20 نونبر 2007

جراح الروح والجسد ٦


يكفي تمثيلا.لما هذه الدهشة المرتسمة على وجهيكما؟ كأنكما لا تعرفان شيئا. ألم تكونا تعلمان أن لكما أخت قحبة؟صرخت حديجة من خلال دموعها:-أجل قحبة.كنت أريد المال الكثير , الكثير جدا. كنت أريد أن البس كالناس, آكل كالناس. كنت أريد هذه الدنيا بطولها وعرضها. ووالدك كان شحيحا. لو الأمر يعود اليه للبسنا جميعا ثيابا مرقعة.-وزوجك كذلك شحيح. بل أكثر شحا من أبي فكيف تتصرفين؟ هل ما زلت تذهبين لتلك الشقق؟-سأقول لك كل شيء لكي ترتاحي. لم أعد أذهب لتلك الشقق لأن الزبائن أصبحوا يأتون الي في شقتي وزوجي يعلم, انه واجة فقط.أنا أصرف على البيت وأنا من اشترى له محلا تجاريا.شعرت بالدوار. ماذا أسمع؟ هل يعقل هذا؟ نظرت الى كوثر و أمينة أحاول أن أقرأ أثر المفاجأة على وجهيهما. لا أثر. كأن المسألة عادية جدا. أو كأن خديجة ألقت عليهما تحية الصباح.سألتهما:-هل سمعتما؟ هل..قاطعتني خديجة بعد أن مسحت دموعها:-انهما تعرفان كل شيء.و أساعدهما على تحمل أعباء الحياة. كل واحدة تأخذ راتبا شهريا.عرق بارد يلف جسمي.دوار عنيف. جريت الى الحمام.تقيأت كل شيء. يا الهي ! اذا كانت الحياة بهذه القسوة فكيف يكون الجحيم؟ مصيبة لو كان كل شيء يتم بعلم أبي.استجمعت قوايا و قلت:-سيكون شيئا رائعا لو كنت تفعلين ما تفعلين بعلم ابي.-لا تكوني غبية أبي لا يعلم شيئا.-ولماذا لا يعلم؟ يأتيك هو الآخر بزبائنه وتنضم اليك كوثر و أمينة و زوجته و عوض أن أسافر الى فرنسا نفتح شركة لبيع اللحم الرخيص. فنحن قوم لوط.-قولي ما يحلو لك , سأذهب.-قبل أن تذهبي اريد أن أسألك :هل والدتي رحمها الله كانت تعلم بالأمر؟-رحمها الله لم تكن تعلم شيئا, كانت تصدق كل أكاذيبي.تنهدت بارتياح.جلست على كرسي و قلت لهن جميعا:-الآن ازداد اقتناعي بضرورة السفر, لو أستطيع تغيير جلدي و عظامي و حتى هذا الدم الذي يجري في عروقي لما ترددت لحظة واحدة.سأسافر لكنني سأعود لأجل دعاء ابنة الهام,لأجل هذا الطفل الذي سيولد لكي لا ترتكبي جريمة في حقه هو الآخر. قبل أن أنسى من يكون والده؟لم تجبني, خرجت و صفقت الباب وراءها.لم يبق الكثير على سفري. كان لا بد من اواجهه بنفسي .لست في حاجة لوساطة أحد. لم أعد أحتمل الحياة في هذا الوسط الموبوء.جاء أبي نظر الي ثم قال:-ماذا بك؟ كنت تبكين؟-نعم-لماذا؟ ماذا حدث؟ خصومة مع زوجتي؟-لا.-ماذا اذن؟ تكلمي.-أبي ..لا أعرف بماذا أبدأ حديثي.-تكلمي ماذا حدث؟-لقد قررت السفر.-ألم تنسي حكاية الرباط و الصحافة بعد؟-هذه حكاية قديمة , الجديد هو أنني سأسافر الى فرنسا.-يبدو أنك لست في وعيك.-بل لم أكن ف وعيي مثل الآن. كل شيء جاهز: تذكرة السفر, التأشيرة و حتى حقيبتي, لم يتبق سوى موافقتك.