07 مارس 2007

جـراح الروح والجسـد٤


ذات يوم بعدما تناول أبي غذاءه ناداني . لم يكن ينظر الي . كان يبدو شاردا . بسمل و حوقل وبعدها قال : كم عمرك ؟انه يمهد لشيء ما . أكره المقدمات , لماذا لا يدخل في الموضوع مباشرة؟ عشرون سنة.- عشرون سنة. عندما كانت والدتك في مثل عمرك كان لي منها ثلاثة أواربعة أطفال .مانهاية هذا الموشح ؟- لقد تزوجت جميع شقيقاتك و لم يبق سواك . حتى شقيقتك الصغرى تزوجت . أنا كبرت , تجاوزت الستين و لن أعيش لك العمر كله , يجب أن أطمئن عليك .أشم رائحة عريس في الموضوع !!- توصلت برسالة من باريس من " قدور" هل تعرفينه ؟ أقصد هل تذكرينه؟مجرد ذكر اسمه يبعث على القيء . لكن ما علاقةهذه الأشياء ببعضها ؟ - اني اسألك , هل تذكرينه ؟- أتذكره . قلتها وكانني ابلع ضفدعا .كيف لا أذكره ؟ رائحته العفنة ملتصقة بجلدي حتى العظم , صورته موشومة بين عيني . " قدور القذر" هل هناك من ينسى جلاده ؟ أكمل أبي :- انه ابن أصول ولد دارهم , رجل من ظهر رجل , تربيتي أنا . أنا زرعت فيه الرجولة . أرسل لي رسالة لا داعي أن تقرئيها . انه ينوي تطليق زوجته النصرانية و سيأخذ أولاده منها بالقوة بالقانون بحد السيف لا يهم . سيأتي بهم الى هنا . لديه بنتان وولد واحد . يريدهم أن يتربوا على الأخلاق والقيم . لا يريدهم أن يتبعوا دين والدتهم النصرانية. أنت لست غبية انك تعرفين كيف يعيش أولئك القوم , منحلين عليهم اللعنة . هواخطأ حين تزوجها لكن لا يهم سيصلح خطأه ويأتي الى هنا و يتزوجك ...لم أعد أسمع شيئا. طبول عنيفة تدق في رأسي. أسرعت الى الحمام أحسست بأحشائي تكاد تخرج من فمي . قدور يا ابن الكلب , أية لعبة قذرة تلعبها ؟ يا ابن الزانية ألا يكفي ما فعلته أثناء الطفولة ؟ هل أعجبتك لعبة الجلاد والضحية ؟ هل تنتقم من أحد ما أو من شيء ما في شخصي الضعيف ؟ ؟ - لا الا قدور.- ماذا به قدور؟ لديه عمارة من خمس طوابق هنا بالمغرب و رصيد ضخم في البنك و سيارة .. و..و..- أريد اتمام دراستي .- وهل قلت لك انقطعي عن الدراسة ؟ أدرسي و تزوجي.دخلت غرفتي , أقفلت علي الباب . يريدني أن أتزوج العمارة والرصيد . انه يفكر بمؤخرته . ليلا عندما نمت رأيته في منامي " قدور القذر" يرتدي ملابس العرس : الحناء , النكافات , الزغاريد و غرفة متواضعة هي نفس الغرفة التي كان يسكن فيها في بيتنا . يحملني لكنني في الحلم كنت طفلة بظفيرة . يقفل فمي و يخرج قضيبه .. استفقت من الكابوس . أنرت المصباح , نظرت جيدا حولي لأتأكد أني في غرفتي وان ما حدث مجرد كابوس .صباحا حملت كتبي و ذهبت عند إلهام .فتحت الباب و دخلت فوجدتها نائمة وبجانبها شخص ما . زجاجات بيرة فارغة , أعقاب سجائر . جلست في المطبخ وحدي . أقفلت علي الباب , أعددت قهوة سوداء وسيجارة . ان موضوع الأمس يسيطر على تفكيري . جاءت إلهام .. بدت مرهقة, أشعلت سيجارة و ظلت واقفة . لا يوجد كرسي آخر:- ماذا بك ؟ أتيت مبكرة .- لاشيء متعبة . أتيت لأرتاح .- تشاجرت مع زوجة ابيك ؟