11 دجنبر 2007

امرأة عاشقة….امرأة مهزومة



ذهبت الى العرافة, وضعت ورق اللعب على صدري ورددت وراءها “هاقلبي, هاتخمامي …”. تجشأت كثيرا وقالت انه بيني وبينه سحرا جعله يهرب مني.لكنها أكدت لي أنه سيعود وعندها سأكون ملزمة”بذبيحة كبيرة” و “ليلة كناوية”.لم أفهم جيدا معنى “ذبيحة كبيرة” لكن حركت رأسي بالموافقة.ثم قوست حاجبيها, و أغمضت عينيها وأخذت تحرك شفتيها بسرعة ,تكلم أشخاصا تراهم هي فقط.وأخبرتني أن جنيا أسود يدعى”ميمون” سكن جسدي هو السبب في كل ما يحدث لي.شعرت بالفزع لمجرد التفكير أنني اقتسم هذا الجسد النحيل مع جني أسود مشاغب.خرجت من بيتها الذي كان بحجم خم للدجاج.علقت بثيابي رائحة البخور.اللعنة.أخذت رزمة من الاوراق المالية وأعطتني بدلا عنها شموعا. بيت العرافة يقع في ازقة ملتوية و متشعبة كالمتاهة.وأنا سأدخل متاهة و حروبا أخرى مع الجن و العفاريت كأنه لا تكفيني معاركي مع الانس, حتى ازج بنفسي في معارك مع الجن. اشعلت الشموع لكي يشتعل حبه من جديد, لكنه لم يأت. بدأت أفكر جديا في اقامة”ليلة كناوية” وزيارة الولي “بويا عمر”.أنظر من نافذة غرفتي ,قطتي أصبحت تمشي بصعوبة بعدما ازداد بطنها انتفاخا فأصبح بحجم اجاصة.أبي طردها من البيت وأنا أقدم لها الطعام خلسة. تركت البيت منذ مدة لتلحق قطا أجرب أغواها, و بعد ذلك عادت تتمسح بي .
أنا كذلك تركت العالم بأسره وتبعته.لم يكن وسيما .كان يشبه دبا صغيرا أصلع بكرش مرتخية تخفي أعضاءه التناسلية, ومِؤخرة ضخمة ووجه مدور.كنت دائما أكره الرجال ذوي المؤخرات الضخمة و الوجوه المدورة.فكيف أحببته؟ هو هكذا الحب دائما يأتي بلا موعد.الحب كالموت ,كالمرض يأتي دائما حين لا ننتظره و في الاوقات و الاماكن الاكثر غرابة.الحب يجعلنا نتصرف كالاطفال بلا منطق.لماذا لا يخترعون مصلا ضد الاصابة بالحب؟أحس بالبرد .أنظر الى السماء.تبدو سوداء هجرتها النجوم. ستمطر لا محالة.أعطس ثلاث عطسات, سأ صاب بنزلة برد .لا احب فصل الشتاء ,فصل الانوف الحمراء والازقة الموحلة.عندما كنت طفلة كنت احب فصل الشتاء.أخرج برفقة “اولاد الدرب”, نصرخ بفرح لا يضاهيه اي فرح ,”آشتاتاتا أصبي صبي”. صوت “نعيمة سميح” المنبعث من الراديو الصغير, يبدو مرتخيا وملتويا.البطارية توشك على النفاذ, “ياك آجرحي جريت وجاريت”.هو لا يحب “نعيمة سميح” و ” أم كلثوم”. يقول أن هذه النوعية من الاغاني تجعله يتثاءب.
كيفت حياتي حسب رغباته و أهواءه ومزاجه. لانخرج الا حين يريد هو. لا نرتاد سوى الاماكن التي يرتاح لها هو . رغباتي انا مزاجي انا….لا يهم فيما بعد…فيما بعد.أسمع آذان الفجر, يجعلني أشعر برغبة في البكاء.أتمنى لو أبكي بصوت مرتفع و أركل الارض بقدمي كما كنت أفعل و أنا طفلة , فتأتي أمي و تضعني في حجرها و تهدهدني و تغني بصوت خفيض, ” الله الله محمد رسول الله”, فأرتاح وأنام .أسمع خطوات أمي متجهة الى الحمام لكي تتوضأ.أبي يصلي في رمضان فقط.أما هو فحين سألته لماذا لا يصلي, قال انه يؤمن بالله وكفى,وليس في حاجة الى اثبات ذلك خمس مرات في اليوم.عندما جاء لخطبتي, رأته أمي من فتحة الباب, ضربت خديها بكفيها حتى ارتسمت أصابع عشرة على وجهها, وقالت,” لازين ولامجي بكري”. لكنك أمي دائما ترددين,”الرس المغطي احسن من الراس العريان”., ثم انني احبه.عاودت النظر اليه من فتحة الباب. بدا وسيما في قميصه الاصفر.تذكرت انني اكره اللون الاصفر.لون الاسنان الصفراء المتعفنة والابتسامة الصفراء المنافقة,و” للاميرا” الجنية التي تعشق الاصفر.أبي بدا ممتعضا هو الاخر.أخذ يعبث بالشعيرات الاربعة التي نبتت فوق صدره بلا مناسبة.نفث دخان سيجارته في وجهي وقال” انها عملية خاسرة بالتأكيد”. لكن أبي, متى كانت العواطف تحسب بآلة حاسبة؟ هل أكلم اأبي ام تاجرا في سوق الخردة؟نظر الي و أكمل ” ثم انه موظف”. نطقها كأنها سبة أو تهمة, لكنني أحبه.هزكتفيه وقال”اذهبي الى الجحيم …جيل ما كيحشمش”. و هل تخجل انت ابي عندما زوجتني و أنا بعد طفلة بجديلتين؟ كسبت يومها من وراء تزويجي / بيعي كثيرا.أتذكر يومها جاءت أمي أخذتني الى الحمام, غسلت جسمي و نتفت شعر ابطي و عانتي, وقالت لي كلاما احمر له وجهي خجلا.وخضبت النساء يدي بالحناء و كحلن عيني…كانت زغاريدهن أشبه بالصراخ والولولة.وبعدها وجدت نفسي أمام رجل طويل جدا.أول شيء فعله صفعني وقال” نهار الاول يموت المش”.وعرفت بعد ذلك انني المش او القط الذي يجب ان يموت.هذا كل ما أعرفه عن الزواج,حمام ,حناء وزغاريد ورجل يصفعك لكي يثبت أنه الاقوى, وبعد ذلك يملأ بطنك أطفالا و يهرب.زوجي الاول هرب وترك لي خازوقا. وهذا الذي أحببته هرب و ترك لي خازوقا آخر, كلهم يهربون عندما تصبح الامور جادة.أمي تلوي شفتها السفلى و تسأل عن سبب اختفائه.الجني الاسود مازال يسكن جسدي ,أختي تخرج لي لسانها وتشهر في وجهي أصبعها الوسطى. العرافة تقول يلزمك “ليلة كناوية”و “ذبيحة كبيرة” وكثير من الاوراق المالية. تضع النقود بين نهديها وتشعل سيجارة من نوع”كازا” و تطلب التسليم. جارتي تقول ان العرافة كانت “شيخة”*, وعندما جار عليها الزمن أصبحت عرافة.أشعر بالجوع.ألبس الخف .سأذهب الى المطبخ وآكل فطيرة مدهونة بالعسل.أتراجع في آخر لحظة.يجب أن أقلع عن هذه العادة السيئة.فعندما أغضب لا أجد سوى المطبخ أنفس فيه عن غضبي.في بعض الاحيان ,آكل كل شيء و أي شيء وأنا أبكي. يبدو منظري مضحكا و مقرفا. بعدها أذهب الى الحمام وأدخل اصابعي في حلقي و أتخلص من كل شيء.يجب أن أكون قوية.هذه المرة لن أنفس عن غضبي و حنقي في الأكل .سأذهب اليه هو في مقر عمله, وأخرج له لساني وأقول له “ان الكون لا يبدأ وينتهي عند قدميك”.سأقول له”أنا نادمة لأنني أعطيتك أكثر مما تستحق من الحب و الاهتمام”.سأقول له”أنا نادمة لأنني كنت مستعدة لأي شيء معك, و لم تكن مستعدا سوى للكذب و النفاق.فهنيئا لك على قدرتك الفائقة على الكذب”.غدا سأحرق صوره و رسائله و هداياه وأكاذيبه. ولن أشعل الشموع ثانية لكي يشتعل حبه ويعود.ولن أقيم “ليلة كناوية”.أوف أشعر بالجوع, سآكل فطيرة واحدة لا غير. ترى كم تكلف ” ليلة كناوية”؟

