لأجله؟-لو تصمتين فقط و تسمعين؟وضعت يدها على فمها بتأفف.-هكذا أفضل.صمتّ لحظة استجمعت قوايا وقلت:-سأسافر الى فرنسا.وقفت أمينة :-وهل وافق أبي؟-لهذا جمعتكن, لكي تقنعنه بضرورة سفري.نهضت خديجة بعصبية وقالت:-أنا لست موافقة على سفرك.-لماذا؟-لست موافقة و كفى.-أنت ترفضين لمجرد الرفض ليس الا. ثم أنا لا أستشيرك فقرار سفري اتخذته منذ زمن و سأسافر أنا أقول هذا من باب العلم بالشيء فقط.بهدوء سألت كوثر:-لماذا قررت السفر؟ ألن تكملي دراسة الحقوق؟نظرت خديجة بغباء و سألتني:-هل تدرسين الحقوق؟ضحكت بمرارة:-رائع! حتى أنك لا تعرفين ماذا أدرس.أضافت أمينة:-احصلي على الاجازة وبعدها لها رب مدبر حكيم.قلت باصرا:-بل سأسافر و الآن.-اذن سافري .ما شأننا بالأمر؟ قالت خديجة بلا مبالاة.-شأنك أنك أختي و أنا أتحدث معك لكي تساعديني على اقناع أبي.-الا أبي- أنت تعرفين لسان أبي و عصبيته و أنا حامل و لن أتحمل كلامه.-و أنتما؟طأطأتا رأسيهما علامة علىالتملص و الرفض.أحسست بعصة في حلقي. فتحت باب الغرفة و قلت:-يمكنكن الانصراف.وقفت خديجة اضعة يدها على بطنها:-هل تطرديننا؟ انه بيت أبي , ندخله و نخرج منه متى أردنا.-هل من الضروري أن يسمع العالم صراخنا و خصامنا كلما التقينا؟ ابقي أو انصرفي هذا أمر يخصك.-هذا البيت بنيته بعرقي و جهدي ب…استفزتني, نكأت جراحي:-بنيته بعرقك و جهدك؟ حسب علمي لم تكوني موظفة .بل لم تدرسي أبدا.فعن أي جهد و عرق تتكلمين بالضبط؟اصفر وجهها.صمتت و اخذت تبكي .شلالات من الدموع كعادتها:-نسيت؟ منذ ولدت و انا كنت لك أما . أشتري لك الملابس, الدوية , الطباء..كم أنفقت عليك أنت بالضبط.-لا لم أنس ابدا.كما لم أنس كم تركتني في الحديقة وحدي , و كم أخذتني الى تلك الشقة المتعفنة و شقق أخرى كثيرة.تقفلين علي الباب و تنصرفين لمجونك. و لم أنس كذلك ضربك لي و اهاناتك المتكررة و سجني داخل المرحاض المظلم المملوء صراصير فئران وعفاريت.كيف لي أن انسى كل هذا؟ أنت لم تكوني أما لي أبدا, كنت جلادي لسنوات وأشفق على هذا الطفل القادم لن تستطيعي أن تكوني أما له.أخذت أمينة تنظر لكوثر بذهول .صرخت فيهما

07 مارس 2007

جـراح الروح والجسـد٤


ذات يوم بعدما تناول أبي غذاءه ناداني . لم يكن ينظر الي . كان يبدو شاردا . بسمل و حوقل وبعدها قال : كم عمرك ؟انه يمهد لشيء ما . أكره المقدمات , لماذا لا يدخل في الموضوع مباشرة؟ عشرون سنة.- عشرون سنة. عندما كانت والدتك في مثل عمرك كان لي منها ثلاثة أواربعة أطفال .مانهاية هذا الموشح ؟- لقد تزوجت جميع شقيقاتك و لم يبق سواك . حتى شقيقتك الصغرى تزوجت . أنا كبرت , تجاوزت الستين و لن أعيش لك العمر كله , يجب أن أطمئن عليك .أشم رائحة عريس في الموضوع !!- توصلت برسالة من باريس من " قدور" هل تعرفينه ؟ أقصد هل تذكرينه؟مجرد ذكر اسمه يبعث على القيء . لكن ما علاقةهذه الأشياء ببعضها ؟ - اني اسألك , هل تذكرينه ؟- أتذكره . قلتها وكانني ابلع ضفدعا .كيف لا أذكره ؟ رائحته العفنة ملتصقة بجلدي حتى العظم , صورته موشومة بين عيني . " قدور القذر" هل هناك من ينسى جلاده ؟ أكمل أبي :- انه ابن أصول ولد دارهم , رجل من ظهر رجل , تربيتي أنا . أنا زرعت فيه الرجولة . أرسل لي رسالة لا داعي أن تقرئيها . انه ينوي تطليق زوجته النصرانية و سيأخذ أولاده منها بالقوة بالقانون بحد السيف لا يهم . سيأتي بهم الى هنا . لديه بنتان وولد واحد . يريدهم أن يتربوا على الأخلاق والقيم . لا يريدهم أن يتبعوا دين والدتهم النصرانية. أنت لست غبية انك تعرفين كيف يعيش أولئك القوم , منحلين عليهم اللعنة . هواخطأ حين تزوجها لكن لا يهم سيصلح خطأه ويأتي الى هنا و يتزوجك ...لم أعد أسمع شيئا. طبول عنيفة تدق في رأسي. أسرعت الى الحمام أحسست بأحشائي تكاد تخرج من فمي . قدور يا ابن الكلب , أية لعبة قذرة تلعبها ؟ يا ابن الزانية ألا يكفي ما فعلته أثناء الطفولة ؟ هل أعجبتك لعبة الجلاد والضحية ؟ هل تنتقم من أحد ما أو من شيء ما في شخصي الضعيف ؟ ؟ - لا الا قدور.- ماذا به قدور؟ لديه عمارة من خمس طوابق هنا بالمغرب و رصيد ضخم في البنك و سيارة .. و..و..- أريد اتمام دراستي .- وهل قلت لك انقطعي عن الدراسة ؟ أدرسي و تزوجي.دخلت غرفتي , أقفلت علي الباب . يريدني أن أتزوج العمارة والرصيد . انه يفكر بمؤخرته . ليلا عندما نمت رأيته في منامي " قدور القذر" يرتدي ملابس العرس : الحناء , النكافات , الزغاريد و غرفة متواضعة هي نفس الغرفة التي كان يسكن فيها في بيتنا . يحملني لكنني في الحلم كنت طفلة بظفيرة . يقفل فمي و يخرج قضيبه .. استفقت من الكابوس . أنرت المصباح , نظرت جيدا حولي لأتأكد أني في غرفتي وان ما حدث مجرد كابوس .صباحا حملت كتبي و ذهبت عند إلهام .فتحت الباب و دخلت فوجدتها نائمة وبجانبها شخص ما . زجاجات بيرة فارغة , أعقاب سجائر . جلست في المطبخ وحدي . أقفلت علي الباب , أعددت قهوة سوداء وسيجارة . ان موضوع الأمس يسيطر على تفكيري . جاءت إلهام .. بدت مرهقة, أشعلت سيجارة و ظلت واقفة . لا يوجد كرسي آخر:- ماذا بك ؟ أتيت مبكرة .- لاشيء متعبة . أتيت لأرتاح .- تشاجرت مع زوجة ابيك ؟صمتت قليلا وقلت لها :- هل تذكرين " قدور" الذي كلمتك عنه ؟قطبت ما بين حاجبيها و حاولت أن تتذكر ثم قالت : - آه ذاك الذي كان ..قاطعتها : - نعم . وحكيت لها الحكاية . - لو كنت مكاني ماذا كنت ستفعلين ؟سحبت نفسا عميقا من سيجارتها ثم قالت : - أتزوجه .فغرت فمي دهشة:- ماذا ؟- أجل أتزوجه وفي ليلة العرس أسكب له منوما في كأسه وعندما ينام أقطع قضيبه واعلقه حول عنقه . هل يموت الرجل اذا ما قطع قضيبه ؟- لا ادري . سمعت والدتي تقول أن روح الرجل في قضيبه . سيموت أظن ذلك .- اذن لا . ما رأيك لو تتزوجيه و تمثلين عليه الحب و بعدها تعطيه " التوكال " أنا أعرف فقيه سوسي " ضربته ما تنوض ربيع " يعطيك وصفة سحرية يأكلها زوجك .. ويبقى طريح الفراش لا هو بميت .. ولا هو حي يتساقط شعره و ينحل جسمه . يموت ببطء و تتلذذين بتعذيبه .- أرجوك أصمتي .- اسمعي أنا أمزح فقط . لكن الجد هو ما سأقوله لك الآن . لم تعودي طفلة بجديلتين وجونلة قصيرة , يضع يده على فمك ويصفعك فتصمتين و تذعنين له . لقد صرت امرأة و رأيت الكثير و تعرفين الكثير . حان الوقت لكي تقولي " لا " . حان الوقت لكي تثوري . اتركي هذه المسكنة والضعف والخوف . اننا نعيش مرة واحدة فقط فمن الجرم أن نعيش هذه الحياة في عذاب . الحياة مازالت أمامك قفي في وجه والدك وقولي له " لا " حتى لواضطرك الأمر أن تقولي له كل شيء . يقول المثل" كبرها تصغار" .رجعت الى البيت في الظهيرة . لم يحس أحد بدخولي . زوجة أبي كما العادة تتحدث على الهاتف :- لقد رفضت الزواج , على ما يبدو ستظل العمر كله كاتمة أنفاسي .- ... .... ...؟؟؟!!!- هذا مؤكد لا بد أن سرا في الأمر.- .... ..... ؟؟؟!!!- معيوبة ؟ كيف ؟- ... ....؟؟؟!!!- و من يدري؟ فطوال النهار وهي خارج البيت , تدعي أنها في الكلية . بنت الكلية و ما أدراك ما بنات الكلية . طبعا فهن يحبلن ويسقطن أنفسهن بنفس السهولة التي يقلعن بها ضرسا مريضا.أحسست رأسي تغلي كالمرجل . أمسكتها من شعرها من الخلف و عضضت كتفها :- ماذا بهن بنات الكلية ياابنة القحبة ؟ يسقطن أنفسهن ؟ وانت كم مرة أسقطت نفسك ؟ هل تظنيني غبية ؟ رائحتك الكريهة قبل الزواج وبعده تزكم الأنوف . هناك في دوار " اولاد مصباح " ألم تحبلي سفاحا مع راعي غنم ؟ واسقطت نفسك و لولا الرشوة والمحسوبية لكنت دخلت السجن . تكلمي لماذا احمر وجهك ؟ عجبا يا اولاد القحاب ان وجوهكم لازالت تحمر خجلا . و بعد الزواج .. ألم تخوني أبي مع الجميع ؟ حتى مع بائع الأواني المتجول ؟ لقد رأيتكما . هل تذكرين ؟ رفع سرواله واختفى . و عندما ذهب أبي الى الحج اختفيت أنت الأخرى ولم تأت الا قبل مجيئه بيومين . ادعيت أنك كنت عند أهلك بدوار " اولاد مصباح " في حين أنك كنت عند قوادة في درب السلطان . الأخبار السيئة هي التي تصل . أما الجيدة لا تهم أحداَ. الناس يهتمون بأخبار الفضائح فقط . وانا وصلتني كل الأخبار . لقد علموني أن أبتلع لساني واصمت . حاولت أن أجد لك كل الأعذار : أبي تجاوز الستين , مصاب بالسكري والقلب ولا أدري ماذا كذلك . وانت انثى في عنفوان شبابك . أرى واصمت . أنا طيبة نعم لكن تتجاوزي حدك معي لا . واذا حاولت أن تلعبي معي لعبة قذرة ستخسرين كثيرا. أصبح وجهها أزرق بفعل الرعب . فلتزرق أو تخضر . من يومها و هي تتحاشاني . لم تعد تتدخل بشؤوني . لكنني كنت حذرة لا آكل أكلها ولا اشرب شربها ولا أنام .. حتى أفتش فوق و تحت السرير و بين ثنايا الوسادة عن " حجاب " ما قد تضعه لي . كنت أعيش في قلق دائم .في يوم ما كنت عند إلهام .. أحتسي قهوتي السوداء وهي تدخن بشراهة وتشرب الويسكي سألتها :- لماذا سلكت هذا الطريق ؟- أي طريق ؟ ضحكت بعصبية ثم صمتت و سحبت نفسا من سيجارتها :- هل تقصدين لماذا أصبحت قحبة ؟شعرت بالحرج فاكملت حديثها : - لماذا لا تسمون الأشياء بأسمائها و تتكلمون بصراحة ؟ لا افهم . - لاأريد أن أحرجك هذا كل ما في الأمر.- اذا كنت أنا لا اشعر بالحرج .. فلماذا تحرجين أنت ؟ اسمعي أنا تجاوزت كل هذه الأشياء : الحشومة.. العيب وكل هذه الأشياء التي تبعث على التغوط . خذي حريتك في الحديث معي لا موانع ولاهم يحزنون .صمتت . كانت تتكلم بعصبية و بعد قليل قالت : - لماذا أصبحت قحبة ؟ وماذا كنت تنتظرين من واحدة ربتها قحبة وانجبتها من الحرام ؟ هل كنت تظنين أنني سأصبح وزيرة ؟ القحبة تنجب قحبة مثلها. والدتي تدبرت أمرها و سجلتني في الحالة المدنية . كل شيء ممكن في هذا البلد " ادهن السير يسير " . التحقت بالمدرسة حتى السنة الثالثة اعدادي لكن عندما ظهرت علي آثار الحمل تركت الدراسة . لم أكن حاملا بابنتي دعاء لا . قبلها حبلت بطفلة أخرى وساعدتني والدتي على اسقاط الجنين .- ياالهي حياتك مليئة ب .- اكملي , بالفضائح ؟ لما ذا بترت جملتك ؟ سأحكي لك الفضيحة الكبرى ستكونين الوحيدة التي تعلم بعد والدتي طبعا والله هذا اذا كان موجودا .- استغفري الله انه موجود .- دعيه وشأنه فهو ليس موضوع حديثا اليوم . اسمعي هذه الحكاية : هل تظنين نفسك الوحيدة التي اغتصبت في الطفولة ؟ انك واهمة ان حكايتك لا شيء بجانب الحكايات الأخرى .. ستجدين داخل كل بيت حكاية يندى لها جبين الشيطان و سأعطيك مثالا بسيطا على ذلك : أنا . هل تعرفين من كان يغتصبني في الطفولة ؟ خالي واخي . لا تفتحي عينيك دهشة. انتظري حتى اكمل . كانا يتناوبان علي : يخرج خالي و يدخل أخي الأكبر والوحيد . كنت حينها في الرابعة ربما اغتصباني وانا ما زلت رضيعة في المهد من يدري ؟ أنا الأخرى لم أقل لوالدتي شيئا لأنها لم تكن موجودة بكل بساطة.يا إما في " البار" أو سكرانة . نادرا ما كنت أراها في وعيها . عندما وصل سني ثلاثة عشرة سنة حبلت و عندما علمت أمي بالأمر طردت خالي واخي ومن يومها لم أرهما . سمعت أن اخي " حرك للطليان " , خالي لا أدري ماذا حدث له . ثم أسقطتني . والدتي بارعة في مثل هذه الأمور. من يومها تركت المدرسة . كل شيء كان مهيئا لي لكي أنحرف . ما رأيك بهذه الحكاية ؟ أليست مقرفة ؟ تعالي معي الى البار حيث أعمل .. وستشبعين من هذه الحكايات . عندما نسكر نقول كل شيء .. دون خوف. أنتم أقصد أنت و كل المعقدين مثلك تخفون هذه الأشياء .. وتخجلون منها.- وبماذا ينفع الكلام ؟ يجب أن يكون هناك حل . البنية التحتية لهذا المجتمع ..أسكتتني باشارة من يدها :- لاأفهم في البنية التحتية والفوقية وكل هذا الكلام الضخم والفارغ . أنا عقلي على قدي . اسمعي هل تاتين معي الى البار ؟- لا أعرف ..- انك لا تعرفين شيئا البتة : قولي نعم أولا .- التجربة مثيرة ومغرية و مخيفة .- مخيفة ؟ ما المخيف فيها ؟ و ما المثير ؟ .. لا أفهم . انك لا زلت تفتحين فمك دهشة أمام أتفه الأشياء. " بار " , " كمطعم " , " كمقهى " . هل تشعرين بالخوف اذا دخلت مقهى ؟- لا.. لكن , لا أدري .ابتسمت الهام في اشفاق :- تعالي و سترين أن الأمر عادي جادا .كانت و جهتنا بار " كاليفورنيا " . دخان كثيف يلف المكان , روائح غريبة . ما ان دخلت الهام حتى هلت عليها التحيات والترحيبات . قالت لي :- اجلسي هنا , من هذا المكان سترين كل شيء , سأتركك الآن واذهب لعملي .ذهبت و تركتني . دخان , دخان , قهقهات , كلمات نابية .. و لمحتها , كان وجهها طفوليا كأنها طفلة مشاغبة غافلت أمها و سرقت مساحيقها ووضعتها على وجهها الأسمر الجميل . كان شعرها .......... جدائل صغيرة و كثيرة تصل حد الكتفين . لم تكن تسجن نهديها بحاملة الصدر بل تتركهما حرتين تظهر حلمتاها السمراوان من تحت قميص أبيض ضيق , و ترتدي سروال جينز ممزقا من الركبتين . لم تكن تكف عن قضم أظافرها في انتظار سيجارة تأتيها من احد رواد البار . أحست بنظراتي مسلطة عليها فأتت ناحيتي و سألتني :- عود ثقاب- لا أدخن .- مستجدة في الميدان أليس كذلك ؟قلت بسرعة كأنني أحاول دفع تهمة عني :- لا .. لا أتيت مع الهام فقط . أردت أن أرى هذا العالم .ابتسمت متهكمة :- هذه هي البداية دائما : الفضول . ندخن أول سيجارة على سبيل التجربة , نشرب أول جرعة من الخمر على سبيل التجربة , نفتح الفخذين أول مرة على سبيل التجربة ولا نستفيق حتى يكون الأوان قد فات .- لقد فهمت خطأ .- بل أفهمك جيدا . اسمعي يبدو انك في البداية افلتي بجلدك , الداخل هنا مفقود والخارج لا ..لا يخرج من هنا أحد. انها كماشة , لعنة . حتى اذا نويت التوبة و قبلها الله فلنيقبلها البشر . اذا كانت هذه هي البداية و كنت مصممة على الاستمرار فأنصحك أن تفعلي ذلك على أعلى مستوى, اذهبي الى أكادير شقيقتي هناك يمن أن اعطيك عنوانها . في اكادير يوجد الخليجيون بكثرة والألمان . انهم يدفعون بسخاء أكثر مما تتصورين , يمكن أن يصبح لك شقة و سيارة ورصيد في البنك. ذهبت الى أكادير لكن الخليجيين لا تعجبهم السمراوات النحيفات يفضلون البيضاوات السمينات . اذهبي هناك و جربي حظك . قلت بعصبية :- أنا طالبة جامعية و بنت ناسنظرت الي بعنف :- وهل نحن بنات كلاب ؟ كلنا أولاد ناسكنت أبحث عن إلهام بعيني حتى تنقذني من هذه الورطة. احسست أنني لا استطيع التفاهم معها. كانه بيني و بينها سور حجري ضخم .- لماذا لا تتكلمين ؟ لماذا صمتت ؟يالهي بماذا أجيبها؟- أقصد أنني طالبة جامعية واتيت فقط ل ..و ضحكت ملء فمها . كانت اسنانها بيضاء يتخللها بعض التسوس واشارت الى أحد الموائد المتواجدة في احدى الزوايا- ذاك الجالس هناك , طالب جامعي يدرس الاعلاميات , يمارس اللواط مع العجائز المغاربة والأجانب . تلك الجالسة مع رجلين هناك انها تدرس في مدرسة المعلمين ." كتدبر على راسها " جاءت من " واد زم" .فغرت فمي دهشة .- انها لا تأتي هنا كثيرا حتى لا تلتقي بأحد اساتذتها و زملائها . اذا كانت هناك " همزة " أقصد اذا كان هناك رجل محفظته مملوءة أتصل بها لتذهب معه وآخذ نصيبي من العملية.كانت تتكلم و تلف سيجارة بورق شفاف ابيض . جاءت إلهام ووضعت أمامي زجاجة " كوكاكولا " و قالت لتلك الفتاة :- بشرى حاسبي على البنت , لا تنفثي دخان سجائرك المغومة على وجهها حتى لا تدوخ .- أتركيها تدوخ , لماذا تستيقظ ؟ هذه الدوخة لذيذة جدا. اسحبي نفسا عميقا , املئي رئتيك , نفسا آخر و سترين العالم بعدها ملونا بكل ألوان قوس قزح و سينبت لك جناحان و ستطيرين بعيدا .ضحكت الهام:- لا انها بنت مدارس واتت فقط للفرجة.صرخت بشرى ووقفت وهي لا تكاد تصلب طولها:- أتت للفرجة ؟ نحن قردة ؟ قفوا جميعا واقفزوا وقوموا بحركات بهلوانية حتى تتفرج علينا الآنسة فنحن قردة , بهلوانات والآنسة البورجوازية أتت للفرجة. اسمعي نحن نقحب علانية " على عينك يا بن عدي " , لكن أنت و مثيلاتك تتخفين وراء الأقنعة و تفعلن فضائح يندى لها جبين الشيطان.كان كل من في البار ينظر الينا . عرق بارد يلف جسمي . جاء شخص طويل و ضخم الجثة أمسك بشرى من ذراعها:- هل تنوين المبيت الليلة في " الكوميسارية " ؟ اجلسي بهدوء أوانصرفي.جلست . انصرف الرجل الضخم , قلت لبشرى:- سأنصرف.- لن تنصرفي , ستجلسين و تسمعين . ألم تأت للفرجة والتسلية ؟ سأسليك بحكاية جميلة . يبدوانك سادية تتسلين بهموم الآخرين , هل أنت صحافية ؟قلت بتأفف وانا ألعن جذور أجدادي واجداد إلهام واجداد هذه ال" بشرى " المخمورة :- أنا لست صحافية , كل ما في الأمر أنني جننت هذه الليلة واتيت الى هنا.- لا أنت صحفية , أين كاميرا التصوير؟- يا الهي أي علكة هذه ؟- لايهم الكاميرا , أنا كذلك أردت أن أكون صحفية, أختي كانت تريد أن تصبح طبيبة بيطرية.صمتت قليلا و بدت شاردة :- كان عمري أربع سنوات عندما أخذنا أبي أنا وامي وأختي الى فرنسا . كان يعمل هناك , كبرت كأي فرنسية لكن كنت أشعر ببعض الغربة. في بعض الأحيان عندما ينظرون الى لوني الأسمر و يسألوني من أي بلد انا أتذكر فورا بأنني غريبة مهاجرة . في فرنسا يعاملوننا كالغرباء و عندما نعود الى المغرب يعاملوننا على أساس اننا غرباء . لا نشعر بأي انتماء , الغربة تلاحقنا . كنا نأتي مرة كل سنتين الى المغرب , لا نمكث هنا في البيضاء فنحن من الجنوب من أرفود . هل ذهبت مرة الى أرفود ؟ لم تنتظر جوابي واكملت : - أقسم أنك لم تذهبي أبدا , حتى ربما لا تعرفين موقعها على الخريطة . المهم ذلك العام ذهبنا الى أرفود كالعادة . كنت أكره تلك المدينة . كانت كالسجن : حرارة لا تطاق , لا يوجد أي مكان للتسلية , رمال , رمال . شيء واحد كان يصبرني هوانني كنت أعرف أنني سأعود الى فرنسا: الحرية , الأوكسيجين . في أحد الأيام قا ل أبي لنا أنا اختي :- ستتزوجان ابني عمكما و تسكنان هنا في أرفودضحكنا. ظنناها نكتة. لكنها أبدا لم تكن نكتة. كانت كابوسا مخيفا . أتعرفين ماذا كانت حجته ؟ قال انه يخاف أن نبلغ سن الرشد و نتمرد عليه و نتزوج أجانب . والدتي لم تستطع الدفاع عنا . لم أستطع أن أتخيل نفسي واحدة مثل باقي النساء : آكل , أتغوط وأفتح فخذي لأنجب دزينة من الأطفال . وارفود هذه أكرهها . مزق جوازي سفرنا , ليبقى حل واحد الهرب . لم أفكر أبدا في الانتحار . هربنا الى البيضاء والنهاية ها هي أنا هنا , أختي في أكادير مع الخليج والألمان وابي يبحث عنا وانت تتفرجين وانا أسكر وادخن الحشيش وانتظر زبونا جيبه منتفخ أذهب معه واسرقه صباحا.و ضحكت ضحكت بلا معنى و قالت وهي تنظر لدخان سيجارتها المتطاير :- أبي كان يخاف أن نفقد عذريتنا . نكتة.وضحكت ضحكة مدوية جعلت الجميع يلتفت نحونا :- فقدتها و عمري ثلاثة عشرة سنة , أخذها الغراب و طار وأبي يظن نفسه " ذكي " , " معلم " , " فايق و عايق ".جاءت إلهام و قالت لي :- هيا بنا سيوصلنا زبون بسيارته. هذا أفضل حتى لا يلقى علينا القبض من طرف الشرطة.نظرت الي بشرى و قالت بأسى :- هل رأيت ؟ كلنا أولاد ناس لم نختر مصيرنا , كنت مجبرة على ذلك .- لكن خديجة لم تكن مجبرة على أي شيء .نظرت الي باستغراب : - من خديجة هذه ؟سحبتني الهام من يدي : - يبدو ان دخان السجائر أثر عليك هيا بنا .أحسست أن كيسا من الرمل موضوعا فوق قلبي لا يريد أن يتزحزح , تمنيت لو ضممتها الي , أمد لها يدي ببعض الماء لأمنح وجهها بعض البلل .في البيت سألتني إلهام : - هه ؟ أما زالت التجربة مثيرة و مخيفة ؟صمتت وصورة بشرى الطفلة السمراء لا تفارقني .أتى أبي يوما مكفهرا . ناداني وقال دون مقدمات هذه المرة :- " قدور " مات , انتحر .- كيف حدث ذلك ؟- لا أدري . الأخبار التي وصلتني تقول أنهم وجدوه مشنوقا في " جراج " الفيلا التي يسكنها هنا ك في فرنسا.شعور غريب انتابني : لم أحزن و لم أفرح . لماذا انتحر؟ كان أبي يذرع الغرفة جيئة و ذهابا و يداه خلف ظهره:- لابد أن في الأمر سرا . لماذا انتحر ؟ لا بد أنها " النصرانية " علمت أنه سيتركها و يأخذ أولاده . كل الشرور تأتي من المرأة , الشر امرأة و الخير رجل طبعا . نحن النساء شريرات وانتم الرجال طيبون واخيار .كان والدي يحدث نفسه :- لماذا انتحر ؟ لو صبر قليلا و تزوجك وبعد ذلك فليمت . كل الأموال التي هنا أو في فرنسا ستأخذها " النصرانية " : العمارة , الرصيد .. الهمزا طارت . سأرفع عليها قضية واطالب بحقي في الارث . يطالب بحقه في الارث ؟ لكن ما صلة القرابة بينه وبين " قدور " ؟ انه ابن عم خال جد مراة أبوه أولاأدري ماذا . ريحة الشحمة في الشاقور.نظر الي : ما رأيك أن أرفع قضية؟كنت أعرف أنه لن يسمع كلامي قلت له :- لما لا ؟ ارفع قضية فمن يدري ؟ فنحن في زمن و بلد العجائب.