صمتت قليلا وقلت لها :- هل تذكرين " قدور" الذي كلمتك عنه ؟قطبت ما بين حاجبيها و حاولت أن تتذكر ثم قالت : - آه ذاك الذي كان ..قاطعتها : - نعم . وحكيت لها الحكاية . - لو كنت مكاني ماذا كنت ستفعلين ؟سحبت نفسا عميقا من سيجارتها ثم قالت : - أتزوجه .فغرت فمي دهشة:- ماذا ؟- أجل أتزوجه وفي ليلة العرس أسكب له منوما في كأسه وعندما ينام أقطع قضيبه واعلقه حول عنقه . هل يموت الرجل اذا ما قطع قضيبه ؟- لا ادري . سمعت والدتي تقول أن روح الرجل في قضيبه . سيموت أظن ذلك .- اذن لا . ما رأيك لو تتزوجيه و تمثلين عليه الحب و بعدها تعطيه " التوكال " أنا أعرف فقيه سوسي " ضربته ما تنوض ربيع " يعطيك وصفة سحرية يأكلها زوجك .. ويبقى طريح الفراش لا هو بميت .. ولا هو حي يتساقط شعره و ينحل جسمه . يموت ببطء و تتلذذين بتعذيبه .- أرجوك أصمتي .- اسمعي أنا أمزح فقط . لكن الجد هو ما سأقوله لك الآن . لم تعودي طفلة بجديلتين وجونلة قصيرة , يضع يده على فمك ويصفعك فتصمتين و تذعنين له . لقد صرت امرأة و رأيت الكثير و تعرفين الكثير . حان الوقت لكي تقولي " لا " . حان الوقت لكي تثوري . اتركي هذه المسكنة والضعف والخوف . اننا نعيش مرة واحدة فقط فمن الجرم أن نعيش هذه الحياة في عذاب . الحياة مازالت أمامك قفي في وجه والدك وقولي له " لا " حتى لواضطرك الأمر أن تقولي له كل شيء . يقول المثل" كبرها تصغار" .رجعت الى البيت في الظهيرة . لم يحس أحد بدخولي . زوجة أبي كما العادة تتحدث على الهاتف :- لقد رفضت الزواج , على ما يبدو ستظل العمر كله كاتمة أنفاسي .- ... .... ...؟؟؟!!!- هذا مؤكد لا بد أن سرا في الأمر.- .... ..... ؟؟؟!!!- معيوبة ؟ كيف ؟- ... ....؟؟؟!!!- و من يدري؟ فطوال النهار وهي خارج البيت , تدعي أنها في الكلية . بنت الكلية و ما أدراك ما بنات الكلية . طبعا فهن يحبلن ويسقطن أنفسهن بنفس السهولة التي يقلعن بها ضرسا مريضا.أحسست رأسي تغلي كالمرجل . أمسكتها من شعرها من الخلف و عضضت كتفها :- ماذا بهن بنات الكلية ياابنة القحبة ؟ يسقطن أنفسهن ؟ وانت كم مرة أسقطت نفسك ؟ هل تظنيني غبية ؟ رائحتك الكريهة قبل الزواج وبعده تزكم الأنوف . هناك في دوار " اولاد مصباح " ألم تحبلي سفاحا مع راعي غنم ؟ واسقطت نفسك و لولا الرشوة والمحسوبية لكنت دخلت السجن . تكلمي لماذا احمر وجهك ؟ عجبا يا اولاد القحاب ان وجوهكم لازالت تحمر خجلا . و بعد الزواج .. ألم تخوني أبي مع الجميع ؟ حتى مع بائع الأواني المتجول ؟ لقد رأيتكما . هل تذكرين ؟ رفع سرواله واختفى . و عندما ذهب أبي الى الحج اختفيت أنت الأخرى ولم تأت الا قبل مجيئه بيومين . ادعيت أنك كنت عند أهلك بدوار " اولاد مصباح " في حين أنك كنت عند قوادة في درب السلطان . الأخبار السيئة هي التي تصل . أما الجيدة لا تهم أحداَ. الناس يهتمون بأخبار الفضائح فقط . وانا وصلتني كل الأخبار . لقد علموني أن أبتلع لساني واصمت . حاولت أن أجد لك كل الأعذار : أبي تجاوز الستين , مصاب بالسكري والقلب ولا أدري ماذا كذلك . وانت انثى في عنفوان شبابك . أرى واصمت . أنا طيبة نعم لكن تتجاوزي حدك معي لا . واذا حاولت أن تلعبي معي لعبة قذرة ستخسرين كثيرا. أصبح وجهها أزرق بفعل الرعب . فلتزرق أو تخضر . من يومها و هي تتحاشاني . لم تعد تتدخل بشؤوني . لكنني كنت حذرة لا آكل أكلها ولا اشرب شربها ولا أنام .. حتى أفتش فوق و تحت السرير و بين ثنايا الوسادة عن " حجاب " ما قد تضعه لي . كنت أعيش في قلق دائم .