08 دجنبر 2007

ترانت سيس


اكره يوم السبت.
أعرف ان هناك من يكره كل أيام الاسبوع ولا يشتكي.لكن بالنسبة لي الامر مختلف, أو هذاعلى الاقل ما أعتقد.
كل يوم سبت يحضر ابي باكرا جدا,يجر قدميه الكبيرتين , بطنه جد منتفخة,لا تتناسب مع جسمه النحيل.وجهه مستطيل,جبهته بارزة بعروق نافرة.لا يبدو وسيما أبدا.كل يوم سبت تكون برفقته امرأة لا أعرفها, لاتشبه المرأة التي أحضرها في الاسبوع الفائت ,ولن تشبه بالتأكيد المرأة التي سيحضرها في الاسبوع القادم.يرسلني الى دكان “با ابراهيم”.دكانه معتم وتنبعث منه رائحة عطنة,منفرة, تبعث على القيء. لم أكن أشتري منه المواد الغذائية التي نحتاجها .عيناه حمراوان معمشتان.يتنشق “التنفيحة” و ينخرط في نوبة عطس لا نهائية.يمسح أنفه بمنديل يبدو أنه قصه من كيس طحين مهترئ. يفتح المنديل و يتأمل للحظة ذلك المخاط ثم يعاود دسه في جيبه.يحاول أن يتفوه ببعض الكلمات اللطيفة.الابتسامة لا تناسبه .تبدو اسنانه طويلة و غير متناسقة بلون الطحالب.أقول له جملة واحدة و ابتعد”عيشة الطويلة”.أضم ذراعي الى صدري و أنتظر.تأتي جارتنا تحمل طفلها حديث الولادة بين ذراعيها.الطفل يصرخ باصرار,يمص رضاعته المملوءة بالكمون الصوفي والكروية.قالت ل”باابراهيم”:هاد ولد الحرام ما بغاش يسكت”.يسكتها باشارة غاضبة من يده”هذا غير ملائكة..عندي دواه”.عاودت النظر الى الطفل حتى اعرف عن قرب شكل الملائكة.كان وجهه بلا رموش و لا حواجب كأنه يعاني الثعلبة..يفتح فمه عن آخره وهو يصرخ بعنف.وجهه كله عبارة عن فم كبيرمفتوح,”حلق الموت” يرتعش كجرس صغير. ينفخ “باابراهيم” دخان السبسي بوجه الرضيع,مرة, اثنتين, فيصمت ,تتشقلب عيناه وينام. تمد المرأة يدها الى صدرها,تنبعث منها رائحة الحموضة,تخرج بعض الدراهم تمدها للبقال, يضعها على جبهته ثم يقبلها. بالتأكيد رائحة المرأة الكريهة عالقة بالدراهم.تشكره المرأة بلطف يناسب امرأة في الاربعين تنبعث منها الخل. تنصرف المرأة,اكرر طلبي”عايشة الطويلة”.يتجه الى الداخل.كنت اتوقع دائما ان يأتيني بامرأة طويلة و عملاقة,لكنه كان يمدني بزجاجتين ملفوفتين بورق الجرائد, ويقول بصوته الذي يشبه صوت النساء و الذي لا يتناسب وشكله المخيف”ديريكت للدار”.ثم يعود الى ركنه المعهود.
ذات يوم اغراني ذلك السائل الاحمر القاني.تجرعت ما تبقى في الكأس التي نسيها أبي دفعة واحدة.تقيأت كل ما في جوفي وظلت رائحة منفرة تشبه رائحة جوارب متعفنة عالقة بي تلازمني طيلة اليوم.
يقفل ابي علي باب غرفتي.يعطيني نصف خبزة بها بعض السمك المعلب.
أرمي بها فور خروجه من النافذة. لن اقفل الباب بالمفتاح لكن لا تحاولي الخروج. من الغرفة الاخرى تنبعث رائحة الشواء , يتحلب ريقي.أفتح الباب قليلا.ضحكات خليعة,كلمات نابية,الرائحة الشهية تتسلل الى انفي.معدتي اصبحت في حالة هيجان قصوى,واصبح من الصعب اسكات قرقرة مصاريني.أبتلع ريقي بصعوبة,أتحسس الدراهم القليلة في جيب بيجامتي,غدا سأشتري نصف خبزة ممتلئة بصلا وكفتة.”العربي “شكله مقرف,بطنه تمتد وتتدلى فوق العربة.يمسح مخاطه و يعاود قلب أصابع الكفتة و النقانق. لكن لا يهم.أكله لذيذ,وربما هذا“العفن” ما يزيد من لذة اكله.فالزبائن يتجمعون حول عربته أكثر من الذباب الذي يحط على البصل و الطماطم المفرومة.
أبي ,أريد ان اشاهد التلفاز.اريد ان ارى السندباد.لا استطيع النوم.جدتي لابي تقول ان الرسوم المتحركة مخلوقات حقيقية تعيش في مكان ما.تأخذ سبحتها و تظل تسبح.أصابع يدها الاخرى لا تفارق فتحة انفها في محاولة يائسة لنزع بعض الشعيرات.السندباد على مركبه يجوب العالم.الجنية تخرج من عمق البحر. ينقلب المركب و أسقط من سريري. الغرفة مظلمة.علاقة الملابس تصبح جنيا فاردا ذراعيه.يتقدم نحوي.أخفي راسي تحت الغطاء .أسمع دقات قلبي كأنه يضخ في اذني.أين هي امي ؟على الحائط لا أجد صورة لها.صورة قرد كبير يلف ورق التواليت على جسمه الضخم المشعر, يفتح فكيه في بلاهة,تظهر أسنانه الصدئة بحجم حبات الفول. لماذا يصر ابي على وضع صورته وسط البهو؟ من ذاك الذي قال ان أصل الانسان قرد؟ كيف هوشكل امي؟هل أحمل بعضا من ملامحها؟ سمينة؟ بيضاء؟كنت احمل كراستي و أتخيلها. كنت دائما ارسم امراة بلا ملامح.جدتي قالت لي يوم زرتها بالبادية”عيناك تشبهان عينا امك”.فرحت.الان اعرف شكل عيني امي.
أردفت و هي تفلي القمل من راسي”عيناك وقحتان ترمي عليهم كمشة الملح ما يرمشوا”.ينقبض قلبي, انفلت من بين رجليها.كرهت جدتي و ازددت حبا لامي.
ذلك السبت ليلا.احسست بآلام تفتك ببطني , و بسائل ساخن يتدفق من بين فخذي الى ساقي.السائل رائحته كريهة.فهمت.لكن لم اعرف ماذا افعل.أضع يدي بين فخذي حتى امنع ذلك السائل المهين و الكريه.تمتلئ اصابعي بالدم.تنزل قطع حمراء داكنة كالكبد.ارتعش ,السريرالحديدي يطقطق.أسناني تصطك.أحس بالمهانة.ماذا لوامتلات ارض الغرفة بالدم؟السلالم؟الحي؟أصرخ.يأتي ابي.عيناه نصف مغمضتين : آش بيك؟ صوته يشبه الحشرجة.آشبيك؟عيناه نصف مفتوحتين.آش بيك؟ وجهه مستطيل و جبهته اكثر بروزا.شعيرات مجعدة يحاول ان يخفي بها صلعه.آش بيك؟صوته يزداد حدة.الدموع كحبات الرمل, كالابر تنغرز في العيون.آشبيك؟اريد امي. .ينزع عني الغطاء,يرى سوءتي.الازار تشرب الدم حتى البلل. يدي بين فخذي,احاول ان امنع النزيف المهين ..يتسمر.عيناه كقطعتي زجاج, ينظر الى الازار الملوث بالفضيحة.ينظر الى نهدي, الى وجهي الذي امتلأ بثورا حمراء.تفاجة آدم تصعد و تنزل . يحك قفاه أهز رأسي من اليسار الى اليمين كأنني ادفع عني تهمة .يفتح خزانة الملابس ,يمدني بفوطة كنا نمسح بها أرجلنا.يرميها بعنف باتجاهي.يبصق على الارض يخرج .لا أزال مكورة فوق السرير.أنظر الى بقع الدم , الى الفوطة الخشنة. تأتي المرأة التي تقاسم ابي مجونه.تخفي عريها بازار ابيض.تضحك ضحكة لزجة ماجنة بلا معنى. تقول بصوت خشن بفعل السجائر“نوضي قفزي الله يمسخك, ها انت وليتي امرأة”.يومها ,كرهت أبي ,كرهت جسدي وأحببت امي.
صباحا أستفيق على صراخ المرأة التي أحضرها أبي .أفتح عيني المنتفختين, أوار بالباب.المرأة ترمي بورقة نقدية خضراء في وجه ابي,التفال يخرج من فمها,تنتفخ أوداجها,تبدو كضفدعة.”على هذا بهاد الثمن؟”,و تشير الى ما تحت بطنهاالأكرش في حركة وقحة.يعاود ابي دس الورقة النقدية في جيب سرواله القندريصي الذي يستر نصف مؤخرته فقط. يرفع رجله اليمنى ويصوبها نحو مؤخرتها”خرجي الق.. النسا حطب جهنم”.تنجح المرأة في الافلات.يصفق الباب وراءها بعنف واضح . تستمر في الصراخ حتى و هي في الشارع”حرام عليك تاكل عرق الوليات, الله يدخلهم عليك بالحرام”.عيناه ضيقتان كثقبين صغيرين مظلمين,لاتنسجمان مع أنفه الضخم الممتلئ بآثار الجدري.يسند جبهته الى الحائط, أستطيع ان اسمع انفاسه المضطربة,يضرب الحائط بقبضة يده,يبصق على الارض , أسمعه و هو يسب دين النساء.المرأة لا تزال تصرخ ,تريد جلبابها و حقيبة يدها.يفتح حقيبتها و يرمي بها من النافذة.تنتشر محتوياتها على الاسفلت.يتسابق الاطفال لسرقة ما تقع عليه أيديهم.يمزق الجلباب و يعاود رميه من النافذة, يجلس على حافة الكرسي و هو يلهث,ثم يضحك في ارتياح.
أستطيع أن اخمن ما سيحدث بعد ذلك. سيدخل الحمام, يستحم, يستقبل القبلة, يقول” اللهم اني نويت صلاة ركعتين لوجه الله”.نفس الحكاية تتكرر كل يوم سبت مع اختلاف بسيط في التفاصيل.
مع اقتراب يوم السبت, يحط على صدري حجر ضخم لا يتزحزح.أصبحت أكره يوم السبت, وأصبحت أفهم لماذا يسمي الجيران أبي ب “ترانت سيس”.

24 نونبر 2007

موت


أضغط على الريموت كنترول…المذيعة تبتسم تظهر اسنانها البيضاء اللامعة ..كيف تستطيع الحفاظ على أسنانها بيضاء ؟

…وقد هاجمت اسرائيل مدينة غزة انتقاما لمقتل جنديين اسرائيليين

تزداد ابتسامتها اتساعا…تضع عدسات لاصقة خضرا ء اليوم بنفس لون الفستان الضيق. اللون الاخضر لا يناسبها ..يكشف استدارة نهديها

وجد معايا الطبلة- لحم الغنمي يكفي علاش حمرتي حتى الدجاج ؟

جثت متعفنة ..رؤوس مفصولة عن اجسادها

أغرز الشوكة والسكين في قطعة اللحم ، ألتهمها بتلذذ

الله يعطيك الصحة اللحم بنين: يقول زوجي

المذيعة تحاول ان تبدو حزينة…الغوباشة لا تناسبها

regarde sa robe est très belle

امهات يبكين…بؤس ..فقر…صراخ..دماء يمتصها الاسفلت

بغيت عصير طانك-اسكب العصير لابنتي

الكوكاكولا احسن كتساعد على

الهضم ولكن كتدير الغازات

-وتستعمل اسرائيل اسلحة وقنابل ممنوعة دوليا

ماما شوفي كنشطح بحال نانسي عجرم

-تتلوى الصغيرةتغني:آه ونص بص بص بص

اصفق لها …تشبهني كثيرا حين كنت طفلة

الله يحفظك ليا آزينة البنات

:يقول زوجي-طفلي الصغير يشعر بالغيرة،يقفز من الكرسي

:انا كنغني احسن منها، يكور قبضته على شكل مايكروفون

علاش مابغيتيش تجي يالمشيشة

شريت ليك الشكلاط والشيشة

وانت بغيتي الكوستيم والطريبيشة

تدمع عينايا من الضحك

on ne parle pas quand on mange

mais vous parlez toi et maman

انا وماماك كنتكلمو في اشياء مهمة

يصمت طفلي..تصمت طفلتي

“وفي العراق قتل 42 مدنيا بينهم ثلاتة اطفال وجرح 15 اخرين سبعة

منهم في حالةخطيرة اثر سقوط قنبلة …و

- نهارالسبت بالليل غادي نمشيو “البالكون33″كاينة واحد الراقصة أمريكية كترقص الرقص الشرقي.