-جهزت الجواز و التذكرة و التأشيرة وحتى الحقيبة و أنا هنا في دار غفلون.-كنت أعرف أنك سترفض ففعلت ذلك خلسة.-و تريدين وضعي أمام الأمر الواقع.فيلم هندي هذا أم مصري؟-فيلم مغربي.أرجوك أبي أن توافق لا أريد أن أسافر وأنت غاضب مني.-أتريدين أن تتحديني؟ أن تخرجي عن طوعي؟ افعلي ما بدا لك. لكن لن أدفع لك فرنكا واحدا.-لا أريد نقودا..أريد موافقتك.-و أنا لست وافقا.غدا على الساعة العاشرة صباحا سأسافر.-اذن احملي حقيبتك واخرجي الآن في هذا الليل.-أبي ارجوك لماذا تعقد الأمور؟-أنت من يعقد الأمور. اذا كنت تريدين السفر لأجل الدراسة فالبلد مملوءة جامعات. الا اذا كنت تنوين السفر لأجل شيء لآخر.-شيء آخر مثل ماذا؟-كل الفتيات اللواتي يسافرن للخارج زنديقات.يا الاهي لا يستطيع التفكير أبعد من مؤخرته.-أبي أكررها للمرة الألف: اذا كنت أريد العيش على سجيتي فلست في حاجة للسفر .سأفعل كل ما أريد و أنا هنا بقربك و أنت في دار غفلون.صمت . كان يدرع الغرفة جيئة و وذهابا ثم قال:-كل أخواتك مهديات مرضيا الا أنت.استفزني:أبي لا تكرر على سمعي هذه الجملة ثانية أكرهها.-رائع انك تصرخين في وجهي. طبعا (حطيت عصاتي أصبحت نتضرب بيها). اسمعي احملي حقيبتك و اخرجي الآن لا تنتظري حتى الغد.-لست جادا أبي.-لم أكن جادا كاليوم أبدا. واعتبري أنه لا أب لك.-لماذا كل هذا؟ أليس من حقي السفر؟-هل هذا ما علموكم في المدارس؟ تحدي اهاليكم؟ تحدي أهاليكم؟ تريدين لوي دراعي؟ من السهل علي جدا تمزيق جواز سفرك و كل الأوراق و أقفل عليك البيت لا دراسة ولا هم يحزنون. وأزوجك لأول كلب يطرق الباب. لكنني لن أفعل لأني مللت رؤية وجهك العكر. و الآن أخرجي اذهبي عند أولئك الذين ملأوا رأسك بالكلام الفارغ لبست ملابسي , حملت حقيبتي وصورة أمي لا يمكنني أن أتركها خلفي وحيدة. أخذت سيارة طاكسي و ذهبت الى بيت الهام. فتحت الباب , توقعت أن أجدها كالمعتاد نائمة على سريرها . لم تكن متواجدة. البيت في منتهىالفوضة : علب جعة فارغة , أواني متسخة. رتبت السرير , غسلت الأواني و ناديت دعاء من عند الجارة. أعطيتها قليلا من الحليب والبسكوت. جاءت الجارة و هي تطرقع العلك , سألتها:-ألم تأت الهام؟-لم تأت. لابد أنها نايمة في العسل عند أحدهم. ياريت واحد من أصحاب الدشداشة.أتعرفين لو ذهبت مع واحد من أصحا ب الخليج فستكسب في الليلة ما تكسبه في البار ف ثلاثة أشهر, أيديهم سخية يبعثرون الأموال هنا وهناك. وأكل و شرب و هدايا. هل تعرفين كلثوم بنت حادة؟ لا أنت لا تعرفينها. الهام تعرفها كانت جميلة, ياه! طويلة وعريضة و شعرها أشقر و طويل يصل حتى ما تحت مؤخرتها كشعر الخيل , وبيضاء كالقشدة و لها عينان سبحان من سواها وخلقها. قبل أن تصل سن الرشد والخطاب يقفون على باب بيتهاطوابير. هي لا تشبه أمها ابدا أمها سمراء ممكن أنها تشبه والدها نعن لا نعرفه. ما علينا المهم ان أمها كانت ترفض كل المتقدمين لابنتها, الى أن أتتها خديجة العورة .