في يوم ما كنت عند إلهام .. أحتسي قهوتي السوداء وهي تدخن بشراهة وتشرب الويسكي سألتها :- لماذا سلكت هذا الطريق ؟- أي طريق ؟ ضحكت بعصبية ثم صمتت و سحبت نفسا من سيجارتها :- هل تقصدين لماذا أصبحت قحبة ؟شعرت بالحرج فاكملت حديثها : - لماذا لا تسمون الأشياء بأسمائها و تتكلمون بصراحة ؟ لا افهم . - لاأريد أن أحرجك هذا كل ما في الأمر.- اذا كنت أنا لا اشعر بالحرج .. فلماذا تحرجين أنت ؟ اسمعي أنا تجاوزت كل هذه الأشياء : الحشومة.. العيب وكل هذه الأشياء التي تبعث على التغوط . خذي حريتك في الحديث معي لا موانع ولاهم يحزنون .صمتت . كانت تتكلم بعصبية و بعد قليل قالت : - لماذا أصبحت قحبة ؟ وماذا كنت تنتظرين من واحدة ربتها قحبة وانجبتها من الحرام ؟ هل كنت تظنين أنني سأصبح وزيرة ؟ القحبة تنجب قحبة مثلها. والدتي تدبرت أمرها و سجلتني في الحالة المدنية . كل شيء ممكن في هذا البلد " ادهن السير يسير " . التحقت بالمدرسة حتى السنة الثالثة اعدادي لكن عندما ظهرت علي آثار الحمل تركت الدراسة . لم أكن حاملا بابنتي دعاء لا . قبلها حبلت بطفلة أخرى وساعدتني والدتي على اسقاط الجنين .- ياالهي حياتك مليئة ب .- اكملي , بالفضائح ؟ لما ذا بترت جملتك ؟ سأحكي لك الفضيحة الكبرى ستكونين الوحيدة التي تعلم بعد والدتي طبعا والله هذا اذا كان موجودا .- استغفري الله انه موجود .- دعيه وشأنه فهو ليس موضوع حديثا اليوم . اسمعي هذه الحكاية : هل تظنين نفسك الوحيدة التي اغتصبت في الطفولة ؟ انك واهمة ان حكايتك لا شيء بجانب الحكايات الأخرى .. ستجدين داخل كل بيت حكاية يندى لها جبين الشيطان و سأعطيك مثالا بسيطا على ذلك : أنا . هل تعرفين من كان يغتصبني في الطفولة ؟ خالي واخي . لا تفتحي عينيك دهشة. انتظري حتى اكمل . كانا يتناوبان علي : يخرج خالي و يدخل أخي الأكبر والوحيد . كنت حينها في الرابعة ربما اغتصباني وانا ما زلت رضيعة في المهد من يدري ؟ أنا الأخرى لم أقل لوالدتي شيئا لأنها لم تكن موجودة بكل بساطة.يا إما في " البار" أو سكرانة . نادرا ما كنت أراها في وعيها . عندما وصل سني ثلاثة عشرة سنة حبلت و عندما علمت أمي بالأمر طردت خالي واخي ومن يومها لم أرهما . سمعت أن اخي " حرك للطليان " , خالي لا أدري ماذا حدث له . ثم أسقطتني . والدتي بارعة في مثل هذه الأمور. من يومها تركت المدرسة . كل شيء كان مهيئا لي لكي أنحرف . ما رأيك بهذه الحكاية ؟ أليست مقرفة ؟ تعالي معي الى البار حيث أعمل .. وستشبعين من هذه الحكايات . عندما نسكر نقول كل شيء .. دون خوف. أنتم أقصد أنت و كل المعقدين مثلك تخفون هذه الأشياء .. وتخجلون منها.- وبماذا ينفع الكلام ؟ يجب أن يكون هناك حل . البنية التحتية لهذا المجتمع ..أسكتتني باشارة من يدها :- لاأفهم في البنية التحتية والفوقية وكل هذا الكلام الضخم والفارغ . أنا عقلي على قدي . اسمعي هل تاتين معي الى البار ؟- لا أعرف ..- انك لا تعرفين شيئا البتة : قولي نعم أولا .- التجربة مثيرة ومغرية و مخيفة .- مخيفة ؟ ما المخيف فيها ؟ و ما المثير ؟ .. لا أفهم . انك لا زلت تفتحين فمك دهشة أمام أتفه الأشياء. " بار " , " كمطعم " , " كمقهى " . هل تشعرين بالخوف اذا دخلت مقهى ؟- لا.. لكن , لا أدري .ابتسمت الهام في اشفاق :- تعالي و سترين أن الأمر عادي جادا .كانت و جهتنا بار " كاليفورنيا " . دخان كثيف يلف المكان , روائح غريبة . ما ان دخلت الهام حتى هلت عليها التحيات والترحيبات . قالت لي :- اجلسي هنا , من هذا المكان سترين كل شيء , سأتركك الآن واذهب لعملي .ذهبت و تركتني . دخان , دخان , قهقهات , كلمات نابية .. و لمحتها , كان وجهها طفوليا كأنها طفلة مشاغبة غافلت أمها و سرقت مساحيقها ووضعتها على وجهها الأسمر الجميل . كان شعرها .......... جدائل صغيرة و كثيرة تصل حد الكتفين . لم تكن تسجن نهديها بحاملة الصدر بل تتركهما حرتين تظهر حلمتاها السمراوان من تحت قميص أبيض ضيق , و ترتدي سروال جينز ممزقا من الركبتين . لم تكن تكف عن قضم أظافرها في انتظار سيجارة تأتيها من احد رواد البار . أحست بنظراتي مسلطة عليها فأتت ناحيتي و سألتني :- عود ثقاب- لا أدخن .- مستجدة في الميدان أليس كذلك ؟قلت بسرعة كأنني أحاول دفع تهمة عني :- لا .. لا أتيت مع الهام فقط . أردت أن أرى هذا العالم .ابتسمت متهكمة :- هذه هي البداية دائما : الفضول . ندخن أول سيجارة على سبيل التجربة , نشرب أول جرعة من الخمر على سبيل التجربة , نفتح الفخذين أول مرة على سبيل التجربة ولا نستفيق حتى يكون الأوان قد فات .- لقد فهمت خطأ .- بل أفهمك جيدا . اسمعي يبدو انك في البداية افلتي بجلدك , الداخل هنا مفقود والخارج لا ..لا يخرج من هنا أحد. انها كماشة , لعنة . حتى اذا نويت التوبة و قبلها الله فلنيقبلها البشر . اذا كانت هذه هي البداية و كنت مصممة على الاستمرار فأنصحك أن تفعلي ذلك على أعلى مستوى, اذهبي الى أكادير شقيقتي هناك يمن أن اعطيك عنوانها . في اكادير يوجد الخليجيون بكثرة والألمان . انهم يدفعون بسخاء أكثر مما تتصورين , يمكن أن يصبح لك شقة و سيارة ورصيد في البنك. ذهبت الى أكادير لكن الخليجيين لا تعجبهم السمراوات النحيفات يفضلون البيضاوات السمينات . اذهبي هناك و جربي حظك . قلت بعصبية :- أنا طالبة جامعية و بنت ناسنظرت الي بعنف :- وهل نحن بنات كلاب ؟ كلنا أولاد ناسكنت أبحث عن إلهام بعيني حتى تنقذني من هذه الورطة. احسست أنني لا استطيع التفاهم معها. كانه بيني و بينها سور حجري ضخم .- لماذا لا تتكلمين ؟ لماذا صمتت ؟يالهي بماذا أجيبها؟- أقصد أنني طالبة جامعية واتيت فقط ل ..و ضحكت ملء فمها . كانت اسنانها بيضاء يتخللها بعض التسوس واشارت الى أحد الموائد المتواجدة في احدى الزوايا- ذاك الجالس هناك , طالب جامعي يدرس الاعلاميات , يمارس اللواط مع العجائز المغاربة والأجانب . تلك الجالسة مع رجلين هناك انها تدرس في مدرسة المعلمين ." كتدبر على راسها " جاءت من " واد زم" .فغرت فمي دهشة .- انها لا تأتي هنا كثيرا حتى لا تلتقي بأحد اساتذتها و زملائها . اذا كانت هناك " همزة " أقصد اذا كان هناك رجل محفظته مملوءة أتصل بها لتذهب معه وآخذ نصيبي من العملية.كانت تتكلم و تلف سيجارة بورق شفاف ابيض . جاءت إلهام ووضعت أمامي زجاجة " كوكاكولا " و قالت لتلك الفتاة :- بشرى حاسبي على البنت , لا تنفثي دخان سجائرك المغومة على وجهها حتى لا تدوخ .- أتركيها تدوخ , لماذا تستيقظ ؟ هذه الدوخة لذيذة جدا. اسحبي نفسا عميقا , املئي رئتيك , نفسا آخر و سترين العالم بعدها ملونا بكل ألوان قوس قزح و سينبت لك جناحان و ستطيرين بعيدا .ضحكت الهام:- لا انها بنت مدارس واتت فقط للفرجة.صرخت بشرى ووقفت وهي لا تكاد تصلب طولها:- أتت للفرجة ؟ نحن قردة ؟ قفوا جميعا واقفزوا وقوموا بحركات بهلوانية حتى تتفرج علينا الآنسة فنحن قردة , بهلوانات والآنسة البورجوازية أتت للفرجة. اسمعي نحن نقحب علانية " على عينك يا بن عدي " , لكن أنت و مثيلاتك تتخفين وراء الأقنعة و تفعلن فضائح يندى لها جبين الشيطان.كان كل من في البار ينظر الينا . عرق بارد يلف جسمي . جاء شخص طويل و ضخم الجثة أمسك بشرى من ذراعها:- هل تنوين المبيت الليلة في " الكوميسارية " ؟ اجلسي بهدوء أوانصرفي.جلست . انصرف الرجل الضخم , قلت لبشرى:- سأنصرف.- لن تنصرفي , ستجلسين و تسمعين . ألم تأت للفرجة والتسلية ؟ سأسليك بحكاية جميلة . يبدوانك سادية تتسلين بهموم الآخرين , هل أنت صحافية ؟قلت بتأفف وانا ألعن جذور أجدادي واجداد إلهام واجداد هذه ال" بشرى " المخمورة :- أنا لست صحافية , كل ما في الأمر أنني جننت هذه الليلة واتيت الى هنا.- لا أنت صحفية , أين كاميرا التصوير؟- يا الهي أي علكة هذه ؟- لايهم الكاميرا , أنا كذلك أردت أن أكون صحفية, أختي كانت تريد أن تصبح طبيبة بيطرية.صمتت قليلا و بدت شاردة :- كان عمري أربع سنوات عندما أخذنا أبي أنا وامي وأختي الى فرنسا . كان يعمل هناك , كبرت كأي فرنسية لكن كنت أشعر ببعض الغربة. في بعض الأحيان عندما ينظرون الى لوني الأسمر و يسألوني من أي بلد انا أتذكر فورا بأنني غريبة مهاجرة . في فرنسا يعاملوننا كالغرباء و عندما نعود الى المغرب يعاملوننا على أساس اننا غرباء . لا نشعر بأي انتماء , الغربة تلاحقنا . كنا نأتي مرة كل سنتين الى المغرب , لا نمكث هنا في البيضاء فنحن من الجنوب من أرفود . هل ذهبت مرة الى أرفود ؟ لم تنتظر جوابي واكملت : - أقسم أنك لم تذهبي أبدا , حتى ربما لا تعرفين موقعها على الخريطة . المهم ذلك العام ذهبنا الى أرفود كالعادة . كنت أكره تلك المدينة . كانت كالسجن : حرارة لا تطاق , لا يوجد أي مكان للتسلية , رمال , رمال . شيء واحد كان يصبرني هوانني كنت أعرف أنني سأعود الى فرنسا: الحرية , الأوكسيجين . في أحد الأيام قا ل أبي لنا أنا اختي :- ستتزوجان ابني عمكما و تسكنان هنا في أرفودضحكنا. ظنناها نكتة. لكنها أبدا لم تكن نكتة. كانت كابوسا مخيفا . أتعرفين ماذا كانت حجته ؟ قال انه يخاف أن نبلغ سن الرشد و نتمرد عليه و نتزوج أجانب . والدتي لم تستطع الدفاع عنا . لم أستطع أن أتخيل نفسي واحدة مثل باقي النساء : آكل , أتغوط وأفتح فخذي لأنجب دزينة من الأطفال . وارفود هذه أكرهها . مزق جوازي سفرنا , ليبقى حل واحد الهرب . لم أفكر أبدا في الانتحار . هربنا الى البيضاء والنهاية ها هي أنا هنا , أختي في أكادير مع الخليج والألمان وابي يبحث عنا وانت تتفرجين وانا أسكر وادخن الحشيش وانتظر زبونا جيبه منتفخ أذهب معه واسرقه صباحا.و ضحكت ضحكت بلا معنى و قالت وهي تنظر لدخان سيجارتها المتطاير :- أبي كان يخاف أن نفقد عذريتنا . نكتة.وضحكت ضحكة مدوية جعلت الجميع يلتفت نحونا :- فقدتها و عمري ثلاثة عشرة سنة , أخذها الغراب و طار وأبي يظن نفسه " ذكي " , " معلم " , " فايق و عايق ".جاءت إلهام و قالت لي :- هيا بنا سيوصلنا زبون بسيارته. هذا أفضل حتى لا يلقى علينا القبض من طرف الشرطة.نظرت الي بشرى و قالت بأسى :- هل رأيت ؟ كلنا أولاد ناس لم نختر مصيرنا , كنت مجبرة على ذلك .- لكن خديجة لم تكن مجبرة على أي شيء .نظرت الي باستغراب : - من خديجة هذه ؟سحبتني الهام من يدي : - يبدو ان دخان السجائر أثر عليك هيا بنا .أحسست أن كيسا من الرمل موضوعا فوق قلبي لا يريد أن يتزحزح , تمنيت لو ضممتها الي , أمد لها يدي ببعض الماء لأمنح وجهها بعض البلل .في البيت سألتني إلهام : - هه ؟ أما زالت التجربة مثيرة و مخيفة ؟صمتت وصورة بشرى الطفلة السمراء لا تفارقني .أتى أبي يوما مكفهرا . ناداني وقال دون مقدمات هذه المرة :- " قدور " مات , انتحر .- كيف حدث ذلك ؟- لا أدري . الأخبار التي وصلتني تقول أنهم وجدوه مشنوقا في " جراج " الفيلا التي يسكنها هنا ك في فرنسا.شعور غريب انتابني : لم أحزن و لم أفرح . لماذا انتحر؟ كان أبي يذرع الغرفة جيئة و ذهابا و يداه خلف ظهره:- لابد أن في الأمر سرا . لماذا انتحر ؟ لا بد أنها " النصرانية " علمت أنه سيتركها و يأخذ أولاده . كل الشرور تأتي من المرأة , الشر امرأة و الخير رجل طبعا . نحن النساء شريرات وانتم الرجال طيبون واخيار .كان والدي يحدث نفسه :- لماذا انتحر ؟ لو صبر قليلا و تزوجك وبعد ذلك فليمت . كل الأموال التي هنا أو في فرنسا ستأخذها " النصرانية " : العمارة , الرصيد .. الهمزا طارت . سأرفع عليها قضية واطالب بحقي في الارث . يطالب بحقه في الارث ؟ لكن ما صلة القرابة بينه وبين " قدور " ؟ انه ابن عم خال جد مراة أبوه أولاأدري ماذا . ريحة الشحمة في الشاقور.نظر الي : ما رأيك أن أرفع قضية؟كنت أعرف أنه لن يسمع كلامي قلت له :- لما لا ؟ ارفع قضية فمن يدري ؟ فنحن في زمن و بلد العجائب.