- لا ..السبت كاين ماتش سخون بين الرجا والوداد وغادي نرجع مهلوك من التيران ، ولكن الى ربحت الوداد نمشيو فين ما بغيتي

انت شي نهار تقتلك الكرة

-معلوم الراجل هواللي يموت على بلاده ولا اولاده ولا الوداد–ديماحمرا

نمشي معاك لتيران ؟ :يقول طفلي بفرح- احفظ دروسك ويالله معايا

-عملت التمارين كلهم ..بقا لي درس التاريخ ماقدرتش نحفظو صعيب بزاف

ركز مزيان ..التاريخ ساهل..هي نفس الدروس كتكرر دائما

-المذيعة لا زالت تتكلم أحمر الشفاه الوردي لا يناسبها يجعل فمها يبدو كبيرا

وستغادراليوم باخرتين محملتين بالسياح باتجاه اسبانيا …الحرب المفاجئةعلى لبنان..وقد رفضت اسرائيل….الى…حين …مغادرة السياح

فيقيني بعد ساعة.. نعاسي ثقيل بحال الميت : يقول زوجي ثم يتمدد على الكنبةالمواجهة لجهاز التلفزيون

20 نونبر 2007

جراح الروح والجسد (الأخيرة)


هؤلاء المكبوتون موجودون في كل مكان: في البيت, في الشوارع , في محلات البقالة , في سوق الخضار و حتى في الحافلات. يستغلون الزحام و الغفلة ليفرغوا مكبوتاتهم الحيوانية في ضحاياهم من النساء الغافلات الشابا ت أو العجائز. بعض العجائز تعجبهن اللعبة و يتظاهرن بالغفلة و عندما تنتهي اللعبة يصرخن في احتجاج . رأيتهن كثيرا في الحافلات…)تقول الهام و هي ما زالت عارية :-أعرف لن تنام حتى تنشر الخبر في كل المدينة القديمة وتزيد وتنقص حسب هواها و تضخمها حتى تصبح بالحجم الذي يرضيها.كنت أنظر الى جسم الهام الشائه , واخيرا نجحت في الكلام قلت لها:-سأذهب للصيدلية و أشتري بعض الأدوية لعلاج جراحك.أوقفتني باشارة من يدها:-لا تفعلي. جراحنا تشفى وحدها لسنا في حاجة لدواء الصيادلة.ثم نظرت لحقيبتي وقالت:-ما الأمر؟ خصومة مع زوجة أبيك؟-بل مع أبي.-ماذا حدث؟صمتت لحظة و قلت لها:-سأسافر الى فرنسا.بدت للحظة كتمثال شمع:-كيف؟متى؟ لم تخبريني بشيء.-لم أخبر أحدا بالأمر.صرخت في وجهي و الدموع تملأ وجهها:-أنا لست أي أحد. أنا أختك , صديقتك.أحكي لك كل شيء. تعرفين حتى ما بداخل مصاريني, تجلسين معي , تأكلين و تخفين عني أمرا كهذا, بل ربما كنت تنوين السفر بدون وداع , انك مثلهم غدارة و خائنة للعشرة.لم أرها بهذا الشكل أبدا. ضممتها الي وقلت:-ليست قسوة بل حب. خفت فراقك, خفت لحظة الوداع. انك لا تفهيمين ما أحس به نحوك. لا تعاتبيني أرجوك, يكفي ما سمعته من أبي.مسحت دموعها و قالت:-متى قررت السفر؟-اقترحت علي جوزيان السفر لانشاء جمعية تعنى بضحايا التحرش الجنسي من الأطفال.-هراء! هل تظنين نفسك ستصلحين الكون أنت وجوزيان؟-أنا و جوزيان و الآخرون . لا بأس من المحاولة-لست مقتنعة بالفكرة, لكن فرنسا جميلة. اذهبي هناك و اعملي في أي شيء: نادلة في مطعم..أي شيء.. ما دمت بعيدة عن هنا. و عندما تجمعين مالا كثيرا عودي و افتحي حانة. ستصبحين ثرية.-هذه أحلامك انت الهام. أنا سأنشئ جمعية و أدرس ألا تفهمين؟-فعلا يبدو أننا أصبحنا نتكلم لغة مختلفة.-الهام. لماذا لا تتركي هذا العمل؟ لأجل دعاء. فكري بها عندما تكبر.أشعلت سيجارة . كانت يداها ترتعشان و تتحسان من حين لآخر أماكن الأسنان المكسورة.حاولت أن تتكلم بهدوء:-سأترك العمل حاضر. لكن قولي لي أين سأعمل؟ في الشركة التي تركها أبي ؟ أم في المصنع الذي تركته أمي؟ قبل أن تقولي أنت و غيرك اتركي هذا العمل أعطوني البديل, أم تحسنون الكلام فقط؟ هل تنوين حل مشاكل الناس الذين يأتون جمعية المستقبل بالكلام؟ الهضرة ما تعمر خضرة.-أقصد…أسكتتني باشارة من يدها و قالت:-خذي دعاء لتنام بجانبك هذه الليلة. لا أستطيع ضمها الي. جسمي متألم و اطفئي الضوء.أطفأت الضوء . ضممت دعاء , قلت لالهام:-سأكتب لك كثيرا و من يدري؟ قد أجد حلا و أرسل اليك لكي تلحقي بي.صمت ثقيل يلف المكان و بعدها قالت :-ستكتبين مرة و اثنتين و بعدها ستأخذك الحياة. ستنسين الهام و دعاء و و كل الأيام الجميلة.-سترين أنني لن أنساك..لن أنسى دعاء.. لو كانت ابنتي…دفنت رأسي تحت الوسادة وبكيت.صباحا حملت حقيبتي , عانقتها , ضممت دعاء الي, أعطيتها بعض النقود كانت تفيض عن حاجتي. نجحت في حبس دموعي و انصرفت.في المطار , جلست أنتظر الطائة. كنت أشعر بشعور غريب : الخوف من المستقبل , المجهول ربما. احساس بالمرارة في حلقي . أنظر في كل الوجوه عساني أرى وجه أبي. لو يأتي ؟ لو يرضى عني ؟ دخلت المرحاض, غسلت وجهي من آثار الدموع ..خرجت و….رأيته, انه هو أبي.! عانقته . لأول مرة أحس بدفء ذراعيه. احساس رائع ..رائع. انتبهت لنفسي كنت أبكي بصوت مسموع. لم أكن وحدي , حتى أبكي كان يبكي. يا الهي! هل هو يبكي مثلنا؟ عانقته ثانية لأشبع من حضنه. لم يعانقني أبدا قبل الآن. قال لي بعد أن مسح دموعه:-سافري يا ابنتي و قلبي راض عنك.-كيف اقتنعت بفكرة سفري؟-أنا لم أقتنع بشيء. أخاف عليك أولاد الحرام. الدنيا خايبة آبنتي. كنت أريدك أن تتزوجي و تنجبي و تتركي الدراسة ووجع الدماغ. المرأة مكانها في البيت و الأولاد….لكن رأسك صلبة. افعلي ما بدا لك ..سافري .عانقته بقوة , بقوة. كم أنت رائع يا أبي! لو أشعرتني بالحب قبل الآن كانت تغيرت أشياء كثيرة في حياتي.نظر الي ثانية وقال:-سأطلق سراح زوجتي. قررت هذا منذ مدة لكن بالأمس عندما غادرت البيت تكلمنا كثيرا, و اتفقنا على كل شيء. سأطلقها و أعطيها مبغا من المال و تعود الى قريتها.-ربما هذا أفضل لك و لها.-سترسلين لي رسائل كثيرة؟-أجل و سأحكي لك أشياء كثيرة.أدخل يده في جيب سرواله و أخرج سلسلة ذهبية:-هذه آية الكرسي, ضعيها حول عنقك حتى تحفظك.قبلت يده و جبهته. ضمني اليه ثانية و ذهب
***************************************************
حق الصورة محفوظ للكناوي
أخذتها حين زيارتي لقبري المرحومتين زوجة أخي ومليكة مستظرف بمقبرة الرحمة بالبيضاء