الا تعرفينها؟ لقد غادرت الحي , هي قوادة. أتتها بواحد من الامارات, لديه سيارة سوداء طولها متران و لديه سائق . يقولون أنه أمير و الله أعلم. كان كبيرا في السن . حوالي الستين. الرجل لا يعيبه الا جيبه, و البنية كلثوم عمرها سبعة عشر سنة رآها الرجل وجنّ عليها. لاتصدقين اذا قلت لك أنه أعطاها في المهر فيلا لا يخرجك منها الا سكرات الموت.الفيلا أكبر من حينا هذا كله. يلزمك سيارة لتنقلك داخل الفيلا.عاشت معه سنتين في الجنة وأخذت معها أمها. و لما مات أخذ اخذ أولاده كل شيء حتى الفيلا التي تسكنها و الحلي التي تملكها باعتها لكي تعالج نفسها من مرض ما.جميعة تقول أنها مصابة بالزهري لكن لا.. لو كانت فعلا مصابة بالزهري لما احتاج الأمر أن تبيع كل هذه الحلي. المسألة أكبر يمكن مصابة بالسيدا. ياه تأخرت الهام كثيرا!(يا الهي متى تصمت هذه المرأة؟).كنت أنظر اليها و أتساءل ان كان هناك زر في مكان ما من جسم المرأة أضغط عليه فتصمت الى الأيد.-ها هي الهام .صرخت المرأة.نظرت جيدا, كانت هي..لكن ثيابها ممزقة, كدمات زرقاء على وجهها شعرها أشعث.أدخلتها الى البيت.ماذا حدث؟ تبعتنا المرأة و أقحمت نفسها و هي تضرب صدرها الممتلئ بيدها و تطرقع العلك. تبحث عن حكاية ترويها لأهل الحي. جلست الهام على حافة السرير و هي تبكي بهيستيريا و حرقة:-أولاد الكلب..يلعن ابوهم..الله ياخذ فيهم الحق.و تنخرط في نوبة بكاء عنيفة. لا أجرؤ على سؤالها.تتولى المرأة سؤالها:-ماذا حدث يا أختي؟تمسح الهام دموعها. أنتبه الى فمها جيدا..لا أثر لبعض الأسنان في فكها السفلي.علامة استفهام كبيرة مرتسمة في رأسي. أشحت بيدي على وجهي كأنني أطرد ذبابة سوداء كريهة. جلست الهام نزعت ملابسها و قالت:-أنظري ..أولاد الزانية ماذا مفعلوا بي؟ أنظري لظهري وفخذي..لا أستطيع الجلوس مؤخرتي تؤلمني.ندوب زرقاء و بنفسجية تملأ ظهرها و كامل جسمها .دماء متجمدة على بعض الجروح. لم أستطع النظر اليها طويلا , لم أستطع الكلام, احتبست الكلمات في حلقي كأنني ابتلعت لساني :-ماذا حدث؟ سألتها المرأة متلهفة لمعرفة كل الأخبار السيئة. ثم أردفت و عيناها تلمعان بلهفة :-هل أمسكوك في الكوميسارية؟ أخذوك للدار الحمراء؟ لا يضرب أحد مثل هذا الضرب الا هناك. لكن لماذا؟-عندما كنت أداوم في البار , انتبهت لشخص يجلس في أحد الأركان لا يرفع عينيه من علي. لم أره من قبل في البار, فنحن هناك نعرف بعضنا البعض .تنخرط في البكاء من جديد ثم تضيف :-ولد ز..