05 دجنبر 2006

جراح الروح والجسد٣


أمي أما زلت تذكريني أم نسيت كل شيء ؟ أما زلت تذكرين عندما كنت أضع رأسي على ركبتيك و تعبثين بخصلات شعري وانت ساهمة في البعيد . تفكرين بالحج أوالعمرة . كم ذقت المر بسببنا ؟ كم ضربت و كم أهنت و كم و كم . كنت تصبرين و تقولين من أجل أولادي كل شيء يهون . هل كتب على أن أجتر السنوات أبكيك ؟ هل كتب علي أن أن أعيش ما تبقى من عمري البائس معذبة بفراقك ؟ أطلب لك الرحمة يا أمي .عندما ماتت أمي , تنهد أبي كأنه تلخص من حمار أجرب . ربت على شعري , أحسست بأصابعه كمسامير مدببة الرأس , لم يمر الشهران حت أخذ أولاد الحلال يسدون له النصيحة :- يجب أن تتزوج , اياك والعواجيز انهن يورثن الأمراض و يسرعن بك نحوالقبر , تزوج شابة تدفىء عظامك و تناولك الدواء عندما تمرض .لم يكن أبي في حاجة لنصيحة أحد . تزوج امرأة قروية شابة , كل شيء فيها يوحي بأنها امرأة من النوع الرخيص : عيناها اللتان لا تهدءان من الغمز واللمز, العلك الذي لا يفارق فمها. كرهتها حتى قبل أن أراها. مذ تزوجها و هو يسافر كثيرا : الى الحج أوالى الجنوب , تودعه بدموع نجسة كبول الخنازير وعندما ترجع الى البيت تتحدث طويلا في الهاتف تطلق ضحكات رقيعة , تتزين و تخرج ثانية.كانت تتغيب طويلا . عندما تعود تكون مسهدة و في عينيها احمرار . كل شيء يوحي بأنها انتهت من معركة حامية الوطيس على سرير أحدهم . ما ذا سيفعل والدي اذا علم أن زوجته تخونه مع ألف رجل و رجل ؟ سيموت حتما . فليمت . ألم يخن والدتي حية و مية ؟جاءت زوجة أبي صعقت عندما رأتني أدخن :- هل جننت؟أجبتها ببرودة :- لماذا ؟ هل رأيتني قد نزعت الثياب عن مؤخرتي وارمي الناس بالحجارة ؟- وتدخينك علانية , أليس جنونا ؟- اذا كان تدخيني جنونا فماذا تسمين تصرفاتك هذه ؟بدت للحظة كتمثال شمع ثم أردفت كأنها لاتسمعني :- بنات العائلات لا يفعلن هذا .- معك حق بنات العائلات المحترمة لا يفعلن هذا, لكني لا أعيش بين عائلة محترمة , أنا أعيش مع قوادة فقط . والا مامعنى أن تتزيني كل يوم و تعودي ليلا مسهدة ؟ هل تظنيني غبية ؟ضربت المائدة بقبضة يدها وقالت :- هل تظنيني ملاكا ؟ والدك يسافر طوال العام اما في سيدي حرازم لمعالجة الكلاوي أوارفود لعلاج الروماتيزم أو في الحج أوالعمرة لغسل ذنوبه ويتركني وحدي . ألست امرأة و لدي أحاسيس ؟أجبتها بسخرية : - رائع انك تحسين كباقي البشر .لم تلتفت لسخريتي و قالت : - هل تظنين والدك ملاكا ؟- يكفي أنه تزوجك لينظم لزمرة الشياطين .- انك صغيرة لا تفهمين . والدك كل ليلة مع امرأة , هذه شقراء والأخرى سمراء واخرى لا أدري كيف هي . يجري وراء " الشيخات " , يعيش و كأنه هارون رشيد عصره , يتركني وحيدة و ينتظر مني أن أظل وفية له .كنت أعرف أنها محقة. دخلت غرفتي , أقفلت علي الباب. عاودت فتحه , وجدتها لاتزال مسمرة سألتها:- ماالذي أجبرك على الزواج من أبي وهو جاوز الستين , مريض بالكلي والروماتيزم والسكر و..- تزوجت والدك لأنه كان يجب أن أتزوج . أنا لم أختره . قلت لأهلي : لا أريده . قالوا : بلغت الثلاثين , أصبحت عانسا لا بد أن تتزوجيه . قلت لهم : أريد شخصا آخر , قالو : تزوجي و حبي من شئت . تزوجته قلت لأمي : زوجي دائم السفر, قالت : هذا لحسن حظك فماذا تفعلين برجل يظل بجانبك العمر كله يخنق أنفاسك .نزلت دموعها . دموع صادقة . انهاضحية مظلومة هي الأخرى .أخيرا حصلت على شهادة البكالوريا . لم يهتم أحد للأمر . عندما علم أبي بالخبر لوى شفتيه امتعاضا ثم قال :- بكالوريا آداب ؟ الآداب ما يوكل حتى خبز حافي .انه مصر اصرارا عجيبا على التنغيص علي والتنقيص من شأني . قلت بتأفف :- لا آداب ولا علوم يوكلوا الخبز هاذ الزمن .ارتشف شايه واغمض عينيه كأنه يفكر في أمر جلل ثم قال :- يكفي من وجع الراس , افتحي محلا لبيع الأحدية .أحسست برغبة في تحطيم أي شيء . لماذا لا يصمت ؟ - سأصبح صحفية . سأذهب لأخذ المعلومات من مدينة الرباط . لم أكمل عبارتي حتى صرخ كمن لدغته أفعى :- ماذا ؟ الرباط ؟ هل جننت ؟ أنا ابنتي تدرس في مدينة أخرى ؟ ولوحدها ؟- الرباط لا تبعد عن البيضاء الا بساعة زمنية واحدة . قاطعني بعنف :- الوقت خايبة. أنا أدرى بما يحدث . اني أسافر وارى العجب .- هناك بنات في مثل سني واصغر يسافرن للدراسة خارج أرض الوطن بموافقة أهاليهم .- هؤلاء زنديقات واهاليهن زناديق . الفتاة يلزمها دائما رجلا لحراستها و حمايتها .- حمايتها من ماذا ؟ هل تظنني في حاجة للسفر لآخر الدنيا للعيش على سجيتي ؟ يمكنني أن أمارس كل الأعمال الجهنمية بقربك وانت لاتدري .اصفر وجهه , نظر الي نظرة غريبة ثم قال :- ماذا تقصدين ؟- لا أقصد شيئا . كل ما في الأمر أنني لا أريد أن أكون تحت وصاية أحد . متى ستظل المرأة على هذا الحال ؟ تولد تكون تحت وصاية أبيها وأخيها , تتزوج فتصبح تحت وصاية زوجها واهله و عند وفاته تصبح تحت وصاية الأبناء . متى تملك المرأة زما م نفسها و تكون حرة ؟- اسمعي كلام الجرائد هذا لا يمزمني . قوليه هناك في المدرسة أوالجامعة . لكن في بيتي أنا من يقرر وانا من يحكم . لا سفر معناه لا سفر.رمى الفوطة بعنف وخرج . تركني ونيران متأججة في داخلي . كيف أستطيع اقناعه ؟ كيف السبيل لتحطيم هذا الجليد بيني و بينه ؟ شيء فظيع أن يرى الانسان أحلامه التي عاش سنوات عمره لأجلها تتحطم فجأة بسبب معتقدات بال عليها الزمن وافكار متعفنة . لقد تحطمت أشياء كثيرة بداخلي , لا الا هذا الحلم .خرجت من البيت أمشي عن غير قصد . التقيت رجلا بلا ملامح قال لي :- تذهبين معي ؟ بيتي قريب جدا من هنا .لم أفكر ركبت سيارة , ذهبت معه , وفي بيته نزع ملابسي لم أغضب لم أهتم كأن الأمر لا يعنيني . حتى جسدي أحسسته منفصلا عني و كل ما يحدث لا يعدو كونه فيلم من الأفلام الجنسية الرخيصة . فجأة تذكرت " قدور القدر " . نظرت حولي : ماذا أفعل هنا ؟ كنت مستلقية على ظهري و رجل ما يركبني . شعرت بالاشمئزاز , بالاختناق . أبعدته عني بكل قوة , تأوه , لبست ملابسي . سمعته يقول :- كنا مزيانين ياك لباس ؟ آجي غادي نزيدك عشرين درهم .ماذا سيفعل والدي اذا علم بالأمر؟ سيرغي و يزبد وزوجته تهدئه و ستقول له كخطيب يوم الجمعة :- انها مراهقة و صغيرة و قد أخطأت .و سأجيبها :- حتى أنت يا زوجة أبي أخطأت . أنا ذهبت مع رجل واحد لكن أنت ذهبت مع عشرات الرجال و حتى أبي خانك مع كل النساء . فلماذا تحاسبوني ؟ على الأقل أنا لم أخن أحد .سيصبح وجه زوجة أبي اصفر لأني فضحتها. لكن أبي لن يصفر وجهه لأن خيانة الرجل ليست كخيانةالمرأة . فعندما يخون الرجل زوجته يجدون له ألف عذر و يقولون انه رجل و يمارس رجولته و يشيرون بأصابع الاتهام لزوجته لأنها لم تحسن الحفاظ عليه . ونفس الرجال الذين نصحوه بالزواج منها سيقولون له طلقها أو علقها من ثدييها في ميدان عام وارجمها بالحجارة . و سيرجمها الناس بالحجارة كأنها المذنبة الوحيدة في هذا العالم . وستموت وازغرد أنا فرحا .دخلت البيت , قالت زوجة أبي و هي تشمني :- في جسدك رائحة الخمر والرجال .وبسخرية قلت :- رائع. بت تعرفين رائحة كل الرجال . أتعرفين ؟ كان الأجدر بك أن تعملي في سلك الشرطة , ليس شرطية طبعا بل كلبة لأنك تحسنين الشم .- ماذا لو علم والدك ؟- اخبريه . لكن لا تنسي أن تخبريه عما تفعليه في غيابه .صفقت الباب ورائي و دخلت غرفتي .لماذا فعلت هذا ؟ هل كنت أريد أن أبرهن لأبي أنني لست في حاجة أن أسافر الى آخر الدنيا لكي أفعل ما أريد ؟ !!أصبحت لي صديقة واحدةأحبها جدا . نخرج سويا , نتسكع , نمارس جنوننا بحرية . كيف التقيتها ؟ هي لا تدرس معي .التقيتها صدفة في الحافلة. كانت تبحث عن حافظة نقودها لتدفع ثمن التذكرة . بدت حائرة و خجلة. أدركت أنها لا تحمل نقودا ربما نستها . فتحت حقيبتي أشفقت عليها , أنقدت الموقف . شكرتني واصرت أن أرافقها الى البيت . كانت شقراء جميلة , قصيرة القامة و ترتدي حذاء بكعب عال جدا . كانت في مثل عمري . تسكن لوحدها في شقة صغيرة بعد أن ماتت والدتها .والدها لم تره أبدا . وشقيقها " حرك للطليان ". الشقة مكونة من غرفة كبيرة بها سرير واحد و كرسي و مطبخ أ ما المرحاض فهو مشترك مع الجيران . ظننتها طالبة لكن فوجئت عندما قالت بكل بساطة :- أنا خدامة في بار كانت والدتي تعمل به , عندما ماتت أخذت مكانها .استأذنت بضع دقائق عادت تحمل طفلة في حوالي الرابعة من عمرها لا تشبهها أبدا . قالت لي ك- ابنتي دعاء .قبلتها - لاتشبهك هل تشبه والدها ؟- لا أدري , ربما .صعقت , كيف لا تدري ؟ لاحظت دهشتي , ضحكت ضحكة بلا معنى وقالت :- أنا لا أعرف والدي و هي كذلك لا تعرف والدها . انها ابنة " الحرام " .كانت تتكلم بعفوية وصراحة شديدتين , لا تخجل من شيء . تقول كل ما تريد ومتى تريد لا يهمها أحد . حسدتها على شجاعتها . نظرت الى الطفلة قلت لوالدتها :- تبدو نحيفة جدا هل هي مريضة ؟- لا أدري , ربما العجوز التي أتركها عندها لا تطعمها جيدا مع أنني أدفع لها كل ما تطلبه , لكن يبدوانها تسرقني . لا يوجد ضمير . أتعرفين ؟ لقد كنت أتركها من قبل عند جارة أخرى تسكن في الشقة المواجهة لكن اكتشفت أنها تعطيها الخمر في " الرضاعة " حتى تكف عن الصراخ , لم أنتبه في البداية بل لم أنتبه لأي شيء أبدا فأنا أكون متعبة دائما , " أولاد الحلال " هم من أخبروني . كدت أقتلها بنت الحرام لولا أن الناس خلصوها من يدي , لكن " ربي كبير ذنوب ابنتي خرجوا فيها " لقد ضبطوها تبيع المخدرات فسجنت . ربي كبير.من يومها أصبحنا صديقتين حميمتين , اعطتني نسخة من مفتاح شقتها أذهب متى اريد , أرعى ابنتها بين الفينة والأخرى , نتسكع سويا . كنا نعيش حياتنا بلا عقد أو خوف ولا ممنوع ولا حشومة . لكن عندما اعود الى بيتنا اكون تلك الفتاة الطيبة الصامتة . ملابسي محتشمة , هيئتي تبعث على الاحترام و يحمر وجهي خجلا اذا ما كلمني غريب .في بيتها عرفت نجيب . كان يعمل في المكتب الشريف للفوسفاط . كان جزائريا . لم كين وسيما أو ثريا , كان شخصا عاديا قد تصادفه في طريقك فلا تلتفت اليه . لكنني وجدت فيه شيئا ما جعلني أنجدب اليه . ثم أعود واقول كيف كانت البداية ؟ بداية ماذا ؟ بداية الحكاية . لا أدري , كنا نتحدث او بالأحرى يتحدث يتكلم بعفوية . كنت استمع بأذني , بعيني بكل حواسي . أردت أن انصرف استبقاني قليلا , لم أجد ما أقوله . حاولت أن أنصرف استبقاني . تمنيت لو يتوقف العالم عن دورته الطبيعية , لو يحدث شيء قوي يقلب موازين الطبيعة فلا يتحرك الوقت أبدا وابقى معه . يومها خرجت من بيت إلهام وانا لا أمشي , أطير هي حالة ثالثة بين المشي والطيران . اصبح كل شيء مزينا بألوان الفرحة , كثياب الأطفال يوم العيد . وفي أنفي رائحته المميزة : رائحة الخمر والسجائر . رائحة غريبة وجميلة ورائحة الرجولة . قد يضحك مني أحد اذا ما سمع هذا الكلام , لكن لا يهم . يا إلهي ماذا يحدث داخل هذا الجسد ؟هذ ه الرأس ؟ هل هوالحب ؟ هل يمكن أن يحدث هذا من أول لقاء ؟ من أول حديث ؟ صورته آخر شيء أغلق عليه عيني واول شيء أفتح عيني عليه . بل أكثر من هذا أجده يتسلل الى احلامي يتسكع داخلها . ياإلهي مالي والحب والسهاد والأرق ؟ لقد كنت مرتاحة آكل واشرب وانام واتغوط كباقي البشر .عندما حاولت اقناع أبي ثانية بسفري الى الرباط للدراسة قال جملة واحدة :- ها السخط , ها الرضا .صمتت واخترت " الرضا " . التحقت بكلية الحقوق . قالت لي الهام :- انت انهزامية تستسلمين بسرعة. كان الأجدر بك أن تتشبتي برأيك و تدخلي الجامعة التي اخترتها أنت , لأنه مستقبلك أنت و ليس مستقبله هو .- لنفترض أنني تشبتث برأيي , من أين سأدفع مصاريف الدراسة ؟- عندما يجدك والدك متشبثة برأيك سيستسلم و يدفع لك ما تريدين .- اذن لا تعرفين أبي , لا يستطيع أحد أن يلوي دراعه.- لا أعرف بأي حق يتحكم هؤلاء الآباء في مصيرأبنائهم ؟ ماذا ستفعلين بليسانس الحقوق ؟ لا يوجد أكثر من المحامين في هذا البلد .- ماذا سأفعل بشهادة الحقوق ؟ سأعلقها في اطار مذهب واضع يدي على خدي وانتظر عريسا يملأ بطني أطفالا أمارس عليهم عقدي والقنهم أفكاري البالية , هذا كل شيء .- انك تمزحين .- لا أمزح قد يحدث هذا فعلا , كل شيء ممكن . أريد أن أدرس الصحافة , سأفعل ذلك بعد الحصول على ليسانس الحقوق .صفرت بفمها :- تدرسين بعد الليسانس ؟ و متى تتزوجين و تنجبين ؟- هل تصدقين اذا قلت لك أن أحلامي لا يدخل في ضمنها الزواج ؟ أريد طفلة نعم , كان هذا حلمي دائما لكن لا أريد زوجا .- و نجيب ؟صمتت قليلا ثم قلت :- نجيب ؟ لا أدري .- كيف لا تدرين؟ لقد كنت سعيدة به و كدت تجنين لأجله.كنت أنظر في اللاشيء و في عيني دموع متحجرة و حيرة . لا أعي ما حولي , شعور بالضياع والألم , كيف أعبر عما أعانيه ؟و عاودت السؤال:- ماذا يحدث بينكما ؟ هل طلب منك ..- أجل طلب مني كذا مرة أن أرافقه الى بيته وانت تعرفين البقية.أشعلت سيجارتها وقالت :- وماذا في ذلك ؟ هذه أمور عادية و قد سبق لك و ذهبت مع شخص ما .وبعصبية صرخت فيها :- أنت لا تفهمين , كيف أشرح لك ؟- اهدئي , قولي ما يجول بخاطرك لا تحاولي اختيار الكلمات و تنميقها تكلمي بعفوية .- لا أكاد أتصور انه سيلمسني هواو غيره , أحس بالتقزز , سأقول لك شيئا انني ارتعش بل أنتفض اذا ما اضطرتني الظروف أن أكون أنا ورجل ما لوحدنا حتى لو كنافي صعد .- أفهمك . لماذا لا تزورين طبيبا نفسيا ؟لست بحاجة لطبيب , أعرف عقدتي " قدور القدر" . - تعرفين عقدتك لكن لا تعرفين العلاج.- انسي هذا الموضوع . سأختلق أي سبب لقطع علاقتي بنجيب .صرخت في وجهي:- الى متى تؤجلين كل المواضيع ؟ تؤجلين تحقيق حلم الصحافة تؤجلين الفرحة والحياة . أنا أقول لك بكل صراحة ما ذا تنتظرين ؟ قد تغضبين مني لكن لا أعرف مراوغة الذين أحبهم :- تنتظرين وفاة والدك و بعدها لن يكون هناك من يحاسبك أو يتحكم فيك . كل واجد من أهلك في بيته و همومه و مشاكله. ساعتها تسافرين , تدرسين , تعالجين نفسك . واذا لم يمت والدك هل تظلين في انتظار الذي يأتي أولا يأتي ؟ هل تنتظرين " بابا نويل " يأتيك بالحل مغلفا في ورق ملون ؟ أم تنتظرين حورية من حوريات الأساطير القديمة تضرب بعصاها السحرية فتحيل سواد أيامك الى لون وردي ؟ كان وجهها محتقنا . جلست على الكرسي وهي تلهث من شدة الانفعال .أحسست أنني عارية أمامها . كيف استطاعت أن تقرأ أفكاري ؟جاء أبي من سفره ذات يوم و كنت وحدي في البيت . بدا حزينا قال لي :- اجلسي يا ابنتي أريد أن أتكلم معك .لم تعجبني كلمة ابنتي , أحسستها كنقطة زيت تطفو فوق السطح . ثم اني لم أتعود أن أتكلم معه في أي شيء . هو يصدر الأوامر فقط وانا أنفذ .جلست فقال :- اصدقيني القول , ماذا تعرفين عن زوجتي ؟شممت من سؤاله رائحة مؤامرة , شخص ما وشى بها عند أبي .قلت بغباء :- أعرف أنها زوجتك .بدا على وشك الانفجار:- انك تفهمين ما أعني فكفي عن استفزازي .- ماذا تريدني أن أقول لك بالضبط ؟- أجيبيني بنعم أولا : هل زوجتي سلوكها سيء ؟أحسست بقلبي يدق بعنف . هل أقول له نعم ؟ ما أسهل هذه الكلمة . أقول نعم و سيتعاركان و يتبادلان الاتهامات و بعدها هدوء وصمت " الطلاق " . ستحمل ملابسها و تعود لأهلها . لكن بعد ذلك يعود أبي للبحث عن امرأة أخرى ولا أدري كيف ستكون و تتكرر المهزلة . فلأصمت هذا أفضل .سألته بغباء ثانية :- هلا فسرت لي سلوك سيء ؟ضرب المائدة الرخامية بقبضة يده و قال بعد أن تجرع كوب ماء دفعة واحدة :- هل زوجتي تخونني ؟- وهل تخونها أنت ؟- أناا والدك ولا يجوز أن تطرحي علي أسئلة بهذا الشكل.- لا أكاد أفهم انكم تجيزون أشياء و تحرمون أخرى حسب أهوائكم .- بحق الله أجيبيني على سؤالي وارحميني من هذا العذاب.- حتى والدتي تعذبت في قبرها عندما خنتها و تزوجت بعد شهرين فقط من وفاتها , لم تحترم حتى ذكراها .- لقد فعلت ذلك لأجلك , لكي تكون لك ونسا ورفيقا. لم أكن أريدك أن تتعذبي : الدراسة , عمل البيت , غسيل الملابس , الطبخ ..- كنت على استعداد أن أتحمل الصديد الا زواجك . اتيانك بامرأة نزعت كل صور أمي من على الجدران أليس أشد عذابا ؟ وزجرها لي عندما كانت تجدني أبكي معانقة صور أمي أليس أشد عذابا و قهرا ؟- ألم تنسي بعد ؟ لقد مر الكثير على هذا.- حتى الموت لن ينسيني ما عانيت .- لم أكن أظن أن سؤالي سيجلب علي كل هذه المتاعب . أجلي المناقشة لوقت لاحق واجيبيني : هل سمعت أو رأيت شيئا يثبت خيانتها لي ؟- سأجيبك , لو خنتها أثناء أسفارك الكثيرة فهي كذلك خانتك هنا . واذا أردت أن تنزل بها عقابا فامنحها فرصة لكي تعاقبك هي الأخرى .رأيت وجهه أصفر كما لم أره من قبل. حتى عندما ماتت أمي لم يصفر وجهه بهذا الشكل . أذكر يومها قال بكل هدوء : " انا لله وانا اليه راجعون " و رأيته بعد ذلك يفكر, كنت أظنه يفكر في أمي لكن أكاد أجزم أنه كان يفكر في عروسه الجديدة .شدني أبي من يدي بعنف:- خيانة الرجل ليست كخيانة المرأة .قاطعته :- الخيانة ليس لها لون و جنس . الخيانة تبقى خيانة تصرف حقير و بشع . ما رأيك بطعم الخيانة ؟ أليس مرا ؟ أمي عانت منه كثيرا حية وميتة . حتى أمي كان الناس يقولون لها زوجك رأيناه مع فلانة , زوجك رأيناه مع علانة وكانت تبكي في صمت وعندما كنت أقول لها اغضبي وثوري لكرامتك كانت تقول لي من أين لي بالعيش الحلال اذا تركته ؟ و عندما تحضر كانت تغسل قدميك وفي عينيها ذل وانكسار . كنت أكره ضعفها و خضوعها . خنتها كثيرا و لم تخنك ولا مرة .- عيب أمك أنها سلبية اذا قلت لها هذا الشيء أبيض فهوابيض حتى لو كان أسود. اذا قلت لها موتي في هذا المكان تمت لحينها . وانا كنت في حاجة لامرأة تناقشني , تعارضني كنت أحس أنني أعيش وحدي في البيت. أفكر و حدي أقرر وحدي أمك تكتفي دائما بتحريك رأسها بالموافقة حتى لو لم تفهم ما أقول . كنت محتاجا لامرأة تحسسني بوجودها , تلبس أحسن اللباس لي و تتزين لأجلي .- وها أنت تزوجت امرأة تتزين وتلبس أحسن اللباس..بثرت جملتي . كنت اود أن أكمل : تتزين ليس لك وحدك ربما ليس لك أبدا بل للرجال الآخرين .- لماذا صمتت ؟ أكملي .- لافائدة من النقاش .- ومع ذلك لم تشف غليلي , جعلت الأمور أكثر تعقيدا بالنسبة لي .- لماذا لا تطرح عليها السؤال مباشرة ؟ سيكون ذلك أفضل .دخلت غرفتي . أقفلت علي الباب , نظرت في المرآة: كيف واتتني هذه الجرأة ؟ كيف قلت لأبي كل هذا ؟ نظرت جيدا في المرآة كنت أرتعش وعرق بارد يلف جسمي.حضرت زوجة أبي , لم يخبرها بأي شيء , لم يتغير أي شيء

16 أكتوبر 2006

جراح الروح والجسد٢


أعرف كل شيء واصمت. لأنه لن يصدقوني. لن يصدقوا أنها كانت تأخذني الى تلك الشقة في منطقة على أطراف المدينة . كنا ندخل تلك الشقة المتعفنة التي تنبعث منها رائحة البول والنتانة , كان هناك نسوة كثيرات من مختلف الأعمار والأحجام والألوان . تترأسهن عجوز شمطاء , عيناها لا تهدآن عن اللمز والغمز, ترتدي الحجاب والجميع يناديها بالحاجة . شكلها يبعث على الاشمئزاز . تأخذني " الحاجة " الى غرفة وسخة , تعطيني بعض " الحلوى والشاي " و قبل أن تقفل الباب علي تقول :

- غادي ندير لأختك " اللدون " و نبخرها , فيها " المسلمين ". أنت صغيرة حتى تكبري و نبخرك. تقفل الباب و تذهب . أنظر من ثقب الباب أرى نساء و رجالا في غرفة بعيدة . أراهم بصعوبة , لا أستطيع تمييز وجوههم . لكن أصواتهم و ضحكاتهم كانت تصلني بين الفينة والأخرى , ضحكات كنباح الكلاب.

مرة حاولت الثورة . سباب و شتم , دخلت في معركة كلامية مع خديجة. سباب و شتم منها و مني . ولا أدري كيف تطور الأمر فأصبح معركة بالأيادي . خلصتني والدتي من يدها . يومها قلت كل شيء لوالدتي وامام جميع شقيقاتي :
السينما , الرجال , كل الملفات السوداء . أخذت خديجة تبكي بهستيريا و تضرب رأسها بالحائط والدم ينزف من أنفها , و تقسم بالله و مكة والقرآن ولا أدري ماذا كذلك أن ما لأقوله كذب و تلفيق . و تبحث عن مصحف لا تجده و تحلف بقطع يديها واصابتها بالسرطان , - السيدا لم تكن مجودة آنذاك - أنا نفسي فوجئت بقدرتها الفائقة على التمثيل . كيف لم يكتشفوها بالسينما ؟ ممثلة بارعة .
هدأتها والدتي و قالت كحسم للموقف :

- اذا كنت محقة في ما تقولين - والكلام موجه لي - فلنذهب الى هذه الشقة لأرى بنفسي .
واسقط في يدي . لقد ذهبت الى هذه الشقة مرات كثيرة , لكن لا أستطيع تحديد المكان بالضبط . توجد في بعض الحواري والأزقة المتشعبة والمتشابهة . لم نكن نسلك طريقا واضحا . خديجة كانت ذكية تسلك بي طرقا ملتوية , ربما كانت تحسب حساب هذا اليوم . و كررت والدتي السؤال :

- أين توجد هذه الشقة ؟ خذيني اليها .
- تلعثميت :
- كنا نركب الحافلة و تتوه الكلمات ولا أعرف تحديد المكان . تستشيط والدتي غضبا . أنظر اليها . أعرف تتمنى والدتي لواكون كاذبة و كل ما أقوله افتراء . لا أعرف تحديد المكان . ترفع يدها و تصفعني . صدقت خديجة وكذبتني . من يومها قررت الصمت . تشتري لي الملابس بنقودها المدنسة , تأخدني الى السينما , تستري لي " الزريعة " و " كاوكاو" , تذهب الى الجحيم وابقى في الحديقة أنتظر عودتها الميمونة . أشتري اسفنجة مليئة زيتا , أنظر للمارة , يأتون , يذهبون , يضحكون , يصرخون , وراء كل شخص حكاية . أحاول أن أتخيل حكاية كل واحد يمر أمامي . مثلا هذا الشخص الذي يجلس على المقعد المواجه لي بجانب حبيبته ماذا عساه يقول لها ؟ ما هي هذه المواضيع المهمة التي يحكيها لها ؟ و لماذا هي مطأطئة راسها ؟ و هذا الرجل القميء القبيح , يبدو موظفا جد بسيط . لا بد أنه متزوج و لديه دزينة من الأولاد , و لديه بنت مثل خديجة , تذهب مع كل الرجال لكي تشتري أساور ذهبية تملأ بها الخزانة؟ أمل هذه اللعبة. أرى شرطيا. أسرح بأفكاري ثانية , أتخيلني رجلا شرطيا طويل القامة . ألقي القبض على " قدور القذر" أضربه ضربا مبرحا في بطنه . أحمل سيخا حديديا أضعه في النارحتى يحمر واكوي قضيبه حتى ينتفخ واراه يتلوى أمامي من الألم . يركع عند قدمي يقبلهما وانا أرفسه بقدمي و بعنف واغرز أظافري في وجهه حتى يسيل الدم واعلقه في ميدان عام و يرجمه الأطفال بالحجارة و يموت . تأكل الكلاب جثته النتننة . تهزني يد بعنف. أستفيق من حلمي الرائع . كانت خديجة , أتت من عند صديقتها الاخوانية و في يمناها سلة مليئة بأشياء كثيرة . كان يبدو عليها العياء . تحاول امساك يدي , أتملص منها أعبر الشارع و حدي , تسألني كالمعتاد :
- أين كنا ؟
- أنا شخصيا كنت في الحديقة , اما انت فلا أدري .
تصرخ في و جهي :
- نحن الاثنتين كنا عند صديقتي الاخوانية .
أنظر اليها بكره واستهزاء :
- واي سورة شرحتم اليوم ؟
- رأسي تؤلمني وليست لدي رغبة في مجادلتك . أنظري هذه السلة المليئة جبنا وشوكولاطة وساعة يد لك أنت .
- ساعة يد ؟ و لي أنا ؟
- نعم و من أحدث طراز . اسمعي قولي لأمي أنك وجدتها في الحافلة .
- لا أحب الساعات و لن أقول شيئا .
- بل ستقولين والا فاني سأختلق أية حكاية لسجنك في المرحاض المظلم المليء بالصراصيروالفئران والعفاريت .

ابتلعت ريقي بصعوبة . المرحاض في حد ذاته لا يخيفني , لكن الصراصير والفئران والعفاريت ؟ لا. قلت باستسلام :
- حاضر سأفعل ما تريدين . صمتت قليلا ثم سألتها :
- ألا تخافين الله ؟
فغرت فاها ثم قطبت حاجبيها و قالت :
- لماذا تسألين ؟ و لماذا أخاف ؟ هل أسرق ؟ هل أعترض طريق المارة واسلبهم أرزاقهم ؟
قلت ببرود :
- لا. تذهبين مع كل الرجال فقط .
لم أحس الا و كفها القوية تهوي على صدغي و نجوم ملونة أمام عيني .
- هذه الليلة سأعلقك في المرحاض . لا أكل ولاشرب يا بنت الكلاب .

أتذكر كل شيء بوضوح كأنه حدث بالأمس فقط . أول مرة دخلت فيها المدرسة , الصفعة رقم ألف , الاغتصاب واول سيجارة . قال لي :
- اسحبي نفسا عميقا و حاولي أن تنفثي الدخان من أنفك . أجل هكذا.
كنت أسعل بقوة وامسح الدموع من عيني . كان بوابا باحدى العمارات في سن أبي أواكبر قليلا , يرتدي جلابية بنية عفنة و طاقية مراكشية . كنت برفقة خديجة . قالت له :
- أريد أن أغير ملابسي و سأترك هذه أمانة عندك , واشارت الي .
شعرت بالخوف . الى أين تنوي الذهاب ثانية ؟
أمسكت يدها . زجرتني :
- اجلي هناك .

أتكوم في ركن الغرفة , تنزع جلبابها الرمادي و منديل رأسها . ترتدي فستانا أسود ضيقا جدا , فوق الركبتين بكثير, يكشف عن استدارة نهديها , يفضح أكثر مما يستر. تلبس حذاء بكعب عال جدا . تنظر في بقايا مرآة مكسورة و تضع الأحمر والأزرق والأخضر و تقرص خديها و تنظر لمؤخرتها و تعصر نهديها بكلتا يديها . تبتسم في رضى و تقول :

- اجلسي هنا عمي ابراهيم سيأتيك بزجاجة كوكاكولا.
- لاتتركيني مع أحد أرجوك .
تدفعني بعنف :
- لن أبتعد كثيرا سأكون بالطابق الأول .
- خذيني معك أرجوك .
- صديقتي مريضة ولا تحب الاطفال.
- لم أعد طفلة .
ذهبت . لماذا لاينتقم الله منها ؟ في كل الأفلام التي نراها يعذب الله الأشرار و ينتقم منهم و ينصر المظلومين . لكن متى ينتقم الله منها ؟ متى ينتهي هذا المسلسل ؟ يبدو ان الأشرار يموتون في الأفلام فقط أما في الواقع شيء آخر.
ابتسم " عمها ابراهيم " بعد أن ناولته خديجة بعض النقود . نظر الي وابتسم ثانية. افترت شفتاه الغليظتان عن أسنان صفراء صدئة . سألني وهو ينظر الي من فوق لتحت :
- كم عمرك ؟
لم أجبه. عاود النظر الي و قال :
- استديري .
أحسست بقلبي يكاد يتوقف عن الخفقان . الرجل الأسود , الحرق في فخذي و " قدور القذر". صرخ في وجهي ثانية :
- استديري .
استدرت نصف دورة وكنت أنظر بتوجس و حذر. لوى شفتيه امتعاضا و نظر الي كأني طعام حامض :
- انك نحيفة , ألا تأكلين ؟ أوف نحيفة جدا , لكن عندما تكبرين ستصبحين مثل أختك سمينة جدا و ستصبح هذه - واطبق على مؤخرتي بكلتي يديه –مليئة شحما و لحما, ستصبح شهية .
هربت من قبضته ووقفت قرب الباب المغلق :
- أين أختي ؟ خذني اليها .
ضحك ضحكته الكريهة و ظهرت أسنانه الصدئة :
- أختك فوق.
وشكل صفرا بيده اليسرى وادخل فيها سبابة اليد اليمنى بطريقة وقحة واكمل :
- عندما تكبرين ستصبحين مثلها " تدربك من دابا " .
حاولت فتح الباب , لكنه كان مغلقا بالمفتاح . ضحك ملء شدقيه ثم قال:
- تعالي أريك شيئا سيعجبك .
رفع جلبابه واخرج قضيبه . رجلاي كالقطن . قلبي .خديجة حرام عليك . تحسست الحرق في فخذي . المرحاض المظلم المليء بصراصير وعفاريت و فئران , سيخ امي . تبولت بلا شعور وأنا أرتعش.
رفع سرواله وقال بغضب :
- الله يلعن والديك , مسحي الأرض .
سمعت طرقا بالباب . كان رجلا آخر ناول البواب شيئا ما و ذهب . أخذ يقطع ذلك الشيء بسكين حادة حتى أصبح كمسحوق الحناء ووضعه في " السبسي" واخذ يدخن ثم قال :
- اقتربي .
ناولني " السبسي " ثم قال :
- اسحبي نفسا عميقا واخرجي الدخان من انفك هكذا .
سعلت بقوة . مسحت الدموع من عيني أخرج شوكولاطة رخيصة و قال لي :
- خذي هذه لا تقولي لأختك شيئا .
أخذتها وعندما استدار رميتها تحت السرير .
أخيرا جاءت خديجة . اختفت المساحيق من وجهها تماما. وقالت ل " عمها ابراهيم " :
- هل سببت لك هذه " البرهوشة " مشاكل ؟
نظر الي ثم قال :
- بالت على نفسها .
صفعتني ثم قالت :
- الله يمسخك .
ناولته النقود ثانية . نزعت ملابس " العمل " وارتدت الجلابية والبلغة ووضعت المنديل على رأسها كأنها مريم العذراء انتهت للتو من صلاتها .
فتح عمها ابراهيم الباب و خرج هوالأول ليطمئن أن الزنقة خالية من المارة . سمعناه يتحدث لرجل ما ويرحب به . نظرت خديجة من فتحة الباب و شهقت :
- أبي .
حاولت أن أنظر سحبتني بقوة . أغلقت الباب . كانت ترتعش . اصفر لون وجهها واستندت للحائط . دخل عمها ابراهيم وقال :
- الزنقة خالية . مالك ؟
سألته خديجة :
- من ذاك الرجل الذي كنت تتحدث اليه ؟
نزع طاقيته و حك صلعته ثم قال :
- هذاك الحاج . غني جدا , ياه " عنده اللي يتحرق ما يتم ". يأتي من حين لآخر عند الحاجة يفرج عن نفسه . يصرف في اليوم الواحد مرتب موظف محترم . الحاجة تختار له كل مرة أجمل البنات عندها . قد يأتي دورك يوما ما .

كان يتحدث و خديجة تزداد اصفرارا . لم تجبه . سحبتني بقوة واخذت تركض خارج العمارة . تركض و تركض كأن كل العفاريت الموجودة تحت الأرض و فوق الأرض تتعقبها. رجلايا كالقطن يا خديجة يا مجوسية . لا أستطيع الجري . أبي ماذا تفعل أنت الآخر هناك ؟ تبذر أموالك في تلك الشقق و خديجة تأتي بها من هناك . أية سخرية ؟ لم أعد أستطيع الجري . كانت تسحبني . فقدت القدرة على الوقوف . سقطت . جرحت ركبتي . لم تعبأ بي . دخلنا محلبة كنا نلهث.. الدم يسيل من ركبتي و قلبي لماذا لم يتوقف لحد الآن عن الخفقان ؟ و ضحكات بواب العمارة , أسنانه الصدئة , ستصبحين مثل أختك . أختك قحبة كتدربك من دابا , مؤخرتك ستصبح مليئة شحما ولحما, الدم ينزف من ركبتي ورائحة العرق ممتزجة برائحة البول تعطي خليطا يبعث على التغوط .
- تريدين كوكاكولا أو حليب رائب ؟
حليب رائب يا مجوسية ؟ رشوة هذه أم ماذا ؟ بالله عليك لا أريد شيئا , أريدك أن تغربي عن سمائي , أريد سما اسأليه ان كا ن لديه سم .
أخذت زجاجة كوكاكولا و شربتها دفعة واحدة . مسحت العرق عن وجهها , كانت تتمتم وحدها :
- الى درت شي حسنة وقفت لي اليوم .
حسنة ؟ عن أي حسنة تتكلمين ؟ هل ما كنت تفعلينه في الطابق الأول حسنة ؟ و ما كنت تفعلينه في الشقق المعفنة الأخرى حسنات ؟ دخلت متسولة , أعطتها عشرين فرنكا وهي تتلو شيئا في سرها . هل العشرون فرنكا التي أعطيتها للمتسولة هي التي ستدرؤ عنك الشر ؟ هي الحسنة ؟
كانت لاتزال تكلم نفسها:
- لوالتقيته وجها لوجه ماذا كان سيحدث ؟
تضرب فخذيها بكفيها . نظرت الي ثم وضعت يديها على عينيها ثم على أذنيها ثم على فمها. فهمت. لا أرى , لاأسمع , لا أتكلم . أتكلم ؟ لست على استعداد أن أبيت ليلتي في المرحاض .

دخلنا الى البيت كانت والدتي غاضبة جدا لتأخرنا وقبل أن تفتح أمي فمها سحبتها خديجة من يدها كمعزة تائهة وقالت لها:
- كنت عند فقيه
- الفقيه السوسي ؟
- لا فقيه آخر كيشوف في عظم اليهودي ؟
نسيت والدتي غضبها و كل ما حضرته في غيابنا من خصام وسب وشتم و فتحت عيناها دهشة . أما أنا فلم أعد افتح فمي دهشة و لم تعد تتسع حدقتاعينيَّ . مع خديجة أنتظر كل شيء واي شيء . ( أكملي حكايتك , ماذا رأى الفقيه في عظم اليهودي ؟ أعرف ما ستقولين مسبقا وأي حكاية ستحكين . احكي يا شهرزاد . شهرزاد سترفع راية الاستسلام أمام حكاياتك العجيبة , وامي طفلة صغيرة تصدق كل الحكايا والأكاذيب .
- قال الفقيه أن أبي فاسق .
- فاسق ؟ كيف ؟
- قال انه يذهب لدار قوادة و يصرف كل أمواله هناك .
هزت أمي كتفيها بلا مبالاة :
- انه يكذب . والدك يصلي كل وقت بوقته , ويصوم كل يوم اثنين و خميس .
- طلبي التسليم يا أمي .
- التسليم .
يأتي أبي ليلا , يامر والدتي بتجهيز الحمام , يصفر وجه أمي تقول له :
- لقد أخذت حمامك صباحا وليس من عاداتك أن تستحم مرتين في اليوم الواحد .
- لقد تعبت في المحل . شغل كثير و عرقت . ثم أنت ما شانك ؟ انا حر. أستحم مرتين أو عشرة في اليوم الواحد , أنا من يدفع فاتورة الماء والكهرباء .
تبادلت خديجة ووالدتي نظرات ذات مغزى . دخلت والدتي المطبخ , تبعتها خديجة وقالت لها بانتصار :
- شفت ؟ الفقيه عنده الحق .
صمتت والدتي و محت دموعها.
صرخت فيها خديجة :
- لماذا تبكين ؟ فيقي من الغفلة . هذه الأموال التي يصرفها على القحاب نحن أولى بها.طبعا ما دمت لا تطلبين منه لا جلالبية ولا دمليج , و يرمي لنا كل يوم فرنكات و ينصرف . عندما تكثر الأموال في يده يصرفها على الأخريات . و قد قال عمي ابراهيم ..
و تقاطعها والدتي :
- من هو عمي ابراهيم ؟
تتلعثم خديجة :
- أ.أ. أقصد الفقيه ينادونه عمي ابراهيم . قال أن أبي يصرف باسراف . عندما يأخذ حمامه و يتعشى قولي له أن يشتري لك جلبابا ولا تنامي حتى تأخذي النقود منه .
تنفذ والدتي كل الأوامر . كأن خديجة تحمل آلة للتحكم عن بعد تسيرها كما تريد . تتصرف والدتي دون تفكير أو عقل أجلس أنا و خديجة في غرفة النوم ننتظر نتيجة المفاوضات . نسمع صراخا وضربا و بكاء , فنعلم أن النتيجة فاشلة . تأتي أمي الى غرفتنا تنام معنا. ليلا أتسلل اليها . أنام في حضنها , ادفن رأسي بين ثنايا عنقها , أسرق بعض الدفء والحب وأنام .

أحاول أن أتذكر الأشياء الجميلة في حياتي , فلا أكاد أجد شيئا. حياتي ليس فيها سوى الخوف والحزن والمرض .

أتذكر أول مرة أحببت فيها, و مع ذلك لا أدري ان كانت ذكرى محزنة أم جميلة . كان يسكن في حينا و في العمارة المواجهة لبيتنا. أصعد الى السطح واطيل النظر اليه. كان وسيما كثيف الشعر أسوده و ذو شارب كث و عيناه خضراوان. كان يشبه نجوم السينما. لم يكن من أبناء بلدي ولم أكن أعرف اسمه أو ماذا يفعل فلذلك أسميته " حسن " و تخيلت أنه طالب في كلية الطب , وانه مصري الجنسية .

كنت أعرف متى يذهب الى الكلية و متى يأتي منها. أطل من الشرفة , ألتهمه بعيني . لوينظر الي فقط ؟ لكن لم يكن يحس بوجودي أبدا . أحببته بكل قوة فتاة تبلغ السادسة عشرة من عمرها تعاني الكبت والحرمان . حكيت لزميلتي في القسم عن حبي اليتيم , أملت علي فكرة جهنمية : أكتبي له رسالة و سأرميها تحت عقب باب بيته . " هكذا قالت . فرحت . كيف لم تخطر ببالي هذه الفكرة ؟ كتبت رسالة ملتهبة و بقلم أحمر ووضعت في قلب الرسالة وردة حمراء و لكن المضحك المبكي في الأمر أن صديقتي رمت الرسالة بالخطأ تحت عقب باب أناس يسكنون بالطابق الرابع في حين أن " حبيبي " يسكن في الطابق الخامس . وكانت الفضيحة . علم أهلي بالخبر . استنطاق جديد و ضرب و بكاء , ألم , حراسة مشددة و لم أعد اذهب الى المدرسة لوحدي بل برفقة " قدورالقذر" لكي " يحرسني " و " يحميني " . و كل شيء من أجل الحبيب يهون وأنا أنتظر أن يأتي حبيبي و ينقذني مما انا فيه و نتزوج و نعيش في ثبات و نبات و نخلف صبيان و بنات . هكذا علمونا في الأفلام المصرية . لكن حبيبي لم يكن يعلم بما يحدث حوله أو يعلم و يتجاهل . و عاد الى بلده , وقدا كان لبنانيا وليس مصريا واسمه " نايف " وليس " حسن " و يدرس الحقوق و ليس الطب .

كبرنا جميعا . " قدور القذر" سافر الى فرنسا و تزوج فرنسية وانجب منها . و تزوجت جميع شيقاتي الا خديجة , تجاوز عمرها الثلاثين سنة . أصبحت عصبية أكثر من المعتاد . تكاد تجن . كانت على استعداد أن تفعل أي شيء من أجل الزواج . لم تترك فقهاء ولا عرافات . جربت جميع الوصفات دون جدوى . و كانت تتقرب من كل امرأة تعرف أن لديها ابنا أو شقيقا في سن الزواج .

أخيرا تصيدت عريسا . كان وسيما جدا . أنيقا يرتدي دائما بدلة و ربطة عنق و حذاء لامعا. ورائحة عطره تسبقة . لكن ما ان يتكلم حتى يصبح المرء يطلب شيئا واحدا : متى يقفل هذا الشخص فمه ؟ كان لا يحسن الا شيئين اثنين : الأكل أو الحديث عن أصناف الطعام . و عندما يصمت فلأن عيناه مثبتتان بكل وقاحة على مؤخرة زوجة أخي الممتلئة شحما و لحما . لم يكن شخصا يبعث على الارتياح أبدا . كانت خديجة تبدو متلهفة عليه . ما ان يحضر حتى تتلاشى أمامه , وكان ينظر اليها بتعال و يعاملها بلا مبالاة . شيء غير محدد جعلنا نحس أن في الموضوع حكاية غير مريحة .
في يوم ما جاء شقيقي و قال لي :
- سمعت خديجة بالصدفة توصي ساعي البريد أن يحتفظ لها بجميع الرسائل البنكية ويسلمها لها شخصيا واعطته ورقة نقدية من فئة خمسين درهما.
- أحسست بالوساوس والشكوك تملأ رأسي لكن تظاهرت باللامبالاة :
- نقودها و هي حرة فيها, تفعل بها ما تشاء .
- نقودها ؟ أريد أن أفهم شيئا واحدا : كيف يكون لها رصيد ضخم بهذا الشكل و هي لا تعمل ؟
- أنت تعرف أن الرصيد مشترك بينها وبين والدتي . ووالدتي تضع النقود التي تحصلها من الايجار و..
أسكتني باشارة من يده :
- لاتكملي . أنت تحاولين اقناعي بشيء أنت لست مقتنعة به أصلا . البيت الذي تملكه والدتي لا يزيد عن غرفتين في المدينة القديمة , وايجار الغرفتين يكفي بالكاد لشراء علبتي سجائر و " سندويتش " , و خديجة لها رصيد بالملايين جعلته مشتركا مع والدتي للتمويه فقط . لست غبيا .
صرخت فيه بعصبية :
- مادمت لست غبيا فلماذا تكثر من طرح الأسئلة ؟
- أريد أن أواجهها واعرف من أين لها كل هذه النقود ؟
بعصبية اكبر صرخت فيه :
- واجهها اذن ماذا تنتظر؟ انها بالطابق الثاني تحضر لوازم عرسها , اذهب واسألها. لكن بودي لواسالك أنا كذلك : لماذا لم تسألها قبل الآن ؟ لماذا لم تقل من أين لك هذا عندما كانت تدفع مصاريف دراستك في المدرسة الراقية الحرة التي اخترتها عوض الجامعة ؟ أربع سنوات و هي تدفع مصاريف دراستك و ملابسك و مصروف جيبك و لم تفكر في طرح أ ي سؤال عليها , والآن بعدما تخرجت واصبحت في مركز مرموق أصبحت تطرح الأسئلة و تستعرض عضلاتك و رجولتك .
احمر وجهه , تلعثم , كور قبضته و ضرب المائدة الرخامية :
- ماذا تقصدين ؟ أنني كنت أعرف و..
- لم تكن وحدك تعرف , كلكم , كلنا.
انصرف و يلعن جذور أجدادنا جميعا.
و بعد أسبوع جاء شقيقي ثانية و علامة الانتصار بادية على وجهه و بيده رسالة :
- لقد صدق حدسي . أنظري هذه رسالة من البنك . لقد سحبت خديجة سبعين ألف درهم على دفعتين , أنظري جيدا .
و نظرت جيدا . أجل لقد سحبت سبعين ألف درهم ثم قلت ببلاهة :
- ماذا يعني هذا ؟
- سأقول لك ما ذا يعني . لقد اشترت عريسا . أجل هي من دفعت مهرها واكترت الشقة واثثتها و جهزت نفسها. هذه كل الحكاية .
كنت أعرف انه صادق في كل شيء لكن قلت له :
- لا تتعجل في حكمك عليها , ربما سحبت النقوذ من أجل شيء ما .
- مثل ماذا مثلا ؟ لماذا تدافعين عنها ؟
- اقترب عرسها ولا نريد مشاكل , هذا كل ما في الامر.
- هذا الزواج لا يجب ان يتم . سأواجهها .
افعل ما بدا لك , لكن اتركوني و شأني .
- انني أنتظر قدومها, ستسمعين و سترين , ولن أترككها حتى تعترف من أين أتت بهذه النقود اولا وبعدها أين تبخرت ؟
واتت خديجة فرحة , تحمل لفافات كثيرة . كانت تنادي على والدتي وامينة لتريهما ما تحويه اللفافات .
بعدها جاء شقيقي مكشرا ووضع ورقة البنك أمام عينيها وقال لها :
- مامعنى هذا ؟
تلون وجه خديجة بكل الألوان , كانت يداها ترتعشان وهي تمسك الورقة ثم قالت متلعثمة :
- من أين أتيت بهذه الورقة ؟
- لايهم من أين أتيت بها, المهم أن تشرحي من أين لك بهذه الملايين واين تبخرت ؟
- على ما يبدوان البنك ارتكب خطأ ما سأذهب فورا اليهم .
أجابها بسخرية :
- الأبناك مغلقة أيام الأحاد .
- اذن سأذهب اليهم غدا .
- أنت لن تذهبي الى أي مكان لأنك تعرفين أين صرفت هذه النقود , لقد اشتريت بها عريسا , و دفعت بها مهرك وايجار الشقة و جهزت نفسك .

كانت والدتي تجيل النظر اليهما فاتحة فاها وهي لا تكاد تصدق ما تسمع . عادة عندما لا تجد خديجة ما تدافع به عن نفسها فهي تنخرط في نوبة بكاء هستيرية و يزرق وجهها و تحلف بقطع رجليها ويديها و مؤخرتها واصابتها بالمرض الخايب,( هل يوجد مرض زوين ؟) ثم تسقط أرضا .. تأخذ في الركل بقدميها ويديها كأنها في حلبة المصارعة ... تتدلى شفتها السفلى .. يخرج الزبد من فمها و تصرخ والدتي جزعا :
- المسلمين , المسلمين , اعطيوني السوارت .
وتضع المفاتيح في يدها و تقرأ والدتي كل ما تحفظه من سور قرآنية بكثير من الأخطاء - كل ماتحفظه المعوذتين والفاتحة - وتهدأ خديجة رويدا رويدا. تأتيها أمينة بكأس ماء مذاب فيه قطعة سكر . يتعاون الجميع على حملها فوق السرير . نتركها لتنام . يبتلع شقيقي لسانه و ينصرف كما سبق لي وابتلعت لساني و صمتت .

فجأة ودون سابق انذار ماتت امي .هكذا فجأة . كان كل شيء هادئا في ذلك الصباح الخريفي . في ذلك اليوم رحلت والدتي حاملة معها أحزانها و همومها وانزوت بعيدا بسنواتها الخمسين .
كانت تحس آلاما في قلبها , حملتها شقيقتي الى الطبيب و بعد ذلك بساعات سمعت صرخة : أمي ماتت , أمي ماتت .
قبل و فاتها بأسبوع , أمسكت يدي و هي مسجاة على ظهرها و قالت لي :
- سامحيني يا ابنتي .
أحسست بالمرارة في حلقي . ابتلعت ريقي و قلت لها
- على ماذا أسامحك ؟ أنا من يطلب عفوك ورضاك .
كانت تبكي . عاودت امساك يدي :
- سامحيني على كل ما فعلته لك في الطفولة , أنا أمية لا أفهم في أصول التربية . خديجة كانت تسيرني , كنت أصدق كل ما كانت تقول . فهمت متأخرة كل أكاذيبها لكن الأوان فات . والدك ألغى شخصيتي واختك ألغت علقلي . كنت كالآلة أفعل ما يأمراني به . ظلمتك يا طفلتي , ظلمتك .

أنتحب . أبكي بصوت مسموع . ليتك فعلت هذا قبل الآن بكثير لكنت جنبتني آلآما نفسية كثيرة . لم أكرهك أبدا.. أبدا أمي بل لم أفكر في عتابك , كنت أفهم كل شيء . فهمت كل شيء مبكرا . كنت أعلم أنه لا حول ولا قوة لك . كنت طفلة لا تعرفين من أمور الدنيا الا ما تحكيه خديجة من أحاديث ملفقة
أحبك أمي .

حملوها واستقبلوها القبلة , نزعوا عنها جلبابها و غطوا وجهها بازار أبيض . كنت ألمس يدها , أجس نبضها , حبل الوريد في عنقها لعله ينبض . كيف تموت ؟ بكيت بحرقة . نزفت الدماء من أنفي , أغمي علي , أخذوني الى المستشفى و عندما عدت كانوا قد أخذوها الى متواها الأخير .

ذهبت أمي دون وداع , دون أن تضميني اليك , أشتاق اليك , أتمنى لوادفن رأسي بين ثنايا عنقك واستنشق عطرك الرائع مازلت أراك أمامي تعجنين الخبز الأسمر و تطبخين الطعام , أراك في الغرفة الكبرى تسبحين و تصلين , حتى في أحلامي أراك .. أبثك أشواقي , نتعانق , أستفيق.. أراك وقد خنقتي الدموع , أندم لأني استفقت واخاف أن أنام ثانية .. فأراك في حلمي وانهض لأجد الفراغ

07 أكتوبر 2006

جراح الروح والجسد١


حاولت مرارا أن أبدأ. كنت أحمل قلمي ..أوراقي البيضاء ، منزوية في ركن الغرفة. أمرر القلم على ورقتي بطريقة عشوائية .. مسرِّحةً أفكاري بعيدا، في ذلك الماضي البعيد.
عندما أستفيق من شرودي أجدني قد رسمت ندوبا .. وخطوطا كتلك التي أحملها في ذاكرتي .

لماذا أنبش الماضي ؟!
لماذا أنكأ الجراح ؟
لكي أرتاح .. و لن أرتاح الا اذا تقيأت على وجوههم كلَّ ما ظل حبيسا في جوفي طوال هذه السنين. لا داعي أن أنشر الغسيل الوسخ على الملأ ؟ بل سأنشره ؛ نعم .. نعم / وسيراه الجميع دون ابطاء .
لم يعد يهمني أحد. طز في الجميع أقولها بأعلى صوتي.
آه يا ذاكرتي .. يا ابنة الزانية ، كانك لقيطة الطرق .
لماذا لم أفقدك كما فقدت كل شيء؟!
لماذا لا يملك المرء ممحاة في مكان ما من الجمجمة تمحو كل الأشياء المحزنة والسيئة ؟!
أحاول الهروب من الماضي غير البعيد ، أجده يقف أمامي كغول خرافي يخرج لي لسانه ساخرا ، بكل جرأة . لن أتخلص منه. انه يلبسني كجلدي تماما، انه أخطبوط شيطاني يلتف حول عنقي ، يخنقني .
هذه المرة لن أهرب من ذاكرتي .. سأحكي ؛ وأحكي لأرتاح .

قبل اليوم .. كنت كسرت ألف قلم و قلم .. بكيت ألف مرة.
اليوم لملمت ما تبقى من شجاعتي ؛ و قررت أن أحكي كل شيء من دون خوف أو حشمة ... أو عيب...سأحكي بكل جرأة...سموني ما شئتم زنديقة...مجنونة...فما عدت أهتم...لقد طفح الكيل.
... بعد المدرسة كنت ألعب مع أبناء حيي نلعب لعبة العسكر واللصوص والبلي و عندما أتعب أجلس مع صديقاتي نلعب بعرائسنا نغير ملابسها , نضمها لصدورنا كما تفعل أمهاتنا معنا .

كنت أبحث عن مخبأ حتى لا يكتشفه الأصدقاء أين أختبئ؟ وراء سيارة؟ لا المكان مكشوف ويسهل القبض علي...أختبئ في حديقة المسيو جورج جارنا؟ لا...ذلك اليوم أمسك بطارق وهدده بأن يضعه في جراج الفيلا مع كلابه الخمسة. من يومها لم نعد نقترب من بيته . أين سأختبئ ؟.. اعترض طريقي رجل أسود، طويل جدا و نحيف . يا الهي كم هو طويل و بشع! شعره أكرث و كثيف يصلح عشا للحمام، وشفتاه كقطعة مقانق ويرتدي قميصا برتقاليا أزراره العليا مفتوحة تكشف عن صدر نحيف كالمشواة، و يلبس بنطلونا من الجينز ضيق من الاعلى ، واسع جدا من الأسفل..و لديه دراجة. قال لي :

ـ هيا معي ، والدك يريدك .
ولان والدتي تحذرني من الحديث مع الغرباء فقد ابتعدت عنه . أين أختبئ؟ سأذهب الى المزبلة.. لكن لا انها نتنة مملوءة فضلات آدمية وازبالا . علي قال لي : أن العفاريت تسكنها .. تستيقظ ليلا و تنام نهارا وقد أزعج العفاريت أثناء نومها فتشلني أو تتلبسني . لا .. أين أختبئ ؟ الرجل الأسود يمسك يدي بقوة . ألا تريدين الذهاب لرؤية والدك ؟ اني أعمل في المحل المجاور لمحله ، أرسلني لكي آتي بك ..
ـ ما اسم أبي؟
ـ الحاج محمد..
ـ أجل أبي الحاج محمد
واردف : أنتن خمس بنات وولد . هل أنا مخطئ؟
ـ فعلا ..فعلا

جاءت منى قالت لي : اهربي سيقبضون عليك .
أركبني دراجته و طار بي . شيء بداخلي كان يقول لي :
اقفزي من الدراجة . أهربي . لكن لم أفعل. ومن حارة لأخرى و من زقاق لآخر انتهى بنا المطاف في عمارة نائية و فوق سطح احدى العمارات أمسكني بعنف و بطحني أرضا. رفع فستاني, حاولت الصراخ . كانت يده تقفل فمي بقوة ..

أحسست بالاختناق.. جسمه ثقيل ورائحة عرقه كريهة. وهذا اللهاث قرب أذني .حاولت المقاومة وكلما قاومت و حاولت التخلص منه ازداد شراسة . وبعدها انتهى . مادة لزجة كريهة بين فخذي ، ألم.شعري أشعت، رجلايا كأنهما مصنوعتان من القطن ، لا أستطيع الوقوف .هو ممدد بجانبي يلهث كحيوان ، كخنزير، كشيطان ، وذلك الشيء الطويل جدا الضخم يتدلى بين رجليه ... و ... صرخت .استطعت أن أصرخ بقوة . جفل الحيوان الراقد بجانبي . رفع سرواله بسرعة و هرب . صعدت امرأة أوربية سمينة جدا . كانت ترطن بلغة لا أفهمها . لم أعد أفهم شيئا . حملتني , أخذتني الى بيتها بالطابق السفلي . أدخلتني الى الحمام نزعت ملابسي واخذت في غسل جسمي بماء دافئ وصابون . كنت أتلوى من الالم ، أرتعش ، أبكي . وكانت تحاول اسكاتي . غسلت عضوي جيدا .

لم تكن تكف عن السب والشتم بلغة لا أفهمها. ألبستني ملابسي ، أعطتني كأس حليب دافئ وبسكويت . ضمتني اليها .هدأت شيئا فشيئا. بعدها لم أعرف كيف و صلت الىالبيت . عندما أخبرت والدتي بالأمر، ضربت فخذيها بكفيها النحيلتين :

ـ ياويلي .. يافضيحتي
تندب خديها ، تلبس جلبابها ، تنسى أن تضع النقاب على وجهها ، تمسكني بعنف تجرني ، رجلايا كالقطن ، ألم بين فخذي ، أمي لا أستطيع ، تجرني ، كانت تكلم نفسها بصوت مرتفع :

ـ يا ويلي ، اللي عنده بنت عنده أفعى لازم تقتلها . ياريت كل أولادي ذكور .. البنات مصيبة ، يا ربي لا تورينا ما يخيفنا . تمسح دموعها . ندخل احدى الشقق في عمارة مظلمة . تأخذني الى جارتنا و هي امرأة تقوم بكل شيء . فهي طباخة في الأعراس و قابلة ـ مولدة ـ و تغسل الموتى . نزعت المرأة ملابسي واخذت تبحث عن ذلك الشيء الموجود بين الفخذين . بالتأكيد كان شيئا مهما ذلك الذي تبحث عنه . بدليل الاهتمام الذي بدا على وجهها المتغضن ، و بدليل ذلك الخوف والتوسل الذي كنت أراه في عيني والدتي التي كانت تضع يدها فوق قلبها مستندة الى الحائط . كانت والدتي تبدو و كأنها كبرت عشر سنين دفعة واحدة .

فجأة أصبح حجمها أكثر ضآلة وانكماشا. كنت أشعر بالخجل والمهانة لماذا تفعلان هذا ؟ كنت أحاول أن أخفي ذلك الشيء بأصابع مرتعشة ، فتزجرني تلك المرأة . كانت تبدو كتلك الغولة التي تأكل الأطفال في الحواديث التي تحكيها أمي لنا . كانت ضخمة جدا و فمها خال من الأسنان الا من ناب في الفك السفلي . ابتسمت ابتسامة لزجة بلا معنى وقالت لوالدتي :
ـ ابنتك طبق سليم كما أنجبتها .
تنفرج أسارير والدتي ، تمنحها نقودا . نعود الى البيت تسألها أختي خديجة :
هه ! ماذا قالت المرأة ؟
تتنفس والدتي الصعداء :
ـ الحمد لله مازالت بنت .
تنزع جلبابها ، تذهب الى المطبخ ، تعود وهي تحمل سيخا حديديا احمر رأسه بفعل النار . أجفل رعبا ..
أهرب الى الغرفة الأخرى تنادي أمي على الخديجة :
ـ امسكيها بنت الحرام ..
تقول أمينة بتوسل :
ـ سامحيها الله يخليك .
ـ ابعدي عن طريقي .
ـ يا أمي انها طفلة .. عمرها أربع سنوات لا تعرف شيئا .
ـ ما تعرف والو..هي كتعرف الشيطان فين مخبي ولده .
تمسكني خديجة و تكوي والدتي فخذي الأيسر . أرتعش .. لم أعد أستطيع حتى الصراخ . أنزوي في ركن الغرفة وابكي في صمت وامسح دموعي عندما يأتي والدي حتى لا يعرف بالأمر . تعودت أن أنام مع والدي ووالدتي : غرفتهما كانت كبيرة جدا . بها سريران كبيران و دولاب ضخم جدا وكرسي هزاز .

كان والدي ينام بمفرده على سرير وانا ووالدتي علىالسرير الآخر . أنام على ذراعها . أخفي رأسي بين ثنايا عنقها ، تهدهدني ، تحكي لي حكاية هينة التي خطفها الغول . فأنام ولا أصحو حتى الصباح . في بعض الأحيان كنت أستيقظ ليلا ، أتحسس السرير لا أجدها ، أناديها . تجيبني من مكان ما من الغرفة . لم أكن أعرف أين تختفي لكن أشعر بالأمان .
في تلك الليلة انتظرت أن تناديني كالمعتاد حتى أنام بجانبها . لكنها لم تفعل . انتظرت ، انتظرت ، وبعدها أقفلت الباب دوني .
وأنا ؟
أحسست بالحرقة في قلبي أشد ايلاما من الحرق في فخذي . كنت أنتحب كطفل يشكو حرقة الفطام . وضعت لي خديجة فراشا في الأرض و قالت بتأفف : نعسي ما تفيقي .
أجابتها أمينة : الله ينجيها .
شعرت أنني منبوذة ، مكروهة ، مدنسة . كنت أتساْل ما كل هذه الحكاية ؟ كل شيء تم في رمشة عين : الرجل الأسود ، هل يكون فعلا صديق أبي ؟ لماذا اختارني لكي ينفث في سمومه دون الآخرين ؟ لماذا ضمتني المرأة الفرنسية ؟ و لماذا ضربتني أمي وكوت فخذي ؟ هل أنا ظالمة أم مظلومة ؟ لأول مرة أنظر الى سقف الغرفة وابحث عن هذا الله بعينين دامعتين ، أسأله أن يكون كل هذا كابوسا فقط . بت ليلي كله أنتظر معجزة ترفع عني الظلم . ربما يرسل الله ملاكا أو شيطانا لا يهم . يشرح لوالدتي ما حدث و يجعلها تعطف علي ولا تنبذني أبدا .

أحسست بيد تتحسس شعري في الظلام . أجفلت ، فرحت ، قلت : أمي.
ـ أنا أمينة . لا تخافي .
ضمتني اليها. دفنت رأسي في عنقها. حاولت أن أنام . لكن الألم في مؤخرتي و فخذي . حمى تسكن جسدي . عرقي غزير، الرجل الأسود ، تلك الرائحة الكريهة المنبعثة من قضيبه المتدلي كقنفذ كريه ، المرأة الفرنسية ، حضنها قبلاتها ، و سيخ أمي الحديدي . و تلك الجملة : لا تخبري غريبا ولا قريبا بالأمر.
في الصباح أيقظتني خديجة بركلة من قدمها :
ـ فيقي يا قحبة .. نايمة في العسل .

أقفز . أنظر حولي جيدا . لم يكن كابوسا. حرقي ينز صديدا و ماء. لا أستطيع الوقوف على قدمي ، أسمع والدتي تقول لأمينة : لا أريد أن أرى وجهها ، الأكل فيها خسارة ، اعطيها الخبز حافي .
أتت أمينة ، أعطتني قطعة خبز و كأس شاي.
ـ اشربي القهوة سريعا ، لقد أتيت بها خلسة .
نظرت الى الحرق ، مسحت دمعة نزلت على خدها ضمتني اليها :
ـ ليس لدينا أي دوا بالبيت ، سأذهب عند المسيو جورج وأطلب منه مطهرا ، لكن لا .. كلابه شرسة .سأضع لك معجون أسنان . و تأتيني بمعجون الأسنان . يعاودني الألم أعض على شفتي حتى لا أصرخ.

مرت أيام تجر وراءها الأيام والشهور . ونسيت أو تناسيت الموضوع برمته لأنني بطبعي أكره تذكر كل الأشياء المحزنة .
حتى والدتي يبدوانها نسيت الموضوع . لكن حدث ثانية ما نكأ جراحي .

في حينا كان بقال طيب يغدق علي دون الجميع بالحلوى والشوكولاطة. وفي بعض الأحيان لم يكن يأخذ مني ثمن البضاعة التي أشتريها منه. وعندما أخبرت والدتي بالأمر لم تزد عن قولها أنه رجل طيب . ووالدتي لا تخطئ في حكمها على الناس اذا فهو رجل طيب . كان سمينا جدا و قصيرا ، يبدو كدولاب متحرك . يرتدي دائما وزرة زرقاء متسخة ، تحتها سروال قندريصي لا لون له ، ربما كان أبيض أو رماديا في يوم ما ، ينتعل بلغى صفراء مهترئة. وكان و جهه مفلطحا يتوسطه أنف ضخم أحمر دائما كأنه نبتة غريبة نبتت في غير موضعها. وسبابته أبدا لا تفارق أنفه .

في ذلك اليوم ذهبت لاشتري مسحوق الغسيل , طلب مني البائع " الطيب " ان أذخل الى الداخل لان مساعده غير موجود ورجله تؤلمه . ففعلت عن طيب خاطر . ربت على شعري و قال انني فتاة جميلة وقبلني على خدي واجلسني على ركبتيه وقال :
- اختاري ما تريدين و كل ما تشتهين من أنواع الحلوى .. ما تحشميش .
و بعدها أحسست شيئا محشوا بين فخذي وانفاسا متهدجة قرب أذني و ... رميت بكل الحلوى التي ملأت بها جيوبي . كانت يده ككماشة تطبق علي تشل حركتي . انظر الى الحرق في فخذي , أرتعش و....

أردت أن أخبر والدتي بالأمر , لكن تذكر الرجل اللأسود , الحرق في فخذي وجملة والدتي " لا تخبري غريبا بالأمر , لم تحافظي على نفسك " . ولم أخبر غريبا ولا قريبا بالأمر, دخلت البيت مطأطأة الرأس , اغتسلت في الحمام كما علمتني المرأة الفرنسية .

جلست في ركن قصي من البيت , كان في عيني انكسار و حزن . أعيد الشريط أمام عيني و سؤال لا يفارقني : لماذا يفعلون بي هذا ؟
في الغد أرادت والدتي ارسالي لبقال الحي , رفضت . قلت لها :
- كبرت الان . لن اذهب الى البقال و لن ألعب مع أصدقائي الذكور في الحي . ضحكت والدتي وقالت - لا تتعجلي بالدخول الى عالم الكبار .
تمتمت وحدي :
- لوالأمر يعود لي فأنا لا أريد الدخول الى عالمكم أبدا .
من يومها لم أعد تلك الفتاة المشاغبة العنيدة . رأسي دائما مطأطئة و في عيني انكسار و حزن و ذل و... وخوف كبير وكره أكبر.

والدتي كانت تبدو سعيدة لأنني لم أعد ألعب مع أبناء حيي من الذكور ولا أبرح البيت الا الى المدرسة.

لكن حتى البيت لم يعد آمنا . كان يسكن معنا قريب أبي القروي اسمه " قدور " . كان في حوالي العشرين من عمره ربما اكثر يقليل . اتخذه أبي سندا له في أعماله. و كان " قدور " هذا الامر الناهي . يحضر الى البيت فيصبح حديثنا نحن البنات همسا ومشينا على أطراف الأصابع . و كان ابي يبدو سعيدا بتجبر قريبه و تسلطه .
كان " قدور" طويلا جدا و ضخما . يحلق شعره على " الزيرو" لديه عينان متقاربتان و ضيقتان كعيني صقر . لا يتحدث كثيرا , بل لا يتحدث ابدا .عندما يعود من العمل يدخل غرفة بناها له أبي في حديقة البيت نأتيه بالطعام , يأكل في صمت , يستمع للراديو وينام .

و ليلا نادانا " قدور" لكي آتيه بكوب ماء . كنا نتفرج على فيلم مصري والصمت يسود المكان , و كل حواسنا مشدودة للفيلم .سمعت نداءه ذهبت اليه بكوب من الماء . أخذ يريني صوره واشياء أخرى لم أعد أتذكرها و كان يكلمني برفق و ليونة . كل هذا بدا غريبا في نظري , لأنه لم يكن يكلمني الا صافعا أو ناهرا أو شاتما . أحسست يدا مرتعشة تتحسس صدري و نهدي " أي نهد لطفلة لم تتجاوز السادسة من عمرها ؟ " رفع فستاني و بطحني أرضا . لم أعترض . كنت أعرف أنه لا جدوى من المقاومة أوالصراخ .استسلمت وانا ألعن كل شيء في سري . الشريط يمر أمام عيني : نفس الحكاية تتكرر . الرجل الأسود , بقال الحي , " و قدور القذر". و من بعد ذلك ؟ انتهى رفع يمناه و صفعني مهددا بسوء المصير ان أخبرت أحدا بالأمر .

تكررت اعتداءاته كنت أخضع في صمت و ذل و مهانة . لم أفكر أبدا في أن أحكي لأي أحد . سيخ امي يتراقص أمام عيني و سبابتها تتوعد بسوء العاقبة ان أخبرت أحدا بالأمر . طبعا لن أخبر أبي . وامينةالطيبة لا أراها الا في العطل . تدرس بالمدينة القديمة و تظل طوال الاسبوع عند جدتي هي و باقي شقيقاتي حيث توجد مدارسهن بالقرب من منزل جدتي . كنا نسكن هناك في الماضي , وعندما تغير سكننا الى المعاريف لم يكلف أبي نفسه عناء تغيير مدارسهن بل تركهن عند جدتي . خديجة الكبرى لا تدرس و عبد الله وحده يدرس في مدرسة تحاذي البيت .

كنت أصمت واذعن لمصيري . أحمل دميتي , أنزع ملا بسها , أشد شعرها, أصرخ في وجهها : " لم تحافظي على نفسك , اياك أن تخبري أحدا بالأمر . "
و ذات مرة ضبطتنا شقيقتي خديجة بالجرم المشهود . سحبتني من ضفيرتي الطويلة كالدواب , أخذت تبحث عن شيء موجود بين فخذي . كلهم يريدون ذلك الشيء الموجود بين الفخذين .
تبحث , تبحث . بعدها تأخذ عصى و تضربني على مؤخرتي بعنف , بجنون ..بجنون.. جنون . أتأوه , أصرخ تأتي والدتي تضرب فخذيها بكفيها , تأمرني بالاغتسال , اسمعها تتهامس مع خديجة , لا أميز سوى بعض الجمل المقطعة :
- قحبة من دابا ؟ منين خرجت ليا ؟
أخضع للذل للاستنطاق :
- منذ متى يحدث هذا ؟
--...............
- هل هذه أول مرة ؟
- ……..
تتوالى الصفعات على جسم لا يتعدى السادسة . أتلوى من الألم :
- لماذا لم تخبرينا ؟
(الخوف .الخوف يعقد اللسان . عندما أخبرتك أمي كويت فخذي . لماذا لم تضميني اليك كما فعلت المرأة الفرنسية ؟ لماذا ؟)
تشدني خديجة من شعري و تقول :
- سأسجنك في المرحاض بلا ضوء .
أتوسل اليها . أقبل يدها. تسحبني بقوة . تأخذني الى مرحاض لم نكن نستعمله كثيرا . كان مظلما , مخيفا . أبكي , أشعر بالرعب .

كنت ساعتها طفلة عوقبت على جريمة لم أرتكبها . أما " قدورالقذر" فلم تجرؤ والدتي حتى على سبه أواخبار أبي بالأمر . كأنني التي أغويته . كيف لطفلة مثلي أن تغوي شابا مثله ؟ كيف يفكر هؤلاء ؟ أليست لديهم مادة رمادية متواجدة في منطقة ما من تلك الجماجم المتعفنة يفكرون بها؟

لم يكن بمقدوري سوى الهروب الى عالمي الخاص : الى الحلم . أتخيلني وقد كبرت فجأة . عندما كان الكبار يسألون الصغار عما يريدون أن يكونوا في المستقبل , كان الجواب دائما واحدا من اثنين : اما أطباء أو معلمون.
لكن لم أكن أعرف بما أجيب , لأنني لا أعرف بالضبط ماذا أريد . كلما أعرف هواني كنت أعشق السفر. أتخيلني و قد سافرت بعيدا بعيدا جدا . أحلم أن لي طفلة أضمها الي , أمنحها الحب والحب و فساتين كثيرة و لعبا . أبدا لن تكون أقل من الاخريات , لن أنهرها , لن أكوي فخذها بل سأخفيها عن العيون القذرة.لكن أبدا لا أحلم بزوج . لم أكن أستطيع أن أتخيلني عروسا بفستان أبيض . حاولت مرارا تخيل شكل العريس فيتراءى لي وجه " قدور القذر" , أستفيق من .. من حلمي مرعوبة على واقع أشد رعبا .

تمر الايام ومن حين لآخر كانت تأخذني والدتي لتلك المرأة , بسبب و بدونه لتتأكد من أن ذلك الشيء مازال في مكانه .. وأن الطبق لم يكسر بعد . يتكرر سجني في المرحاض , أحببت السجن , كان يمنحني فرصة للانفراد بنفسي والسفر بعيدا بعيدا في عالمي الرائع الذي صنعته من مخيلتي .

كنت أغضب من والدتي , لماذا تترك غريبة تفعل بي ذلك ؟ ألم تكن تنهاني عن لمس ذلك المكان؟ أتساءل لماذا تغضب والدتي و تزجرني اذا ما ضبطتني ألمس ذلك المكان أواحكه ؟ ذلك المكان ؟ أو ليس له اسم ؟ أو ليس شيئا يخصني ؟ لماذا لم نكن نستطيع ان نتكلم عنه بحرية كأي عضو من أعضاء الجسم ؟ كالأنف , اليد , الرأس ؟ ثم لماذا لا تغضب والدتي اذا ما رأت شقيقي يلمس قضيبه ؟ عندما كنا نذهب الى الحمام للاستحمام كانت والدتي تصر أن أغطي ذلك الشيء بلباس داخلي , في حين أنني كنت أرى نساء واطفالا غيري لا يخفين ذلك الشيء الممنوع والمليء شعرا بشكل مقزز . وعندما كانت تضبطني والدتي أنظر اليهن , تزجرني بقولها " الله يعطيك العمى " .

كبرت فجأة . لم أعد كالأطفال , لأني أعرف أكثر منهم , ولانه حدثت لي أشياء لا تحدث للأطفال عادة . كنت أحس أني ملوثة . قلبي وحياتي أصبح بهما بقع سوداء كثيرة . ورغم أن السنين مرت فأنا أدين كل الذين أهانوا آدميتي و صادروا طفولتي .

أصبحت ممنوعة من اللعب خارج البيت. من البيت الى المدرسة و . وفي وقت الفراغ ألعب بدميتي وحدي .

في بعض الأحيان تأخذني والدتي الى " المدينة القديمة " نزور جدتي العجوز أو نتمشى في " الملاح " . لم أكن أحب زيارة جدتي ولا الذهاب الى الملاح حيث الزحام . لا أرى شيئا من الآشياء المعروضة . زحام , صراخ الباعة , ووجهي ملتصق بظهور ومؤخرات الناس . والدتي كانت تسحبني كالدابة .

حاولت كثيرا التمرد , لكنها تصر أن أرافقها حتى لا أبقى وحدي في البيت و يأتي " قدور القذر" و …

وصلت سن الثانية عشرة . أصبح لي نهدان بحجم حبة الحمص تؤلمانني , و شعيرات ظهرت تحت الابطين وفي منطقة العانة . في يوم دخلت المرحاض لأتبول , وجدت نقطة دم في لباسي الداخلي .شعرت بالأرض تميد بي . بكيت في صمت. لم أفهم ماذا يحدث ؟ هل هذا يحدث لكل النساء أم لي وحدي ؟ هل أخبر والدتي ؟ و صرخ كل عضو في جسمي " لا " . هذا الدم نزل من تلك المنطقة الممنوعة . ستقول والدتي ثانية أنني لم أحافظ عليه . والدتي لن تضربني اذا نزف الدم من أصبعي , لكنها حتما ستعلقني من مؤخرتي اذا ما علمت أن الدم نزل من بين الفخذين . ان الله بالتأكيد يعاقبني على شيء فعلته , وأخذت أحاول أن أسترجع في ذاكرتي كل ما فعلته خلال ذلك الأسبوع أوالشهر . لا شيء . فحتى " قدور القدر" لم يلمسني هذا الشهر . ان الله يكرهني . هكذا فكرت . وبكيت وحدي . والتزمت الصمت . غسلت لباسي الداخلي . لم يخبرني أحد من قبل أن من علامات البلوغ عند الفتاة , نزول دم الحيض . كل شيء حشومة , عيب , هراء , هراء , تخلف .

في يوم مابعد الظهيرة , لم أكن أدرس . كنت أفكر فيما يمكنني فعله. أنجزت تماريني , حفظت دروسي التي كنت أنساها فور حضور أخي الأكبر. ليست لي صديقات. وحتى ان كان لي , فوالدتي ستمنعني من زيارتهن . مللل , ملل . جاءت شقيقتي الكبرى و قالت جملة واحدة :

- هيامعي. وسحبتني من يدي .
وفي الطريق قالت لي :
- سأشتري لك " الزريعة " و " كاوكاو" .
فرحت.
- وسأشتري لك " حلوة لاكريم "
فرحت أكثر . لكن لماذا كل هذا ؟
- و .. أنت لم تعودي صغيرة , كبرت الآن .
انني أكبر متى يريدون واصغر حسب أهوائهم وأمزجتهم . ما عليناش . انها تنوي قول شيء و تمهد له .

استجمعت قواها وقالت:
سنذهب للسينما .
فغرت فمي دهشة . اتسعت عيناي . تسمرت مكاني :
- سي..نما
- ايه , هناك فيلم هندي بالألوان . أنت لم تري الأفلام الهندية الملونة , جملية وشيقة , سترين , سيعجبك الأمر .
- وابي ؟
- ماذا به أبي ؟ لن يرانا أحد .
ورفعت سبابتها في وجهي , ( أكره من يرفع سبابته في وجهي)
- اياك أن تخبري أحدا بالأمر .
السينما كانت من المحرمات . كانت أمي تقول : بنات الشوارع والساقطات هن من يذهبن للسينما . و لم نكن نجرؤ أن نمر أمامها .

دخلنا . كنت اشعر بالخوف . الظلام , أرتطم بالكراسي .جلست , لم أكن مرتاحة في جلستي . ضحكت أختي , اذ كنت أجلس على الكرسي مغلقا. فتحته أختي و شعرت بالارتياح . رأيت الفيلم , كنت مندهشة . بكيت و كنت أسمع اسمع البكاء والنحيب في كل القاعة . واكلت " الزريعة " و كاوكاو". و من حين لآخر كنت أسمع " طق مق ". التفت , كان هناك جسمان ملتصقان غارقان في بحر القبل و ..الآن عرفت لماذا كانت والدتي تقول أن السينما لا يرتادها الا الساقطات. انتهى الفيلم. رأيت فتيات يصلحن ما فسد من هندامهن بفعل أشياء غير لائقة. و في طريق العودة قالت أختي :
- أين كنا ؟
- في السينما . أجبت بعفوية .
جن جنونها .
- لقد كنا في الملاح . أين كنا ؟
- في الملاح , في الملاح .

من جملة الأشياء التي مازالت محفورة في ذاكرتي: منظر والدي و هو يضرب والدتي . كان يضربها بسبب ومن دونه. يضربها بعنف و كنا نختبئ – نحن الأبناء- في احدى الغرف . نبكي . لم نكن نجرؤ حتى على التوسل. كانت أمي تبكي و تستغيث ولا من مغيث . كنا عاجزين . نخاف أبي وجبروته و نحب أمي ولانستطيع لها شيئا .

يظل أبي يقاطعنا شهرا واكثر. يأتي من العمل يقفل عليه غرفته. لا يأكل من أكلنا أي شيء . يصبح الجو مكهربا و كئيبا . لا أحد ينطق ببنت شفة. نتكلم بالاشارات فقط . وجهاز التلفاز بلا صوت , نرى الصور فقط . اختناق .
كانت خديجة تقول لوالدتي :
- لابد انه سحر . هذا مؤكد .
- الله ياخذ فيهم الحق . لكن لماذا يسحرون لي ؟
- يحسدونك على أبي .
- فليأخذوه . لا أريده . سامحت ليهم في حقي فيه .
- يجب أن نفك السحر. غدا سأذهب عند شواف يهودي في المدينة القديمة لمعرفة من له المصلحة في ذلك .
تتردد والدتي تبدو عليها الحيرة, تقول أمينة :
- يجب أن نعرف من له المصلحة في شتات شملنا.
تستجمع والدتي قواها:
- اذهبي لكن خذي معك أختك.
و في الغد أذهب مع أختي . لكن ليس الى الفقيه. نشتري " الزريعة " و " كاوكاو " و نذهب الى السينما " فيردان " , نرى فيلما هنديا آخر . و بعد انتها ء الفيلم تقول أختي .
- اين كنا ؟
- عند الشواف .
- عظيم حفظت الدرس . والشواف أعطانا هذا .
تخرج من بين نهديها ورقة مطوية على شكل " حجاب " .
- من أين أتيت به ؟ أسألها .
- صنعته وحدي .
و في البيت تختلق خديجة حكاية عجيبة .
ندخل الى الغرفة. والدتي امينة و كوثر و خديجة وأنا. أرى تساؤلات في عيني والدتي . تقول لها خديجة بجدية :
- ذهبنا عند اليهودي , الزحام كثيف و تصوري , هناك رجال نساء و نساء أتوا من مصر و حتى الهند. شواف عفريت . عندما حان دوري قال لي أشياء غريبة كأنه يعيش معنا سبحان الله.
و تظهر اللهفة على وجه أمي:
- ماذا قال؟
- عرف لماذا أتيت دون أن يسألني . كل شيء يظهر في السبحة. قال لي أن أبي رجل متغطرس وجبار, لكن ماشي الخاطرو . هناك امرأة بيضاء سمينة , لديها علامة في يدها هي من تسحر له , فهي تغار من أمك . تنظر الي:
- أليس كذلك؟
أنظر اليها بغباء و دهشة :
- آ..نعم..ايه
تفكر والدتي قليلا ثم تصرخ:
- عرفتها. خالتكم , أختي من دمي و لحمي . عندها علامة في يدها أصبعها السبابة معقوف و هي بيضاء و سمينة.
و تقول خديجة :
- أنا كذلك فكرت فيها. ألم تري كيف تغير لونها عندما علمت أن أبي اشترى لك قفطانا ؟ تبكي والدتي بحرقة :
- الله يابنت بويا واش بغيتي عندي ؟
وتقول أمينة :
- لقد حذرناك منها كثيرا .
و تمدها خديجة بالورقة البيضاء / الحجاب :
- خذي هذا الحجاب , أطبخيه مع الشاي واسقيه لأبي .
تحتار أمي :
- لكن والدكم لا يأكل أكلنا.
تتشجع أمينة و تقول :
- سأصنع له الشاي واعطيه له. فهو يحب الشاي جدا وسيضعف أمامه.
تتنهد أمي :
- على مولانا.
تأتي خالتي كالمعتاد . لكن أمي تسلم عليها ببرود وتكلمها ببرود . لا تأتيها بالشاي والحلوى كما المعتاد . تتركها تتكلم وحدها. تجيبها أمي بين الفينة والأخرى بكلمات مقتضبة. تترك الغرفة , و تذهب الى المطبخ تتظاهر بالانشغال لشيء ما. تحس خالتي بشيء ما غير طبيعي و تنصرف غاضبة . نجحت خديجة في افساد علاقتهما.

كنت في السابعة حين اصبت بمرض " روماتيزم المفاصل " . كنت عادية ذلك اليوم , استيقظت كما المعتاد . تناولت فطوري كما المعتاد . لكن حينما كنت أكتب الدرس على دفتري , أحسست بألم في يدي , سقط القلم من أصابعي . عاودت امساكه . سقط . حاولت التقاطه , عجزت . ياالهي ماذا يحدث ؟ آلآم حادة في يدي و رجلي . حاولت النهوض , أو تحريك قدمي , فشلت . نادتني المعلمة :
- ماذا بك؟ تعالي
كنت أنظر اليها وأبكي . لم تفهم المعلمة كما لم أفهم شيئا.
صرخت في وجهي :
- تعالي ألا تسمعين ؟
كلهم يصرخون . أبي , أمي , " قدور القذر" , المعلمة . لماذا لا يتكلمون بلطف ؟
من خلال دموعي نطقت :
- لا أستطيع. أحس بآلآم في رجلي و يدي.
بهتت المعلمة . أتت الي . حاولت مساعدتي على الوقوف . فشلت .
خرجت و عادت معها المديرة وباقي المعلمين والمعلمات :
- حاولي النهوض . حركي رجليك .
- لاأستطيع
- حاولي .
آلآم , آلآم .
يربتون على شعري , على كتفي , يتكلمون في نفس الوقت , تختلط الآصوات :
- والد جاري حدث له نفس الشيء . انه الشلل .
- لا . انها حالة عصبية ستختفي بنفس السرعة التي ظهرت بها .
- لا . يجب أن يأخذها أهلها الى فقيه . يمكن " المسلمين " و تلتفت الي المديرة :
- هل أفرغت الماء الساخن في المرحاض بالأمس أو هذا الصباح ؟

- لا..لا

- هل صدمتك سيارة أو دراجة ؟

(ماهذه الأسئلة البليدة ) ؟

- لا..لا..

يتركونني . بعدها يأتي أبي يحاول تحريك قدمي ويدي . لاأستطيع . يحملني بين ذراعيه , لاأحس بالأمان بل بالخوف . واتمنى أن أفر منه . و من طبيب لآخر , تحاليل صور أشعة والنتيجة : روماتيم في المفاصل . قالوا أن السبب هما اللوزتان . لم يفهم أي احد ما علاقة اللوزتين بقدمي ويدي . حقن , حقن . أصبحت مؤخرتي مليئة بثقوب زرقاء عديدة كأنها مصفاة . احساس غريب أحسسته وأنا مريضة . أحببت هذا المرض لقد جعلهم يلتفون جميعا حولي , يضموني اليهم , يشترون لي أشياء جميلة . تعدني أمي أن تاخذني للبحر لأدفء عظامي , و زيارة ضريح " سيدي محمد " , نأخذ له الشموع و نذبح له ديكا . و خديجة كذلك تعدني بالذهاب الى السينما ان أنا وقفت على قدمي . امينة كانت تقرأ لي حكايات ألف ليلة و ليلة . يأتي أناس كثيرون يزوروني و يدعون الله لأجلي .

لكن في ذلك اليوم عندما كنت نائمة , أحسست بشيء ثقيل جاثم على صدري . حاولت ازالته بيدين واهنتين . استفقت وجدت " قدور القذر" فوق جسمي, شفتاه الكريهتان تطبقان على فمي و..لم يكن أحد بالبيت . ربما كانت والدتي في المطبخ . بكيت . هذه المرة حاولت الصراخ لكنه أطبق بيسراه لى فمي و بيمناه صفعني . كانت عيناه تلمعان بشيء غريب : الكره ؟ الحقد ؟ لا أدري . كم أتمنى لواستطيع أن أحمل سكينا واغرزه في صدره وأفتحه لأرى ان كان يحمل قلبا مثل باقي البشر , يحس , يتألم , مستحيل أن يكون له قلب . شفيت لا أدري كم مضى من الزمن , شهر؟ سنة ؟ ربما استغرق العذاب عمري كله , كان هذا المرض يأتي حتى أظنني لن أتخلص منه أبدا و يختفي حتى أكاد أنساه .


- الحمد لله , الله هادينا للطريق المستقيم . هذه الجملة سمعتها مرارا من شقيقتي خديجة . تتكلم عن الأخلاق والشرف والعفة الى آخر هذه الحكايات التي تبعث على النوم وقوفا . أمي طيبة تصدق هذا الكلام وتردد هي الأخرى : الحمد لله أولادي مهديين مرضيين ما فيهم حتى بلية .

لكن أنا لم أكن بلهاء , كل شيء مخزن في هذه الجمجمة . كنت اصمت لأنه لا أحد يصدقني . أرى واصمت . علموني أن أبتلع لساني وأصمت . مرة وتلتها بعد ذلك مرات حاولت خديجة أن تتملص مني بشتى الوسائل , لكن والدتي كانت لها بالمرصاد :

- ترافقك اختك أو لن تخرجي .
- أنا لا أفهم معني اصرارك. لماذا لا أخرج وحدي؟
- اعطني سببا واحدا يجعلك ترفضين مرافقة أختك.
- سأذهب عند صديقتي من " الأخوات المسلمات " سنناقش بعض أمورالدين , فكل يوم جمعة يعقدن مثل هذه الجلسات .
- هذا سبب أكبر يجعلني أصر على أخذ أختك معك . عسى الله يهديها و تصلي .
تستسلم شقيقتي على مضض , تنظر الي شزرا , تمسكني من يدي بعصبية و تسوقني كالدواب . نمشي , نمشي . حرب حامية الوطيس مشتعلة بداخلها . ياالهي , ماذا بها ؟ و صلنا الى حديقة الألعاب , ادخلت يدها بين نهديها واخرجت بعض النقود .

- خذي هذه النقود , العبي كما تشائين , اشتري ما تشتهين .
ترددت . كنت أجيل النظر بين اليد الممدودة بالنقود والوجه الغاضب . أخذت النقود .

- ستدخلين وحدك وعندما تنتهين من اللعب , أخرجي وقفي بجانب " العوينة " . هل تسمعين ؟ الساعة السادسة بالدقيقة أجدك هنا , كرري ما قلته .

- وانت أين ستذهبين ؟
تلعثمت , احمر وجهها . (عجبا ان وجهها يحمر)
- لن أكرر ما قلته لوالدتي .
- ووالدتي قالت أرافقك لا أن تتركيني و تذهبين .
- اسمعي , غدا أشتري لك سروال " الجينز "
(انها تساومني يجب أن أستغل الموقف)
- سروال جينز و حذاء رياضي .
ابتلعت غضبها
- حسنا لكن ابتلعي لسانك .
و قبل أن تتركني قلت لها :
- اذا لم تشتري لي سروال الجينز والحذاء الرياضي , سأخبر والدتي كل شيء , ابتداء من السينما .
اصفر وجه خديجة :
- حسنا . أنا أستاهل , أنا حمارة , هيا بنا .
و بلا مبالاة قلت :
- اذن هيا بنا الى البيت فلنعد.
ترددت بدت على وشك الانفجار :
- أقسم لك سأفي بوعدي .
ذهبت. و فهمت أنها لا تذهب عند " الأخوات المسلمات " ولا يناقشن أمور الدين أو يشرحن سورة " الفاتحة " . انها أمية تفك الخط بصعوبة ولا تعرف الظهر كم ركعة فيه . انها تذهب عند رجل , لا ليس رجلا واحدا , بل رجالا كثيرين , و تأتي محملة بأشياء كثيرة : جبنة , حلوى , مناديل مطرزة ... تسألها والدتي فتقول : صديقتي " الاخوانية " أعطتني كل هذا , ظريفة مسكينة . تفرح أمي كالأطفال . تعطينا خديجة نصيبنا من الحلوى والجبنة ولا تترك لنفسها شيءا . تقول بطيبوبة : لقد أكلت الحلوى والجبنة حتى طلعات ليا هنا , و تشير الى رأسها .
أبتسم في سري . يا ابنة الكلب . والدتي تصدقها. ببساطة لا يساورها الشك في ابنتها المهدية المرضية.
و تشتري لي سروال " الجينز" و " الحذاء الرياضي " و فساتين كثيرة , ملابس جديدة , جلابيب , حلي كثيرة ذهبية مخزنة في الخزانة , ولا أحد يسأل من أين لك هذا ؟ ليست موظفة ولا أي شيء ولا أحد يسأل . والدي يعطيها مصروف البيت , أعرف والدي شحيحا. كل ما يعطيها يكفي بالكاد لشراء ربع كيلو لحم و بعض الخضراوات. هو يصرف بسخاء حد الاسراف اذا كان هناك ضيوف . يفعل ذلك للتظاهر فقط . و مع ذلك رغم المصروف القليل تأتينا بالفاكهة أشكالا والوانا , الدجاج , المشروبات الغازية , الحلوى و... هل كانت ذكية لدرجة استغفلت معها الجميع ؟ أم كانوا أغبياء ؟ أم كانوا يفهمون ويصمتون ؟ أذكر أنها اضطرت لاستئصال الزائدة الدودية , و تكلفت أختي أمينة بالمصروف . احتارت المسكينة فالمصروف لم يكن يكفيها لشراء الضروريات .

عشنا في ضنك لمدة أسبوعين الى أن عادت أختي خديجة و عادت أيام الرخاء . هي من حقها أن تفعل كل شيء . لكن عندما علمت أنني أحببت جارنا الذي لم أكن أعرف حتى اسمه أقامت الدنيا ولم تقعدها. أخذتني من يدي الى جارتنا لتتأكد من عذريتي . ( يا الهي أي جنون ) ؟
يتبع