جراح الروح والجسد ٦


يكفي تمثيلا.لما هذه الدهشة المرتسمة على وجهيكما؟ كأنكما لا تعرفان شيئا. ألم تكونا تعلمان أن لكما أخت قحبة؟صرخت حديجة من خلال دموعها:-أجل قحبة.كنت أريد المال الكثير , الكثير جدا. كنت أريد أن البس كالناس, آكل كالناس. كنت أريد هذه الدنيا بطولها وعرضها. ووالدك كان شحيحا. لو الأمر يعود اليه للبسنا جميعا ثيابا مرقعة.-وزوجك كذلك شحيح. بل أكثر شحا من أبي فكيف تتصرفين؟ هل ما زلت تذهبين لتلك الشقق؟-سأقول لك كل شيء لكي ترتاحي. لم أعد أذهب لتلك الشقق لأن الزبائن أصبحوا يأتون الي في شقتي وزوجي يعلم, انه واجة فقط.أنا أصرف على البيت وأنا من اشترى له محلا تجاريا.شعرت بالدوار. ماذا أسمع؟ هل يعقل هذا؟ نظرت الى كوثر و أمينة أحاول أن أقرأ أثر المفاجأة على وجهيهما. لا أثر. كأن المسألة عادية جدا. أو كأن خديجة ألقت عليهما تحية الصباح.سألتهما:-هل سمعتما؟ هل..قاطعتني خديجة بعد أن مسحت دموعها:-انهما تعرفان كل شيء.و أساعدهما على تحمل أعباء الحياة. كل واحدة تأخذ راتبا شهريا.عرق بارد يلف جسمي.دوار عنيف. جريت الى الحمام.تقيأت كل شيء. يا الهي ! اذا كانت الحياة بهذه القسوة فكيف يكون الجحيم؟ مصيبة لو كان كل شيء يتم بعلم أبي.استجمعت قوايا و قلت:-سيكون شيئا رائعا لو كنت تفعلين ما تفعلين بعلم ابي.-لا تكوني غبية أبي لا يعلم شيئا.-ولماذا لا يعلم؟ يأتيك هو الآخر بزبائنه وتنضم اليك كوثر و أمينة و زوجته و عوض أن أسافر الى فرنسا نفتح شركة لبيع اللحم الرخيص. فنحن قوم لوط.-قولي ما يحلو لك , سأذهب.-قبل أن تذهبي اريد أن أسألك :هل والدتي رحمها الله كانت تعلم بالأمر؟-رحمها الله لم تكن تعلم شيئا, كانت تصدق كل أكاذيبي.تنهدت بارتياح.جلست على كرسي و قلت لهن جميعا:-الآن ازداد اقتناعي بضرورة السفر, لو أستطيع تغيير جلدي و عظامي و حتى هذا الدم الذي يجري في عروقي لما ترددت لحظة واحدة.سأسافر لكنني سأعود لأجل دعاء ابنة الهام,لأجل هذا الطفل الذي سيولد لكي لا ترتكبي جريمة في حقه هو الآخر. قبل أن أنسى من يكون والده؟لم تجبني, خرجت و صفقت الباب وراءها.لم يبق الكثير على سفري. كان لا بد من اواجهه بنفسي .لست في حاجة لوساطة أحد. لم أعد أحتمل الحياة في هذا الوسط الموبوء.جاء أبي نظر الي ثم قال:-ماذا بك؟ كنت تبكين؟-نعم-لماذا؟ ماذا حدث؟ خصومة مع زوجتي؟-لا.-ماذا اذن؟ تكلمي.-أبي ..لا أعرف بماذا أبدأ حديثي.-تكلمي ماذا حدث؟-لقد قررت السفر.-ألم تنسي حكاية الرباط و الصحافة بعد؟-هذه حكاية قديمة , الجديد هو أنني سأسافر الى فرنسا.-يبدو أنك لست في وعيك.-بل لم أكن ف وعيي مثل الآن. كل شيء جاهز: تذكرة السفر, التأشيرة و حتى حقيبتي, لم يتبق سوى موافقتك.-جهزت الجواز و التذكرة و التأشيرة وحتى الحقيبة و أنا هنا في دار غفلون.-كنت أعرف أنك سترفض ففعلت ذلك خلسة.-و تريدين وضعي أمام الأمر الواقع.فيلم هندي هذا أم مصري؟-فيلم مغربي.أرجوك أبي أن توافق لا أريد أن أسافر وأنت غاضب مني.-أتريدين أن تتحديني؟ أن تخرجي عن طوعي؟ افعلي ما بدا لك. لكن لن أدفع لك فرنكا واحدا.-لا أريد نقودا..أريد موافقتك.-و أنا لست وافقا.غدا على الساعة العاشرة صباحا سأسافر.-اذن احملي حقيبتك واخرجي الآن في هذا الليل.-أبي ارجوك لماذا تعقد الأمور؟-أنت من يعقد الأمور. اذا كنت تريدين السفر لأجل الدراسة فالبلد مملوءة جامعات. الا اذا كنت تنوين السفر لأجل شيء لآخر.-شيء آخر مثل ماذا؟-كل الفتيات اللواتي يسافرن للخارج زنديقات.يا الاهي لا يستطيع التفكير أبعد من مؤخرته.-أبي أكررها للمرة الألف: اذا كنت أريد العيش على سجيتي فلست في حاجة للسفر .سأفعل كل ما أريد و أنا هنا بقربك و أنت في دار غفلون.صمت . كان يدرع الغرفة جيئة و وذهابا ثم قال:-كل أخواتك مهديات مرضيا الا أنت.استفزني:أبي لا تكرر على سمعي هذه الجملة ثانية أكرهها.-رائع انك تصرخين في وجهي. طبعا (حطيت عصاتي أصبحت نتضرب بيها). اسمعي احملي حقيبتك و اخرجي الآن لا تنتظري حتى الغد.-لست جادا أبي.-لم أكن جادا كاليوم أبدا. واعتبري أنه لا أب لك.-لماذا كل هذا؟ أليس من حقي السفر؟-هل هذا ما علموكم في المدارس؟ تحدي اهاليكم؟ تحدي أهاليكم؟ تريدين لوي دراعي؟ من السهل علي جدا تمزيق جواز سفرك و كل الأوراق و أقفل عليك البيت لا دراسة ولا هم يحزنون. وأزوجك لأول كلب يطرق الباب. لكنني لن أفعل لأني مللت رؤية وجهك العكر. و الآن أخرجي اذهبي عند أولئك الذين ملأوا رأسك بالكلام الفارغ لبست ملابسي , حملت حقيبتي وصورة أمي لا يمكنني أن أتركها خلفي وحيدة. أخذت سيارة طاكسي و ذهبت الى بيت الهام. فتحت الباب , توقعت أن أجدها كالمعتاد نائمة على سريرها . لم تكن متواجدة. البيت في منتهىالفوضة : علب جعة فارغة , أواني متسخة. رتبت السرير , غسلت الأواني و ناديت دعاء من عند الجارة. أعطيتها قليلا من الحليب والبسكوت. جاءت الجارة و هي تطرقع العلك , سألتها:-ألم تأت الهام؟-لم تأت. لابد أنها نايمة في العسل عند أحدهم. ياريت واحد من أصحاب الدشداشة.أتعرفين لو ذهبت مع واحد من أصحا ب الخليج فستكسب في الليلة ما تكسبه في البار ف ثلاثة أشهر, أيديهم سخية يبعثرون الأموال هنا وهناك. وأكل و شرب و هدايا. هل تعرفين كلثوم بنت حادة؟ لا أنت لا تعرفينها. الهام تعرفها كانت جميلة, ياه! طويلة وعريضة و شعرها أشقر و طويل يصل حتى ما تحت مؤخرتها كشعر الخيل , وبيضاء كالقشدة و لها عينان سبحان من سواها وخلقها. قبل أن تصل سن الرشد والخطاب يقفون على باب بيتهاطوابير. هي لا تشبه أمها ابدا أمها سمراء ممكن أنها تشبه والدها نعن لا نعرفه. ما علينا المهم ان أمها كانت ترفض كل المتقدمين لابنتها, الى أن أتتها خديجة العورة .الا تعرفينها؟ لقد غادرت الحي , هي قوادة. أتتها بواحد من الامارات, لديه سيارة سوداء طولها متران و لديه سائق . يقولون أنه أمير و الله أعلم. كان كبيرا في السن . حوالي الستين. الرجل لا يعيبه الا جيبه, و البنية كلثوم عمرها سبعة عشر سنة رآها الرجل وجنّ عليها. لاتصدقين اذا قلت لك أنه أعطاها في المهر فيلا لا يخرجك منها الا سكرات الموت.الفيلا أكبر من حينا هذا كله. يلزمك سيارة لتنقلك داخل الفيلا.عاشت معه سنتين في الجنة وأخذت معها أمها. و لما مات أخذ اخذ أولاده كل شيء حتى الفيلا التي تسكنها و الحلي التي تملكها باعتها لكي تعالج نفسها من مرض ما.جميعة تقول أنها مصابة بالزهري لكن لا.. لو كانت فعلا مصابة بالزهري لما احتاج الأمر أن تبيع كل هذه الحلي. المسألة أكبر يمكن مصابة بالسيدا. ياه تأخرت الهام كثيرا!(يا الهي متى تصمت هذه المرأة؟).كنت أنظر اليها و أتساءل ان كان هناك زر في مكان ما من جسم المرأة أضغط عليه فتصمت الى الأيد.-ها هي الهام .صرخت المرأة.نظرت جيدا, كانت هي..لكن ثيابها ممزقة, كدمات زرقاء على وجهها شعرها أشعث.أدخلتها الى البيت.ماذا حدث؟ تبعتنا المرأة و أقحمت نفسها و هي تضرب صدرها الممتلئ بيدها و تطرقع العلك. تبحث عن حكاية ترويها لأهل الحي. جلست الهام على حافة السرير و هي تبكي بهيستيريا و حرقة:-أولاد الكلب..يلعن ابوهم..الله ياخذ فيهم الحق.و تنخرط في نوبة بكاء عنيفة. لا أجرؤ على سؤالها.تتولى المرأة سؤالها:-ماذا حدث يا أختي؟تمسح الهام دموعها. أنتبه الى فمها جيدا..لا أثر لبعض الأسنان في فكها السفلي.علامة استفهام كبيرة مرتسمة في رأسي. أشحت بيدي على وجهي كأنني أطرد ذبابة سوداء كريهة. جلست الهام نزعت ملابسها و قالت:-أنظري ..أولاد الزانية ماذا مفعلوا بي؟ أنظري لظهري وفخذي..لا أستطيع الجلوس مؤخرتي تؤلمني.ندوب زرقاء و بنفسجية تملأ ظهرها و كامل جسمها .دماء متجمدة على بعض الجروح. لم أستطع النظر اليها طويلا , لم أستطع الكلام, احتبست الكلمات في حلقي كأنني ابتلعت لساني :-ماذا حدث؟ سألتها المرأة متلهفة لمعرفة كل الأخبار السيئة. ثم أردفت و عيناها تلمعان بلهفة :-هل أمسكوك في الكوميسارية؟ أخذوك للدار الحمراء؟ لا يضرب أحد مثل هذا الضرب الا هناك. لكن لماذا؟-عندما كنت أداوم في البار , انتبهت لشخص يجلس في أحد الأركان لا يرفع عينيه من علي. لم أره من قبل في البار, فنحن هناك نعرف بعضنا البعض .تنخرط في البكاء من جديد ثم تضيف :-ولد ز..الله يوريني فيه يوم , يا ربي أنا أمة تحت سماك أمنيتي أن أراه و الكلاب تمزق لحمه قطعا قطعا و يستغيث و لا من مغيث. لا..لا..أريد أن تسحقه شاحنة الزبال تمحقه أرضا فيختلط لحمه و عظامه مع الأزبال و يسيل دمه مع البالوعات..تنزع تلك المرأة السمينة غطاء رأسها :-الله ياخذ فيك الحق يا ولد الحرام..الله يجعلك مثل ثور الوحل ما ان ترفع قدما حتى تغرق الأخرى ..الله يعطيك..تلتفت الى الهام و تسأل:-ما اسمه حتى أدعي عليه؟-قال اسمه محمد. كان يرتدي بدلة وربطة عنق بالأسود و قميصا أبيض و حذاء أسود يلمع. يحمل مفاتيح كثيرة في يده و شعره ممشوط بعناية يلمع هو الآخر. عندما عرض علي الذهاب معه قلت : و لما لا؟ على القل واحد نظيف بدل هؤلاء الصعاليك الذين يملأون المكان. و ما سآخذه منه سأشتري به حذاء لدعاء و كيلو لحم. ذهبت معه في سيارته المرسيدس البيضاء. لم يكن يتكلم كثيرا, بل لم يكن يتكلم قط. أخذني الى خارج المدينة , لا أعرف أين بالضبط. عندما سألته لم يجبني. اشعل سيجارته و صمت. ساعتها شعرت بالخوف وتمنيت لو أعود. لكن الليل! خفت أن يتركني في الشارع.ليته تركني لكان أرحم. ربما الكلاب الضالة لم تكن لتفعل بي ما فعل بي ابن ال…ذهبنا الى فيلا في طور البناء, الطابق السفلي مكتمل لكن لم يصبغ بعد. أكياس الاسمنت مرمية هنا وهناك و الرمل و المسامير. رفضت ات أنزل جذبني من شعري بعنف و أدخلني الى الداخل , صرخت , قاومت لكن لا من مغيث.الأرض خلاء و الظلمة : تمد ايديك تقطع.أنا ر شمعتين و أمرني أن أنزع ملابسي و عندما رفضت مزقها فوق جسمي و ربطني الى أحد الأعمدة و شرع يمارس علي الجنس بطريقة غريبة. لم يكن وحده , فجأة خرجوا من الظلام كالعفاريت , كالجرذان. كانوا أربعة ربما أكثر, لم أتبين ملامحهم و لن أعرفهم حتى لو التقيتهم ثانية. مارسوا علي كل أنواع التعذيب من اهانة و ضرب و أخذوا نقودي. تصوري ! أتيت من هناك سيدي رحال أظن لست متأكدة.. تصوري من سيدي رحال الى المدينة القديمة.. أحس أنني قطعت نصف الكرة الأرضية على قدمي. أحس أ ن الله يصر اصرارا عجيبا على تعذيبي. و لدت و لا أعرف لي أبا قط, اسم بنت الحرام يلتصق بي كالوشم. خالي و أخي اغتصباني منذ المهد, أمي الوحيدة التي كانت سندي في هذه الديا تموت وتتركني أنا و طفلتي في عالم كله ذئاب و حيوانات و ماذا بعد؟تسكتها المرأة:-استغفري الله المؤمن مصاب.تصرخ الهام في وجهها:-من يدلك على ايماني؟ من قال لك أنني مؤمنة ؟ جبهتي لا تلامس الأرض الا اذا انكفأت على وجهي من شدة السكر. الصوم أجوع فقط كالآخري. تركت لكم الايمان و كل شيء فقط أريد أن أرتاح. أن أضع رأسي على الوسادة و أنام. لقد حملت الهم مبركرا.تقف المرأة و تستأذن لكي تنصرف:-سأذهب الله معك.

جراح الروح والجسد ٥



كان لا بد أن اعرف لماذا انتحر “قدور” ؟ ما هو السبب الخطير الذي جعله ينتحر؟ انه جبان نتن. لانتحر الا الجبناء. علمت بعد ذلك بخبر قدور زوجته “النصرانية” كان اسمها جوزيان , أتت للمغرب لتصفية كل الأمور المادية في المغرب و العودة الى فرنسا. لم أكن أملك رقم هاتفها لذلك ذهبت اليها مباشرة. قرعت الجرس فتحت لي الباب. تغيرت كثيرا, سبق لي أن رأيتها مرتين. كانت أردافها ممتلئة. أما التي أرى أمامي فهي هيكل عظمي متحرك.يبدو أنها لم تتعرف علي قلت لها:-أنا قريبة “قدور”.تغيرت ملامحها , بدت ممتعضة:-ماذا تريدين؟أحسست بالحرج . ماذا أقول لها؟-علمت أنك هنا و أردت فقط أن ..صمتت قليلا, لم أعرف ماذا أقول في الحقيقة. بدت متضايقة ثم قالت:-تفضلي بالدخول.دخلت. البيت أنيق جدا , مؤثت على الطريقة المغربية. كيف أبدأ حديثي معها؟ علي اللعنة لماذا اتيت؟ فلينتحر أو فليذهب الى الجحيم ما شأني به؟قطعت الصمت بجملتها؟-تودين معرفة لماذا انتحر “قدور” أليس كذلك؟-نعم اذا كان ذلك ممكنا.-في نظرك لماذا انتحر؟شعرت بالحرج:-لا أدري. لو كانت لدي أدنى فكرة لما أتيت لأسألك.أشعلت سيجارتها , تنهدت ثم نادت بأعلى صوتها:-زهرة , تعالي حبيبتي.و أتت زهرة طفلة شقراء في حوالي الخامسة من عمرها . ربما اكبر قليلا, جميلة جدا لا يملك المرء الا أن يحبها. أجلستها والدتها على ركبتيها و قالت لها:-احك للآنسة ماذا كان يفعل معك بابا؟بكل عفوية وبراءة اخذت تحكي:-عندما كانت تذهب ماما للعمل يأخذني بابا , ينزع ملابسي كلها ويقبل جسمي وبعدها ينزع بنطلونه ويخرج شيئه ويضعه في مؤخرتي. كنت احس بالألم لكنه كان يقول لي لو اخبرت أي أحد سألاميك في الغابة و تأكل الذئاب جسمك.شعرت بالأرض تميد بي, عرق بارد يلف جسمي.-اذهبي الان يا زهرة .سأكمل لك الحكاية:في يوما ما وجدت حرارتها مرتفعة اخذتها الى الطبيب, عندما فحصها وجد تعفنا في جهازها التناسلي وبكارتها مفتضة, شككت في كل الناس, في مدرسها في حارس الفيلا في الجيران الا في قدورقرر الطبيب ابلاغ الشرطة استمهلته حتى أعرف منها بنفسي وكانت الصاعقة قالت: أبيهل يعقل هذا؟ لا أستطيع أن اعبر بالكلمات, جربت كالمجنونة الى البي لأكتشف أن زهرة لم تكن وحدها الضحية : فاطمة ويوسف أولادي الآخرين.هل تصدقين هذا؟ هل هناك من يفعل بأولاده هذا؟ هذه الأشياء كنت أقول أنها تحدث للاخرين فقط.نسمع عنها في الأخبار و الجرائد , لكن أنتقع عندنا؟ لا . عندما علم أن خبر جريمته انكشف انتحر. كنت أود لو أقتله بيدي, لديه أموال كثيرة كان من الممكن أن يذهب الى أية ساقطة ويفرغ مكبوتاته الحيوانية, لكن أن يفعل هذا بأولاده أية وحشية هذه؟صمتت قليلا لتلتقط أنفاسها و أشعلت سيجارة أخرى و قالت:- أولادي الآن يعالجون في مصحة نفسية, سأكون جمعية تعنى بضحايا الاعتداء الجنسي ,يجب ان نحمي أطفالنا من أمثال هؤلاء.لم أعرف ماذا أقول لها؟ أحسست برغبة عنيفة في البكاء عّل دموعي تخفف عني. وددت لو أصرخ بأعلي صوتي فارتدت الصرهة في جوفي.ماتت الصرخة قبل أن تولد.أجهشت بالبكاء , نظرت الي جوزيان نظرات غريبة قلت لها:-أجل أنا كذلك عانيت مثل زهرة وفاطمة ويوسف.قدور حطمني أفسد حياتي.لم يكن وحده البقال و الرجل الأسود.-ابك ,هذا جيد لا تتركي هذه الأشياء تعكر عليك حياتك.عندما نبكي و نتكلم نرتاح.لكن لماذا لم تخبري أهلك والشرطة؟-لأننا نخاف الفضيحة.الناس لن ترحمني ستصبح سيرتي علكة تلوكها الأفواه الكريهة.ضربوني وقالوا: أصمتي.فصمتت.أنتم هناك لا تخافون شيئا.هنا نرضع الخوف و القمع من ثدي أمهاتنا.-فهمت.لكن ما رأيك أن تتغلبي على خوفك و تأتي معي الى فرنسا؟-ماذا أفعل هناك؟-ساعديني على انشاء الجمعية.اجعلي من تجربتك درسا للآخرين, ساعديهم على تجاوز أزماتهم و عندما تنجح التجربة هناك هنا,تكونين المسؤولة عنه.-ستنجحين هناك في بلدك, لكن هنا أشك.أؤكد لك ستجدين هنا في أغلب البيوت حكاية مثل هذه و أفظع.أشياء لا تتصورها العقول ,لكن لا أحد يتكلم .هذه مواضيع مسكوت عنها.-الى متى ستظل أمور كهذه تحت الغطاء؟-لأننا اذا عريناها ستطفو روائح كريهة على السطح.روائح فضائح تزكم الأنوف. حكايات اعتداءات داخل الادارات , في المستشفيات, في البيوت, في الشارع, حتى في الحافلات. يقول المثل المغربي : نبش تجبد حنش. والحنش أفعى كلما قطعت رأسها نبت لها ألف رأس و رأس.عو دي الى بلدك و افعلي ما بدا لك,لكن اتركينا هنا نأكل و نتغوط وننام كالدواب و نغرس رؤوسنا في الرمل كالنعام.-أنتم جبناء . قالتها بعصبية.-قولي ما بدا لك , أجل نحن جبناء.-سأكرر ثانية : تعالي معي الى فرنسا.-أنا لم أستطع السفر الى الرباط لدراسة الصحافة فكيف سيتركوني أسافر الى آخر الدنيا؟-فرنسا ليست آخر الدنيا.-كل مكان خارج البيضاء بالنسبة لهم آخر الدنيا.قطبت ما بين حاجبيها ثم قالت :-هم؟ من؟-هم؟ أهلي ..أبي.-بنازير بوتو عندما كانت في مثل عمرك قلبت بلدا باكمله وأنت مازلت تقولين أبي.-بنازي بوتو لم يكن لها أب مثل أبي.-كل هذه الأعذار واهية. اذا كانت لديك ارادة قوية و عزيمة وكنت تؤمنين بقضيتك , ستقفين في وجه الشيطان.-في وجه الشيطان نعم, لكن في وجه أبي لا.-هل والدك غول خرافي؟ هذا الخوف بداخلكانت فقط, جربي أن تتحديه , أن تقفي في وجهه و تثوري.ماذا سيحدث في أسوأ الأحوال؟ سيطردك؟ فليفعل بيتي مفتوح لك. و يوما سيفتخر بك. الفرصة تطرق بابنا مرة واحدة و أنا أمنحك اياها.تعالي معي, ساعديني على تأسيس الجمعية , حققي حلمك بأن تصبحي صحفية , تحرري من هذه الأغلال و الأصفاد التي تكبلك .ستجدينني دائما رهن اشارتك .حانت مني التفاتة, رأيت زهرة منزوية في ركن الغرفة تلعب بدميتها, تذكرت طفولتي : الرجل الأسود, بقال الحي, قدور القدر, الحرق في فخدي ,المرحاض المظلم, دعاء ابنة الهام, لو أستطيع أن آخذها بعيدا و تكون ابنتي ! نظرت ثانية لزهرة, آه ! كيف لك أن تنسي أيتها الطفلة؟ أستطيع أن أحس بكل ما تعانين.تذكرت جملة أبي: يريد أن يأتي بأبنائه الى المغرب لكي يربيهم على مبادئ الاسلام. كان يريد أن يهرب بجريمته الى هنا. كان يعلم أن أمره سينكشف يوما ما . أي مبررات سيقدمها علماء النفس لشخص مثل هذا؟نظرت لجوزيان وقلت لها:-لست جبانة سأصرخ و سأكسر هذا الصمت و سأتقيأ كل ما ظل مختزنا في جوفي طوالا هذه السنين , سترين و ستسمعين , أعدك.ذهبت الى البيت, لم أخبر احدا بشيء , اتصلت بي الهام كانت فرحة قالت لي:-ذهبت الى الجامعة لأرى نتيجة امتحانك, لقد نجحت مبروك .لم أكن فرحة و لم أكن حزينة:-أشكرك قلتها بكل اقتضاب-ماذا بك؟-لاشيء متعبة.-لقد اتصل بي نجيب يريد أن يراك غدا على الساعة الثالثة بعد الزوال.-حسنا انها فرصة لكي أقطع علاقتي به.-هل أنت جادة؟ لا تفعلي أرجوك-بل سأفعل .سأختلق أي عذر لأنهي علاقتي به.وضعت سماعة الهاتف, و أخذت أفكر في كلام جوزيان.صمت ثقيل يلف المكان, كان ينقر المائدة بأصابع يده نقرات رتيبة تزيد من احساسي بالملل. كنت أرتشف قهوتي رشفات سريعة أريد أن أنهيها بنفس السرعة التي أود أن أنهي بها حكايتي مع نجيب.سألني بصوته الأجش:-ما هو هذا الشيء المهم الذي تفكرين به و يجعلك منشغلة عني؟-علاقتنا اليست شيئا مهما يستوجب النقاش و التفكير؟-ما الذي جد في علاقتنا يستوجب النقاشابتسمت في مرارة:-المشكلة أنه لم يجد أي شيء منذ التقينا. لا تقاطعني أرجوك.أتمنى لمرة واحدة أن أتكلم و أقول ما عندي. عندما عرفتك تمنيت لو أعيش معك ما لم أعشه من قبل: نخرج, نضحك, نمرحو نذهب سويا الى البحر, الى اماكن لم أذهب اليها من قبل.أن أحدثك كأنني أتكلم مع نفسي بصوت مرتفع ,أن لا تكون حواجز بيننا.كنت أتمنى عندما نلتقي نرمي هموم البيت و الدراسة والعمل وراء ظهورنا و لو لنصف ساعة, نضحك من قلبينا.لكن كنت أهرب من المشاكل لأجدك تحدثني عنها…عمل , عمل نفس الكلام لا يتعير أبدا.هربت من الملل فجعلت حياتي أكثر مللا وضجرا. كنت اتمنى عندما أذهب للقياك أذهب بفرح نقي تسبقني أحلامي الوردية و يدق قلبي شوقا لكن كنت أذهب اليك و كأنه واجب اداري ثقيل على نفسي.جذب نفسا عميقا من سيجارته ثم قال بثباته المعهود:-و ماذا أيضا؟صرخت فيه:-أتعرف ؟ في البداية كنت معجبة بثباتك ووقارك.الآن بتّ أكره هذه الرزانة. لايمكنني أن أعيش رزينة أربعا وعشرين ساعة في اليوم سبعة أيام في الأسبوع.أريدك أن تخلع ربطة عنقك هذه و تلبس لباسا رياضيا, نتمشى على البحر , ناكل جلاص , لم تمتدح مرة واحدة تسريحة شعري, لم تبد أبدا اعجابك بفستاني أ و عطري. قد تكون هذه الأشياء تافهة بالنسبة لك لكنها مهمة بالنسبة لي.أطفأ سيجارته بعصبية :-هل أترك عملي و مشاكلي لأجري وراءك على شاطئ البحر؟كنت على وشك الانفجار:-عمل ..عمل ..عمل فليذهب عملك الى الجحيم.أشعل سيجارة أخرى و عاد يقول بنفس العصبية:-فليذهب عملي الى الجحيم, طبعا لأنك لن تخسري شيئا , لم تتعبي كما تعبت لم تذوقي المر كما ذقته. ما وصلت اليه الآن بنيته بتعب السنين و لست على استعداد أن أضيعه من أجل امرأة …-تافهة؟ أليس كذلك؟-اسمعي لماذا لا تذهبين معي الى البيت؟ لن تندمي أبدا.-لدي حل أفضل.لماذا لا نفترق؟-ماذا تقصدين؟ اسمعي لا تفسدي كل شيء . انك تعجبينني و أنا لا أحسن فن الغزل و كل هذا الكلام الجميل و المنمق.اصبري قليلا معي من يدري ؟ قد نتزوج.ضحكت باستهزاء:-هل تظنني مراهقة غريرة؟ ما ان تعدني بالزواج أرتمي في أحضانك؟أقول لك شيئا؟ أحلامي أبدا لا يدخل في ضمنها الزواج.أريد أن تكون لي طفلة نعم لكن لا أريد زوجا,تبدو الفكرة غريبة وغير مقبولة لكن هذ ا كان دائما حلمي.بدا ساهما ثم قال:-لم أسمع عن امرأة ترفض الزواج.-و ها أنت قد سمعت عنها.-هذا ضد الكبيعة الا اذا كنت…سكت ثم ابتسم في خبث. قلت ببرود و أنا أنقر المائدة:-الا اذا كنت ماذا؟ سحاقية مثلا؟ لو كنت كذلك لما همني الأمر و لقلتها على الملأ و لتذهب أنت و الجميع الى جهنم. كل ما في الأمر أن لدي أسبابي الخاصة تجعلني أكره الرجال. سمني معقدة ان شئت.-اذا لماذا دخلت في علاقة معي؟-لا أدري تجربة كباقي التجارب.-تقصدين تسلية كباقي التسليات. كنت تتسلين بي؟بدا منفعلا ثم أكمل:-أنت فعلا معقدة و أقترح عليك زيارة طبيب نفساني.-أشكرك على النصيحة. ما رأيك لو تعطيني عنوان الطبيب النفساني الذي يعالجك؟-لو لم نكن في الشارع لقتلتك.-أنت لن تستطيع قتلي.يمكنك أن تقتل الأطفال أو العجائز هناك في احدى القرى النائية في بلدك الجزائر .لكن هنا لا.جرب و اقسم لك سترى بعد ذلك أياما أسود من شعر رأسك.ابتلع غضبه,أصلح ربطة عنقه ثم وقف .ناديته:-نجيب, لماذا لا نفترق بطريقة حضارية؟ أنا لا أريدك ليس لأنك شخص سيء. بالعكس أنت طيب جدا.لكن هناك أشياء تمنعني من اقامة علاقة جنسية بالتحديد مع أي رجل.لا تسألني عن هذه الأسبا ب أرجوك. لماذا لا تمد يدلك لمصافحتي؟-أنت فعلا غريبة.صافحني تعمد أن تظل يدي في يده .سحبتها في رفق وودعته.جهزت جواز سفري خلسة.لم يعلم أحد بالأمر حتى الهام لم أقل لها شيئا.ضممت الجواز لصدري.بعدها أرسلت لي جوزيان كل الأوراق اللآومة للحاق بها. بعت سلسلتين ذهبيتين و حجزت تذكرة سفر الى فرنسا.حتى حقيبتي جهزتها .لكن كيف سأقنع أبي بالسفر؟ فكرت بالاتصال بشقيقاتي لكي يقنعن أبي بالفكرة.دخلت خديجة بطنها ممتدة أمامها كقنبلة موقوتة ستنفجر في أية لحظة. تبعتها كوثر ثم أمينة.جاءت زوجة أبي, نظرت اليها نظرة ذات مغزى فصعدت الىالطابق الثاني و تركتنا وحدنا. لم نجتمع من زمن طويل على صينية شاي. و نحكي همومنا و أحلامنا. كنت أحس بالغربة معهن .آلاف من المسافات الضوئية تفصل بيننا. في بعض الاحيان لا يكون المرء في حاجة للسفر بعيدا لكي يحس بالغربة , يمكننا أن نحس بها و نحن بين أهلنا و في بلدنا. كيف أبدأ حديثي معهن؟-سأدخل في الموضوع مباشرة دون مقدمات لأو مؤخرات.قالت خديجة :-أعرف لماذا جمعتنا اليوم. الحكاية فيها عريس اليس كذلك؟شعرت بالغيظ. دائما تحاول الظهور بمظهر العالمة العارفة بكل شيء.-الحكاية أبعد ما تكون عن الزواج.-اذن ما هو هذا الأمر المهم الذي استدعيتنا لأجله؟-لو تصمتين فقط و تسمعين؟وضعت يدها على فمها بتأفف.-هكذا أفضل.صمتّ لحظة استجمعت قوايا وقلت:-سأسافر الى فرنسا.وقفت أمينة :-وهل وافق أبي؟-لهذا جمعتكن, لكي تقنعنه بضرورة سفري.نهضت خديجة بعصبية وقالت:-أنا لست موافقة على سفرك.-لماذا؟-لست موافقة و كفى.-أنت ترفضين لمجرد الرفض ليس الا. ثم أنا لا أستشيرك فقرار سفري اتخذته منذ زمن و سأسافر أنا أقول هذا من باب العلم بالشيء فقط.بهدوء سألت كوثر:-لماذا قررت السفر؟ ألن تكملي دراسة الحقوق؟نظرت خديجة بغباء و سألتني:-هل تدرسين الحقوق؟ضحكت بمرارة:-رائع! حتى أنك لا تعرفين ماذا أدرس.أضافت أمينة:-احصلي على الاجازة وبعدها لها رب مدبر حكيم.قلت باصرا:-بل سأسافر و الآن.-اذن سافري .ما شأننا بالأمر؟ قالت خديجة بلا مبالاة.-شأنك أنك أختي و أنا أتحدث معك لكي تساعديني على اقناع أبي.-الا أبي- أنت تعرفين لسان أبي و عصبيته و أنا حامل و لن أتحمل كلامه.-و أنتما؟طأطأتا رأسيهما علامة علىالتملص و الرفض.أحسست بعصة في حلقي. فتحت باب الغرفة و قلت:-يمكنكن الانصراف.وقفت خديجة اضعة يدها على بطنها:-هل تطرديننا؟ انه بيت أبي , ندخله و نخرج منه متى أردنا.-هل من الضروري أن يسمع العالم صراخنا و خصامنا كلما التقينا؟ ابقي أو انصرفي هذا أمر يخصك.-هذا البيت بنيته بعرقي و جهدي ب…استفزتني, نكأت جراحي:-بنيته بعرقك و جهدك؟ حسب علمي لم تكوني موظفة .بل لم تدرسي أبدا.فعن أي جهد و عرق تتكلمين بالضبط؟اصفر وجهها.صمتت و اخذت تبكي .شلالات من الدموع كعادتها:-نسيت؟ منذ ولدت و انا كنت لك أما . أشتري لك الملابس, الدوية , الطباء..كم أنفقت عليك أنت بالضبط.-لا لم أنس ابدا.كما لم أنس كم تركتني في الحديقة وحدي , و كم أخذتني الى تلك الشقة المتعفنة و شقق أخرى كثيرة.تقفلين علي الباب و تنصرفين لمجونك. و لم أنس كذلك ضربك لي و اهاناتك المتكررة و سجني داخل المرحاض المظلم المملوء صراصير فئران وعفاريت.كيف لي أن انسى كل هذا؟ أنت لم تكوني أما لي أبدا, كنت جلادي لسنوات وأشفق على هذا الطفل القادم لن تستطيعي أن تكوني أما له.أخذت أمينة تنظر لكوثر بذهول .صرخت فيهما

07 مارس 2007

جـراح الروح والجسـد٤


ذات يوم بعدما تناول أبي غذاءه ناداني . لم يكن ينظر الي . كان يبدو شاردا . بسمل و حوقل وبعدها قال : كم عمرك ؟انه يمهد لشيء ما . أكره المقدمات , لماذا لا يدخل في الموضوع مباشرة؟ عشرون سنة.- عشرون سنة. عندما كانت والدتك في مثل عمرك كان لي منها ثلاثة أواربعة أطفال .مانهاية هذا الموشح ؟- لقد تزوجت جميع شقيقاتك و لم يبق سواك . حتى شقيقتك الصغرى تزوجت . أنا كبرت , تجاوزت الستين و لن أعيش لك العمر كله , يجب أن أطمئن عليك .أشم رائحة عريس في الموضوع !!- توصلت برسالة من باريس من " قدور" هل تعرفينه ؟ أقصد هل تذكرينه؟مجرد ذكر اسمه يبعث على القيء . لكن ما علاقةهذه الأشياء ببعضها ؟ - اني اسألك , هل تذكرينه ؟- أتذكره . قلتها وكانني ابلع ضفدعا .كيف لا أذكره ؟ رائحته العفنة ملتصقة بجلدي حتى العظم , صورته موشومة بين عيني . " قدور القذر" هل هناك من ينسى جلاده ؟ أكمل أبي :- انه ابن أصول ولد دارهم , رجل من ظهر رجل , تربيتي أنا . أنا زرعت فيه الرجولة . أرسل لي رسالة لا داعي أن تقرئيها . انه ينوي تطليق زوجته النصرانية و سيأخذ أولاده منها بالقوة بالقانون بحد السيف لا يهم . سيأتي بهم الى هنا . لديه بنتان وولد واحد . يريدهم أن يتربوا على الأخلاق والقيم . لا يريدهم أن يتبعوا دين والدتهم النصرانية. أنت لست غبية انك تعرفين كيف يعيش أولئك القوم , منحلين عليهم اللعنة . هواخطأ حين تزوجها لكن لا يهم سيصلح خطأه ويأتي الى هنا و يتزوجك ...لم أعد أسمع شيئا. طبول عنيفة تدق في رأسي. أسرعت الى الحمام أحسست بأحشائي تكاد تخرج من فمي . قدور يا ابن الكلب , أية لعبة قذرة تلعبها ؟ يا ابن الزانية ألا يكفي ما فعلته أثناء الطفولة ؟ هل أعجبتك لعبة الجلاد والضحية ؟ هل تنتقم من أحد ما أو من شيء ما في شخصي الضعيف ؟ ؟ - لا الا قدور.- ماذا به قدور؟ لديه عمارة من خمس طوابق هنا بالمغرب و رصيد ضخم في البنك و سيارة .. و..و..- أريد اتمام دراستي .- وهل قلت لك انقطعي عن الدراسة ؟ أدرسي و تزوجي.دخلت غرفتي , أقفلت علي الباب . يريدني أن أتزوج العمارة والرصيد . انه يفكر بمؤخرته . ليلا عندما نمت رأيته في منامي " قدور القذر" يرتدي ملابس العرس : الحناء , النكافات , الزغاريد و غرفة متواضعة هي نفس الغرفة التي كان يسكن فيها في بيتنا . يحملني لكنني في الحلم كنت طفلة بظفيرة . يقفل فمي و يخرج قضيبه .. استفقت من الكابوس . أنرت المصباح , نظرت جيدا حولي لأتأكد أني في غرفتي وان ما حدث مجرد كابوس .صباحا حملت كتبي و ذهبت عند إلهام .فتحت الباب و دخلت فوجدتها نائمة وبجانبها شخص ما . زجاجات بيرة فارغة , أعقاب سجائر . جلست في المطبخ وحدي . أقفلت علي الباب , أعددت قهوة سوداء وسيجارة . ان موضوع الأمس يسيطر على تفكيري . جاءت إلهام .. بدت مرهقة, أشعلت سيجارة و ظلت واقفة . لا يوجد كرسي آخر:- ماذا بك ؟ أتيت مبكرة .- لاشيء متعبة . أتيت لأرتاح .- تشاجرت مع زوجة ابيك ؟صمتت قليلا وقلت لها :- هل تذكرين " قدور" الذي كلمتك عنه ؟قطبت ما بين حاجبيها و حاولت أن تتذكر ثم قالت : - آه ذاك الذي كان ..قاطعتها : - نعم . وحكيت لها الحكاية . - لو كنت مكاني ماذا كنت ستفعلين ؟سحبت نفسا عميقا من سيجارتها ثم قالت : - أتزوجه .فغرت فمي دهشة:- ماذا ؟- أجل أتزوجه وفي ليلة العرس أسكب له منوما في كأسه وعندما ينام أقطع قضيبه واعلقه حول عنقه . هل يموت الرجل اذا ما قطع قضيبه ؟- لا ادري . سمعت والدتي تقول أن روح الرجل في قضيبه . سيموت أظن ذلك .- اذن لا . ما رأيك لو تتزوجيه و تمثلين عليه الحب و بعدها تعطيه " التوكال " أنا أعرف فقيه سوسي " ضربته ما تنوض ربيع " يعطيك وصفة سحرية يأكلها زوجك .. ويبقى طريح الفراش لا هو بميت .. ولا هو حي يتساقط شعره و ينحل جسمه . يموت ببطء و تتلذذين بتعذيبه .- أرجوك أصمتي .- اسمعي أنا أمزح فقط . لكن الجد هو ما سأقوله لك الآن . لم تعودي طفلة بجديلتين وجونلة قصيرة , يضع يده على فمك ويصفعك فتصمتين و تذعنين له . لقد صرت امرأة و رأيت الكثير و تعرفين الكثير . حان الوقت لكي تقولي " لا " . حان الوقت لكي تثوري . اتركي هذه المسكنة والضعف والخوف . اننا نعيش مرة واحدة فقط فمن الجرم أن نعيش هذه الحياة في عذاب . الحياة مازالت أمامك قفي في وجه والدك وقولي له " لا " حتى لواضطرك الأمر أن تقولي له كل شيء . يقول المثل" كبرها تصغار" .رجعت الى البيت في الظهيرة . لم يحس أحد بدخولي . زوجة أبي كما العادة تتحدث على الهاتف :- لقد رفضت الزواج , على ما يبدو ستظل العمر كله كاتمة أنفاسي .- ... .... ...؟؟؟!!!- هذا مؤكد لا بد أن سرا في الأمر.- .... ..... ؟؟؟!!!- معيوبة ؟ كيف ؟- ... ....؟؟؟!!!- و من يدري؟ فطوال النهار وهي خارج البيت , تدعي أنها في الكلية . بنت الكلية و ما أدراك ما بنات الكلية . طبعا فهن يحبلن ويسقطن أنفسهن بنفس السهولة التي يقلعن بها ضرسا مريضا.أحسست رأسي تغلي كالمرجل . أمسكتها من شعرها من الخلف و عضضت كتفها :- ماذا بهن بنات الكلية ياابنة القحبة ؟ يسقطن أنفسهن ؟ وانت كم مرة أسقطت نفسك ؟ هل تظنيني غبية ؟ رائحتك الكريهة قبل الزواج وبعده تزكم الأنوف . هناك في دوار " اولاد مصباح " ألم تحبلي سفاحا مع راعي غنم ؟ واسقطت نفسك و لولا الرشوة والمحسوبية لكنت دخلت السجن . تكلمي لماذا احمر وجهك ؟ عجبا يا اولاد القحاب ان وجوهكم لازالت تحمر خجلا . و بعد الزواج .. ألم تخوني أبي مع الجميع ؟ حتى مع بائع الأواني المتجول ؟ لقد رأيتكما . هل تذكرين ؟ رفع سرواله واختفى . و عندما ذهب أبي الى الحج اختفيت أنت الأخرى ولم تأت الا قبل مجيئه بيومين . ادعيت أنك كنت عند أهلك بدوار " اولاد مصباح " في حين أنك كنت عند قوادة في درب السلطان . الأخبار السيئة هي التي تصل . أما الجيدة لا تهم أحداَ. الناس يهتمون بأخبار الفضائح فقط . وانا وصلتني كل الأخبار . لقد علموني أن أبتلع لساني واصمت . حاولت أن أجد لك كل الأعذار : أبي تجاوز الستين , مصاب بالسكري والقلب ولا أدري ماذا كذلك . وانت انثى في عنفوان شبابك . أرى واصمت . أنا طيبة نعم لكن تتجاوزي حدك معي لا . واذا حاولت أن تلعبي معي لعبة قذرة ستخسرين كثيرا. أصبح وجهها أزرق بفعل الرعب . فلتزرق أو تخضر . من يومها و هي تتحاشاني . لم تعد تتدخل بشؤوني . لكنني كنت حذرة لا آكل أكلها ولا اشرب شربها ولا أنام .. حتى أفتش فوق و تحت السرير و بين ثنايا الوسادة عن " حجاب " ما قد تضعه لي . كنت أعيش في قلق دائم .في يوم ما كنت عند إلهام .. أحتسي قهوتي السوداء وهي تدخن بشراهة وتشرب الويسكي سألتها :- لماذا سلكت هذا الطريق ؟- أي طريق ؟ ضحكت بعصبية ثم صمتت و سحبت نفسا من سيجارتها :- هل تقصدين لماذا أصبحت قحبة ؟شعرت بالحرج فاكملت حديثها : - لماذا لا تسمون الأشياء بأسمائها و تتكلمون بصراحة ؟ لا افهم . - لاأريد أن أحرجك هذا كل ما في الأمر.- اذا كنت أنا لا اشعر بالحرج .. فلماذا تحرجين أنت ؟ اسمعي أنا تجاوزت كل هذه الأشياء : الحشومة.. العيب وكل هذه الأشياء التي تبعث على التغوط . خذي حريتك في الحديث معي لا موانع ولاهم يحزنون .صمتت . كانت تتكلم بعصبية و بعد قليل قالت : - لماذا أصبحت قحبة ؟ وماذا كنت تنتظرين من واحدة ربتها قحبة وانجبتها من الحرام ؟ هل كنت تظنين أنني سأصبح وزيرة ؟ القحبة تنجب قحبة مثلها. والدتي تدبرت أمرها و سجلتني في الحالة المدنية . كل شيء ممكن في هذا البلد " ادهن السير يسير " . التحقت بالمدرسة حتى السنة الثالثة اعدادي لكن عندما ظهرت علي آثار الحمل تركت الدراسة . لم أكن حاملا بابنتي دعاء لا . قبلها حبلت بطفلة أخرى وساعدتني والدتي على اسقاط الجنين .- ياالهي حياتك مليئة ب .- اكملي , بالفضائح ؟ لما ذا بترت جملتك ؟ سأحكي لك الفضيحة الكبرى ستكونين الوحيدة التي تعلم بعد والدتي طبعا والله هذا اذا كان موجودا .- استغفري الله انه موجود .- دعيه وشأنه فهو ليس موضوع حديثا اليوم . اسمعي هذه الحكاية : هل تظنين نفسك الوحيدة التي اغتصبت في الطفولة ؟ انك واهمة ان حكايتك لا شيء بجانب الحكايات الأخرى .. ستجدين داخل كل بيت حكاية يندى لها جبين الشيطان و سأعطيك مثالا بسيطا على ذلك : أنا . هل تعرفين من كان يغتصبني في الطفولة ؟ خالي واخي . لا تفتحي عينيك دهشة. انتظري حتى اكمل . كانا يتناوبان علي : يخرج خالي و يدخل أخي الأكبر والوحيد . كنت حينها في الرابعة ربما اغتصباني وانا ما زلت رضيعة في المهد من يدري ؟ أنا الأخرى لم أقل لوالدتي شيئا لأنها لم تكن موجودة بكل بساطة.يا إما في " البار" أو سكرانة . نادرا ما كنت أراها في وعيها . عندما وصل سني ثلاثة عشرة سنة حبلت و عندما علمت أمي بالأمر طردت خالي واخي ومن يومها لم أرهما . سمعت أن اخي " حرك للطليان " , خالي لا أدري ماذا حدث له . ثم أسقطتني . والدتي بارعة في مثل هذه الأمور. من يومها تركت المدرسة . كل شيء كان مهيئا لي لكي أنحرف . ما رأيك بهذه الحكاية ؟ أليست مقرفة ؟ تعالي معي الى البار حيث أعمل .. وستشبعين من هذه الحكايات . عندما نسكر نقول كل شيء .. دون خوف. أنتم أقصد أنت و كل المعقدين مثلك تخفون هذه الأشياء .. وتخجلون منها.- وبماذا ينفع الكلام ؟ يجب أن يكون هناك حل . البنية التحتية لهذا المجتمع ..أسكتتني باشارة من يدها :- لاأفهم في البنية التحتية والفوقية وكل هذا الكلام الضخم والفارغ . أنا عقلي على قدي . اسمعي هل تاتين معي الى البار ؟- لا أعرف ..- انك لا تعرفين شيئا البتة : قولي نعم أولا .- التجربة مثيرة ومغرية و مخيفة .- مخيفة ؟ ما المخيف فيها ؟ و ما المثير ؟ .. لا أفهم . انك لا زلت تفتحين فمك دهشة أمام أتفه الأشياء. " بار " , " كمطعم " , " كمقهى " . هل تشعرين بالخوف اذا دخلت مقهى ؟- لا.. لكن , لا أدري .ابتسمت الهام في اشفاق :- تعالي و سترين أن الأمر عادي جادا .كانت و جهتنا بار " كاليفورنيا " . دخان كثيف يلف المكان , روائح غريبة . ما ان دخلت الهام حتى هلت عليها التحيات والترحيبات . قالت لي :- اجلسي هنا , من هذا المكان سترين كل شيء , سأتركك الآن واذهب لعملي .ذهبت و تركتني . دخان , دخان , قهقهات , كلمات نابية .. و لمحتها , كان وجهها طفوليا كأنها طفلة مشاغبة غافلت أمها و سرقت مساحيقها ووضعتها على وجهها الأسمر الجميل . كان شعرها .......... جدائل صغيرة و كثيرة تصل حد الكتفين . لم تكن تسجن نهديها بحاملة الصدر بل تتركهما حرتين تظهر حلمتاها السمراوان من تحت قميص أبيض ضيق , و ترتدي سروال جينز ممزقا من الركبتين . لم تكن تكف عن قضم أظافرها في انتظار سيجارة تأتيها من احد رواد البار . أحست بنظراتي مسلطة عليها فأتت ناحيتي و سألتني :- عود ثقاب- لا أدخن .- مستجدة في الميدان أليس كذلك ؟قلت بسرعة كأنني أحاول دفع تهمة عني :- لا .. لا أتيت مع الهام فقط . أردت أن أرى هذا العالم .ابتسمت متهكمة :- هذه هي البداية دائما : الفضول . ندخن أول سيجارة على سبيل التجربة , نشرب أول جرعة من الخمر على سبيل التجربة , نفتح الفخذين أول مرة على سبيل التجربة ولا نستفيق حتى يكون الأوان قد فات .- لقد فهمت خطأ .- بل أفهمك جيدا . اسمعي يبدو انك في البداية افلتي بجلدك , الداخل هنا مفقود والخارج لا ..لا يخرج من هنا أحد. انها كماشة , لعنة . حتى اذا نويت التوبة و قبلها الله فلنيقبلها البشر . اذا كانت هذه هي البداية و كنت مصممة على الاستمرار فأنصحك أن تفعلي ذلك على أعلى مستوى, اذهبي الى أكادير شقيقتي هناك يمن أن اعطيك عنوانها . في اكادير يوجد الخليجيون بكثرة والألمان . انهم يدفعون بسخاء أكثر مما تتصورين , يمكن أن يصبح لك شقة و سيارة ورصيد في البنك. ذهبت الى أكادير لكن الخليجيين لا تعجبهم السمراوات النحيفات يفضلون البيضاوات السمينات . اذهبي هناك و جربي حظك . قلت بعصبية :- أنا طالبة جامعية و بنت ناسنظرت الي بعنف :- وهل نحن بنات كلاب ؟ كلنا أولاد ناسكنت أبحث عن إلهام بعيني حتى تنقذني من هذه الورطة. احسست أنني لا استطيع التفاهم معها. كانه بيني و بينها سور حجري ضخم .- لماذا لا تتكلمين ؟ لماذا صمتت ؟يالهي بماذا أجيبها؟- أقصد أنني طالبة جامعية واتيت فقط ل ..و ضحكت ملء فمها . كانت اسنانها بيضاء يتخللها بعض التسوس واشارت الى أحد الموائد المتواجدة في احدى الزوايا- ذاك الجالس هناك , طالب جامعي يدرس الاعلاميات , يمارس اللواط مع العجائز المغاربة والأجانب . تلك الجالسة مع رجلين هناك انها تدرس في مدرسة المعلمين ." كتدبر على راسها " جاءت من " واد زم" .فغرت فمي دهشة .- انها لا تأتي هنا كثيرا حتى لا تلتقي بأحد اساتذتها و زملائها . اذا كانت هناك " همزة " أقصد اذا كان هناك رجل محفظته مملوءة أتصل بها لتذهب معه وآخذ نصيبي من العملية.كانت تتكلم و تلف سيجارة بورق شفاف ابيض . جاءت إلهام ووضعت أمامي زجاجة " كوكاكولا " و قالت لتلك الفتاة :- بشرى حاسبي على البنت , لا تنفثي دخان سجائرك المغومة على وجهها حتى لا تدوخ .- أتركيها تدوخ , لماذا تستيقظ ؟ هذه الدوخة لذيذة جدا. اسحبي نفسا عميقا , املئي رئتيك , نفسا آخر و سترين العالم بعدها ملونا بكل ألوان قوس قزح و سينبت لك جناحان و ستطيرين بعيدا .ضحكت الهام:- لا انها بنت مدارس واتت فقط للفرجة.صرخت بشرى ووقفت وهي لا تكاد تصلب طولها:- أتت للفرجة ؟ نحن قردة ؟ قفوا جميعا واقفزوا وقوموا بحركات بهلوانية حتى تتفرج علينا الآنسة فنحن قردة , بهلوانات والآنسة البورجوازية أتت للفرجة. اسمعي نحن نقحب علانية " على عينك يا بن عدي " , لكن أنت و مثيلاتك تتخفين وراء الأقنعة و تفعلن فضائح يندى لها جبين الشيطان.كان كل من في البار ينظر الينا . عرق بارد يلف جسمي . جاء شخص طويل و ضخم الجثة أمسك بشرى من ذراعها:- هل تنوين المبيت الليلة في " الكوميسارية " ؟ اجلسي بهدوء أوانصرفي.جلست . انصرف الرجل الضخم , قلت لبشرى:- سأنصرف.- لن تنصرفي , ستجلسين و تسمعين . ألم تأت للفرجة والتسلية ؟ سأسليك بحكاية جميلة . يبدوانك سادية تتسلين بهموم الآخرين , هل أنت صحافية ؟قلت بتأفف وانا ألعن جذور أجدادي واجداد إلهام واجداد هذه ال" بشرى " المخمورة :- أنا لست صحافية , كل ما في الأمر أنني جننت هذه الليلة واتيت الى هنا.- لا أنت صحفية , أين كاميرا التصوير؟- يا الهي أي علكة هذه ؟- لايهم الكاميرا , أنا كذلك أردت أن أكون صحفية, أختي كانت تريد أن تصبح طبيبة بيطرية.صمتت قليلا و بدت شاردة :- كان عمري أربع سنوات عندما أخذنا أبي أنا وامي وأختي الى فرنسا . كان يعمل هناك , كبرت كأي فرنسية لكن كنت أشعر ببعض الغربة. في بعض الأحيان عندما ينظرون الى لوني الأسمر و يسألوني من أي بلد انا أتذكر فورا بأنني غريبة مهاجرة . في فرنسا يعاملوننا كالغرباء و عندما نعود الى المغرب يعاملوننا على أساس اننا غرباء . لا نشعر بأي انتماء , الغربة تلاحقنا . كنا نأتي مرة كل سنتين الى المغرب , لا نمكث هنا في البيضاء فنحن من الجنوب من أرفود . هل ذهبت مرة الى أرفود ؟ لم تنتظر جوابي واكملت : - أقسم أنك لم تذهبي أبدا , حتى ربما لا تعرفين موقعها على الخريطة . المهم ذلك العام ذهبنا الى أرفود كالعادة . كنت أكره تلك المدينة . كانت كالسجن : حرارة لا تطاق , لا يوجد أي مكان للتسلية , رمال , رمال . شيء واحد كان يصبرني هوانني كنت أعرف أنني سأعود الى فرنسا: الحرية , الأوكسيجين . في أحد الأيام قا ل أبي لنا أنا اختي :- ستتزوجان ابني عمكما و تسكنان هنا في أرفودضحكنا. ظنناها نكتة. لكنها أبدا لم تكن نكتة. كانت كابوسا مخيفا . أتعرفين ماذا كانت حجته ؟ قال انه يخاف أن نبلغ سن الرشد و نتمرد عليه و نتزوج أجانب . والدتي لم تستطع الدفاع عنا . لم أستطع أن أتخيل نفسي واحدة مثل باقي النساء : آكل , أتغوط وأفتح فخذي لأنجب دزينة من الأطفال . وارفود هذه أكرهها . مزق جوازي سفرنا , ليبقى حل واحد الهرب . لم أفكر أبدا في الانتحار . هربنا الى البيضاء والنهاية ها هي أنا هنا , أختي في أكادير مع الخليج والألمان وابي يبحث عنا وانت تتفرجين وانا أسكر وادخن الحشيش وانتظر زبونا جيبه منتفخ أذهب معه واسرقه صباحا.و ضحكت ضحكت بلا معنى و قالت وهي تنظر لدخان سيجارتها المتطاير :- أبي كان يخاف أن نفقد عذريتنا . نكتة.وضحكت ضحكة مدوية جعلت الجميع يلتفت نحونا :- فقدتها و عمري ثلاثة عشرة سنة , أخذها الغراب و طار وأبي يظن نفسه " ذكي " , " معلم " , " فايق و عايق ".جاءت إلهام و قالت لي :- هيا بنا سيوصلنا زبون بسيارته. هذا أفضل حتى لا يلقى علينا القبض من طرف الشرطة.نظرت الي بشرى و قالت بأسى :- هل رأيت ؟ كلنا أولاد ناس لم نختر مصيرنا , كنت مجبرة على ذلك .- لكن خديجة لم تكن مجبرة على أي شيء .نظرت الي باستغراب : - من خديجة هذه ؟سحبتني الهام من يدي : - يبدو ان دخان السجائر أثر عليك هيا بنا .أحسست أن كيسا من الرمل موضوعا فوق قلبي لا يريد أن يتزحزح , تمنيت لو ضممتها الي , أمد لها يدي ببعض الماء لأمنح وجهها بعض البلل .في البيت سألتني إلهام : - هه ؟ أما زالت التجربة مثيرة و مخيفة ؟صمتت وصورة بشرى الطفلة السمراء لا تفارقني .أتى أبي يوما مكفهرا . ناداني وقال دون مقدمات هذه المرة :- " قدور " مات , انتحر .- كيف حدث ذلك ؟- لا أدري . الأخبار التي وصلتني تقول أنهم وجدوه مشنوقا في " جراج " الفيلا التي يسكنها هنا ك في فرنسا.شعور غريب انتابني : لم أحزن و لم أفرح . لماذا انتحر؟ كان أبي يذرع الغرفة جيئة و ذهابا و يداه خلف ظهره:- لابد أن في الأمر سرا . لماذا انتحر ؟ لا بد أنها " النصرانية " علمت أنه سيتركها و يأخذ أولاده . كل الشرور تأتي من المرأة , الشر امرأة و الخير رجل طبعا . نحن النساء شريرات وانتم الرجال طيبون واخيار .كان والدي يحدث نفسه :- لماذا انتحر ؟ لو صبر قليلا و تزوجك وبعد ذلك فليمت . كل الأموال التي هنا أو في فرنسا ستأخذها " النصرانية " : العمارة , الرصيد .. الهمزا طارت . سأرفع عليها قضية واطالب بحقي في الارث . يطالب بحقه في الارث ؟ لكن ما صلة القرابة بينه وبين " قدور " ؟ انه ابن عم خال جد مراة أبوه أولاأدري ماذا . ريحة الشحمة في الشاقور.نظر الي : ما رأيك أن أرفع قضية؟كنت أعرف أنه لن يسمع كلامي قلت له :- لما لا ؟ ارفع قضية فمن يدري ؟ فنحن في زمن و بلد العجائب.