الله يوريني فيه يوم , يا ربي أنا أمة تحت سماك أمنيتي أن أراه و الكلاب تمزق لحمه قطعا قطعا و يستغيث و لا من مغيث. لا..لا..أريد أن تسحقه شاحنة الزبال تمحقه أرضا فيختلط لحمه و عظامه مع الأزبال و يسيل دمه مع البالوعات..تنزع تلك المرأة السمينة غطاء رأسها :-الله ياخذ فيك الحق يا ولد الحرام..الله يجعلك مثل ثور الوحل ما ان ترفع قدما حتى تغرق الأخرى ..الله يعطيك..تلتفت الى الهام و تسأل:-ما اسمه حتى أدعي عليه؟-قال اسمه محمد. كان يرتدي بدلة وربطة عنق بالأسود و قميصا أبيض و حذاء أسود يلمع. يحمل مفاتيح كثيرة في يده و شعره ممشوط بعناية يلمع هو الآخر. عندما عرض علي الذهاب معه قلت : و لما لا؟ على القل واحد نظيف بدل هؤلاء الصعاليك الذين يملأون المكان. و ما سآخذه منه سأشتري به حذاء لدعاء و كيلو لحم. ذهبت معه في سيارته المرسيدس البيضاء. لم يكن يتكلم كثيرا, بل لم يكن يتكلم قط. أخذني الى خارج المدينة , لا أعرف أين بالضبط. عندما سألته لم يجبني. اشعل سيجارته و صمت. ساعتها شعرت بالخوف وتمنيت لو أعود. لكن الليل! خفت أن يتركني في الشارع.ليته تركني لكان أرحم. ربما الكلاب الضالة لم تكن لتفعل بي ما فعل بي ابن ال…ذهبنا الى فيلا في طور البناء, الطابق السفلي مكتمل لكن لم يصبغ بعد. أكياس الاسمنت مرمية هنا وهناك و الرمل و المسامير. رفضت ات أنزل جذبني من شعري بعنف و أدخلني الى الداخل , صرخت , قاومت لكن لا من مغيث.الأرض خلاء و الظلمة : تمد ايديك تقطع.أنا ر شمعتين و أمرني أن أنزع ملابسي و عندما رفضت مزقها فوق جسمي و ربطني الى أحد الأعمدة و شرع يمارس علي الجنس بطريقة غريبة. لم يكن وحده , فجأة خرجوا من الظلام كالعفاريت , كالجرذان. كانوا أربعة ربما أكثر, لم أتبين ملامحهم و لن أعرفهم حتى لو التقيتهم ثانية. مارسوا علي كل أنواع التعذيب من اهانة و ضرب و أخذوا نقودي. تصوري ! أتيت من هناك سيدي رحال أظن لست متأكدة.. تصوري من سيدي رحال الى المدينة القديمة.. أحس أنني قطعت نصف الكرة الأرضية على قدمي. أحس أ ن الله يصر اصرارا عجيبا على تعذيبي. و لدت و لا أعرف لي أبا قط, اسم بنت الحرام يلتصق بي كالوشم. خالي و أخي اغتصباني منذ المهد, أمي الوحيدة التي كانت سندي في هذه الديا تموت وتتركني أنا و طفلتي في عالم كله ذئاب و حيوانات و ماذا بعد؟تسكتها المرأة:-استغفري الله المؤمن مصاب.تصرخ الهام في وجهها:-من يدلك على ايماني؟ من قال لك أنني مؤمنة ؟ جبهتي لا تلامس الأرض الا اذا انكفأت على وجهي من شدة السكر. الصوم أجوع فقط كالآخري. تركت لكم الايمان و كل شيء فقط أريد أن أرتاح. أن أضع رأسي على الوسادة و أنام. لقد حملت الهم مبركرا.تقف المرأة و تستأذن لكي تنصرف:-سأذهب الله معك.

ليست هناك تعليقات: