05 دجنبر 2006

جراح الروح والجسد٣


أمي أما زلت تذكريني أم نسيت كل شيء ؟ أما زلت تذكرين عندما كنت أضع رأسي على ركبتيك و تعبثين بخصلات شعري وانت ساهمة في البعيد . تفكرين بالحج أوالعمرة . كم ذقت المر بسببنا ؟ كم ضربت و كم أهنت و كم و كم . كنت تصبرين و تقولين من أجل أولادي كل شيء يهون . هل كتب على أن أجتر السنوات أبكيك ؟ هل كتب علي أن أن أعيش ما تبقى من عمري البائس معذبة بفراقك ؟ أطلب لك الرحمة يا أمي .عندما ماتت أمي , تنهد أبي كأنه تلخص من حمار أجرب . ربت على شعري , أحسست بأصابعه كمسامير مدببة الرأس , لم يمر الشهران حت أخذ أولاد الحلال يسدون له النصيحة :- يجب أن تتزوج , اياك والعواجيز انهن يورثن الأمراض و يسرعن بك نحوالقبر , تزوج شابة تدفىء عظامك و تناولك الدواء عندما تمرض .لم يكن أبي في حاجة لنصيحة أحد . تزوج امرأة قروية شابة , كل شيء فيها يوحي بأنها امرأة من النوع الرخيص : عيناها اللتان لا تهدءان من الغمز واللمز, العلك الذي لا يفارق فمها. كرهتها حتى قبل أن أراها. مذ تزوجها و هو يسافر كثيرا : الى الحج أوالى الجنوب , تودعه بدموع نجسة كبول الخنازير وعندما ترجع الى البيت تتحدث طويلا في الهاتف تطلق ضحكات رقيعة , تتزين و تخرج ثانية.كانت تتغيب طويلا . عندما تعود تكون مسهدة و في عينيها احمرار . كل شيء يوحي بأنها انتهت من معركة حامية الوطيس على سرير أحدهم . ما ذا سيفعل والدي اذا علم أن زوجته تخونه مع ألف رجل و رجل ؟ سيموت حتما . فليمت . ألم يخن والدتي حية و مية ؟جاءت زوجة أبي صعقت عندما رأتني أدخن :- هل جننت؟أجبتها ببرودة :- لماذا ؟ هل رأيتني قد نزعت الثياب عن مؤخرتي وارمي الناس بالحجارة ؟- وتدخينك علانية , أليس جنونا ؟- اذا كان تدخيني جنونا فماذا تسمين تصرفاتك هذه ؟بدت للحظة كتمثال شمع ثم أردفت كأنها لاتسمعني :- بنات العائلات لا يفعلن هذا .- معك حق بنات العائلات المحترمة لا يفعلن هذا, لكني لا أعيش بين عائلة محترمة , أنا أعيش مع قوادة فقط . والا مامعنى أن تتزيني كل يوم و تعودي ليلا مسهدة ؟ هل تظنيني غبية ؟ضربت المائدة بقبضة يدها وقالت :- هل تظنيني ملاكا ؟ والدك يسافر طوال العام اما في سيدي حرازم لمعالجة الكلاوي أوارفود لعلاج الروماتيزم أو في الحج أوالعمرة لغسل ذنوبه ويتركني وحدي . ألست امرأة و لدي أحاسيس ؟أجبتها بسخرية : - رائع انك تحسين كباقي البشر .لم تلتفت لسخريتي و قالت : - هل تظنين والدك ملاكا ؟- يكفي أنه تزوجك لينظم لزمرة الشياطين .- انك صغيرة لا تفهمين . والدك كل ليلة مع امرأة , هذه شقراء والأخرى سمراء واخرى لا أدري كيف هي . يجري وراء " الشيخات " , يعيش و كأنه هارون رشيد عصره , يتركني وحيدة و ينتظر مني أن أظل وفية له .كنت أعرف أنها محقة. دخلت غرفتي , أقفلت علي الباب. عاودت فتحه , وجدتها لاتزال مسمرة سألتها:- ماالذي أجبرك على الزواج من أبي وهو جاوز الستين , مريض بالكلي والروماتيزم والسكر و..- تزوجت والدك لأنه كان يجب أن أتزوج . أنا لم أختره . قلت لأهلي : لا أريده . قالوا : بلغت الثلاثين , أصبحت عانسا لا بد أن تتزوجيه . قلت لهم : أريد شخصا آخر , قالو : تزوجي و حبي من شئت . تزوجته قلت لأمي : زوجي دائم السفر, قالت : هذا لحسن حظك فماذا تفعلين برجل يظل بجانبك العمر كله يخنق أنفاسك .نزلت دموعها . دموع صادقة . انهاضحية مظلومة هي الأخرى .أخيرا حصلت على شهادة البكالوريا . لم يهتم أحد للأمر . عندما علم أبي بالخبر لوى شفتيه امتعاضا ثم قال :- بكالوريا آداب ؟ الآداب ما يوكل حتى خبز حافي .انه مصر اصرارا عجيبا على التنغيص علي والتنقيص من شأني . قلت بتأفف :- لا آداب ولا علوم يوكلوا الخبز هاذ الزمن .ارتشف شايه واغمض عينيه كأنه يفكر في أمر جلل ثم قال :- يكفي من وجع الراس , افتحي محلا لبيع الأحدية .أحسست برغبة في تحطيم أي شيء . لماذا لا يصمت ؟ - سأصبح صحفية . سأذهب لأخذ المعلومات من مدينة الرباط . لم أكمل عبارتي حتى صرخ كمن لدغته أفعى :- ماذا ؟ الرباط ؟ هل جننت ؟ أنا ابنتي تدرس في مدينة أخرى ؟ ولوحدها ؟- الرباط لا تبعد عن البيضاء الا بساعة زمنية واحدة . قاطعني بعنف :- الوقت خايبة. أنا أدرى بما يحدث . اني أسافر وارى العجب .- هناك بنات في مثل سني واصغر يسافرن للدراسة خارج أرض الوطن بموافقة أهاليهم .- هؤلاء زنديقات واهاليهن زناديق . الفتاة يلزمها دائما رجلا لحراستها و حمايتها .- حمايتها من ماذا ؟ هل تظنني في حاجة للسفر لآخر الدنيا للعيش على سجيتي ؟ يمكنني أن أمارس كل الأعمال الجهنمية بقربك وانت لاتدري .اصفر وجهه , نظر الي نظرة غريبة ثم قال :- ماذا تقصدين ؟- لا أقصد شيئا . كل ما في الأمر أنني لا أريد أن أكون تحت وصاية أحد . متى ستظل المرأة على هذا الحال ؟ تولد تكون تحت وصاية أبيها وأخيها , تتزوج فتصبح تحت وصاية زوجها واهله و عند وفاته تصبح تحت وصاية الأبناء . متى تملك المرأة زما م نفسها و تكون حرة ؟- اسمعي كلام الجرائد هذا لا يمزمني . قوليه هناك في المدرسة أوالجامعة . لكن في بيتي أنا من يقرر وانا من يحكم . لا سفر معناه لا سفر.رمى الفوطة بعنف وخرج . تركني ونيران متأججة في داخلي . كيف أستطيع اقناعه ؟ كيف السبيل لتحطيم هذا الجليد بيني و بينه ؟ شيء فظيع أن يرى الانسان أحلامه التي عاش سنوات عمره لأجلها تتحطم فجأة بسبب معتقدات بال عليها الزمن وافكار متعفنة . لقد تحطمت أشياء كثيرة بداخلي , لا الا هذا الحلم .خرجت من البيت أمشي عن غير قصد . التقيت رجلا بلا ملامح قال لي :- تذهبين معي ؟ بيتي قريب جدا من هنا .لم أفكر ركبت سيارة , ذهبت معه , وفي بيته نزع ملابسي لم أغضب لم أهتم كأن الأمر لا يعنيني . حتى جسدي أحسسته منفصلا عني و كل ما يحدث لا يعدو كونه فيلم من الأفلام الجنسية الرخيصة . فجأة تذكرت " قدور القدر " . نظرت حولي : ماذا أفعل هنا ؟ كنت مستلقية على ظهري و رجل ما يركبني . شعرت بالاشمئزاز , بالاختناق . أبعدته عني بكل قوة , تأوه , لبست ملابسي . سمعته يقول :- كنا مزيانين ياك لباس ؟ آجي غادي نزيدك عشرين درهم .ماذا سيفعل والدي اذا علم بالأمر؟ سيرغي و يزبد وزوجته تهدئه و ستقول له كخطيب يوم الجمعة :- انها مراهقة و صغيرة و قد أخطأت .و سأجيبها :- حتى أنت يا زوجة أبي أخطأت . أنا ذهبت مع رجل واحد لكن أنت ذهبت مع عشرات الرجال و حتى أبي خانك مع كل النساء . فلماذا تحاسبوني ؟ على الأقل أنا لم أخن أحد .سيصبح وجه زوجة أبي اصفر لأني فضحتها. لكن أبي لن يصفر وجهه لأن خيانة الرجل ليست كخيانةالمرأة . فعندما يخون الرجل زوجته يجدون له ألف عذر و يقولون انه رجل و يمارس رجولته و يشيرون بأصابع الاتهام لزوجته لأنها لم تحسن الحفاظ عليه . ونفس الرجال الذين نصحوه بالزواج منها سيقولون له طلقها أو علقها من ثدييها في ميدان عام وارجمها بالحجارة . و سيرجمها الناس بالحجارة كأنها المذنبة الوحيدة في هذا العالم . وستموت وازغرد أنا فرحا .دخلت البيت , قالت زوجة أبي و هي تشمني :- في جسدك رائحة الخمر والرجال .وبسخرية قلت :- رائع. بت تعرفين رائحة كل الرجال . أتعرفين ؟ كان الأجدر بك أن تعملي في سلك الشرطة , ليس شرطية طبعا بل كلبة لأنك تحسنين الشم .- ماذا لو علم والدك ؟- اخبريه . لكن لا تنسي أن تخبريه عما تفعليه في غيابه .صفقت الباب ورائي و دخلت غرفتي .لماذا فعلت هذا ؟ هل كنت أريد أن أبرهن لأبي أنني لست في حاجة أن أسافر الى آخر الدنيا لكي أفعل ما أريد ؟ !!أصبحت لي صديقة واحدةأحبها جدا . نخرج سويا , نتسكع , نمارس جنوننا بحرية . كيف التقيتها ؟ هي لا تدرس معي .التقيتها صدفة في الحافلة. كانت تبحث عن حافظة نقودها لتدفع ثمن التذكرة . بدت حائرة و خجلة. أدركت أنها لا تحمل نقودا ربما نستها . فتحت حقيبتي أشفقت عليها , أنقدت الموقف . شكرتني واصرت أن أرافقها الى البيت . كانت شقراء جميلة , قصيرة القامة و ترتدي حذاء بكعب عال جدا . كانت في مثل عمري . تسكن لوحدها في شقة صغيرة بعد أن ماتت والدتها .والدها لم تره أبدا . وشقيقها " حرك للطليان ". الشقة مكونة من غرفة كبيرة بها سرير واحد و كرسي و مطبخ أ ما المرحاض فهو مشترك مع الجيران . ظننتها طالبة لكن فوجئت عندما قالت بكل بساطة :- أنا خدامة في بار كانت والدتي تعمل به , عندما ماتت أخذت مكانها .استأذنت بضع دقائق عادت تحمل طفلة في حوالي الرابعة من عمرها لا تشبهها أبدا . قالت لي ك- ابنتي دعاء .قبلتها - لاتشبهك هل تشبه والدها ؟- لا أدري , ربما .صعقت , كيف لا تدري ؟ لاحظت دهشتي , ضحكت ضحكة بلا معنى وقالت :- أنا لا أعرف والدي و هي كذلك لا تعرف والدها . انها ابنة " الحرام " .كانت تتكلم بعفوية وصراحة شديدتين , لا تخجل من شيء . تقول كل ما تريد ومتى تريد لا يهمها أحد . حسدتها على شجاعتها . نظرت الى الطفلة قلت لوالدتها :- تبدو نحيفة جدا هل هي مريضة ؟- لا أدري , ربما العجوز التي أتركها عندها لا تطعمها جيدا مع أنني أدفع لها كل ما تطلبه , لكن يبدوانها تسرقني . لا يوجد ضمير . أتعرفين ؟ لقد كنت أتركها من قبل عند جارة أخرى تسكن في الشقة المواجهة لكن اكتشفت أنها تعطيها الخمر في " الرضاعة " حتى تكف عن الصراخ , لم أنتبه في البداية بل لم أنتبه لأي شيء أبدا فأنا أكون متعبة دائما , " أولاد الحلال " هم من أخبروني . كدت أقتلها بنت الحرام لولا أن الناس خلصوها من يدي , لكن " ربي كبير ذنوب ابنتي خرجوا فيها " لقد ضبطوها تبيع المخدرات فسجنت . ربي كبير.من يومها أصبحنا صديقتين حميمتين , اعطتني نسخة من مفتاح شقتها أذهب متى اريد , أرعى ابنتها بين الفينة والأخرى , نتسكع سويا . كنا نعيش حياتنا بلا عقد أو خوف ولا ممنوع ولا حشومة . لكن عندما اعود الى بيتنا اكون تلك الفتاة الطيبة الصامتة . ملابسي محتشمة , هيئتي تبعث على الاحترام و يحمر وجهي خجلا اذا ما كلمني غريب .في بيتها عرفت نجيب . كان يعمل في المكتب الشريف للفوسفاط . كان جزائريا . لم كين وسيما أو ثريا , كان شخصا عاديا قد تصادفه في طريقك فلا تلتفت اليه . لكنني وجدت فيه شيئا ما جعلني أنجدب اليه . ثم أعود واقول كيف كانت البداية ؟ بداية ماذا ؟ بداية الحكاية . لا أدري , كنا نتحدث او بالأحرى يتحدث يتكلم بعفوية . كنت استمع بأذني , بعيني بكل حواسي . أردت أن انصرف استبقاني قليلا , لم أجد ما أقوله . حاولت أن أنصرف استبقاني . تمنيت لو يتوقف العالم عن دورته الطبيعية , لو يحدث شيء قوي يقلب موازين الطبيعة فلا يتحرك الوقت أبدا وابقى معه . يومها خرجت من بيت إلهام وانا لا أمشي , أطير هي حالة ثالثة بين المشي والطيران . اصبح كل شيء مزينا بألوان الفرحة , كثياب الأطفال يوم العيد . وفي أنفي رائحته المميزة : رائحة الخمر والسجائر . رائحة غريبة وجميلة ورائحة الرجولة . قد يضحك مني أحد اذا ما سمع هذا الكلام , لكن لا يهم . يا إلهي ماذا يحدث داخل هذا الجسد ؟هذ ه الرأس ؟ هل هوالحب ؟ هل يمكن أن يحدث هذا من أول لقاء ؟ من أول حديث ؟ صورته آخر شيء أغلق عليه عيني واول شيء أفتح عيني عليه . بل أكثر من هذا أجده يتسلل الى احلامي يتسكع داخلها . ياإلهي مالي والحب والسهاد والأرق ؟ لقد كنت مرتاحة آكل واشرب وانام واتغوط كباقي البشر .عندما حاولت اقناع أبي ثانية بسفري الى الرباط للدراسة قال جملة واحدة :- ها السخط , ها الرضا .صمتت واخترت " الرضا " . التحقت بكلية الحقوق . قالت لي الهام :- انت انهزامية تستسلمين بسرعة. كان الأجدر بك أن تتشبتي برأيك و تدخلي الجامعة التي اخترتها أنت , لأنه مستقبلك أنت و ليس مستقبله هو .- لنفترض أنني تشبتث برأيي , من أين سأدفع مصاريف الدراسة ؟- عندما يجدك والدك متشبثة برأيك سيستسلم و يدفع لك ما تريدين .- اذن لا تعرفين أبي , لا يستطيع أحد أن يلوي دراعه.- لا أعرف بأي حق يتحكم هؤلاء الآباء في مصيرأبنائهم ؟ ماذا ستفعلين بليسانس الحقوق ؟ لا يوجد أكثر من المحامين في هذا البلد .- ماذا سأفعل بشهادة الحقوق ؟ سأعلقها في اطار مذهب واضع يدي على خدي وانتظر عريسا يملأ بطني أطفالا أمارس عليهم عقدي والقنهم أفكاري البالية , هذا كل شيء .- انك تمزحين .- لا أمزح قد يحدث هذا فعلا , كل شيء ممكن . أريد أن أدرس الصحافة , سأفعل ذلك بعد الحصول على ليسانس الحقوق .صفرت بفمها :- تدرسين بعد الليسانس ؟ و متى تتزوجين و تنجبين ؟- هل تصدقين اذا قلت لك أن أحلامي لا يدخل في ضمنها الزواج ؟ أريد طفلة نعم , كان هذا حلمي دائما لكن لا أريد زوجا .- و نجيب ؟صمتت قليلا ثم قلت :- نجيب ؟ لا أدري .- كيف لا تدرين؟ لقد كنت سعيدة به و كدت تجنين لأجله.كنت أنظر في اللاشيء و في عيني دموع متحجرة و حيرة . لا أعي ما حولي , شعور بالضياع والألم , كيف أعبر عما أعانيه ؟و عاودت السؤال:- ماذا يحدث بينكما ؟ هل طلب منك ..- أجل طلب مني كذا مرة أن أرافقه الى بيته وانت تعرفين البقية.أشعلت سيجارتها وقالت :- وماذا في ذلك ؟ هذه أمور عادية و قد سبق لك و ذهبت مع شخص ما .وبعصبية صرخت فيها :- أنت لا تفهمين , كيف أشرح لك ؟- اهدئي , قولي ما يجول بخاطرك لا تحاولي اختيار الكلمات و تنميقها تكلمي بعفوية .- لا أكاد أتصور انه سيلمسني هواو غيره , أحس بالتقزز , سأقول لك شيئا انني ارتعش بل أنتفض اذا ما اضطرتني الظروف أن أكون أنا ورجل ما لوحدنا حتى لو كنافي صعد .- أفهمك . لماذا لا تزورين طبيبا نفسيا ؟لست بحاجة لطبيب , أعرف عقدتي " قدور القدر" . - تعرفين عقدتك لكن لا تعرفين العلاج.- انسي هذا الموضوع . سأختلق أي سبب لقطع علاقتي بنجيب .صرخت في وجهي:- الى متى تؤجلين كل المواضيع ؟ تؤجلين تحقيق حلم الصحافة تؤجلين الفرحة والحياة . أنا أقول لك بكل صراحة ما ذا تنتظرين ؟ قد تغضبين مني لكن لا أعرف مراوغة الذين أحبهم :- تنتظرين وفاة والدك و بعدها لن يكون هناك من يحاسبك أو يتحكم فيك . كل واجد من أهلك في بيته و همومه و مشاكله. ساعتها تسافرين , تدرسين , تعالجين نفسك . واذا لم يمت والدك هل تظلين في انتظار الذي يأتي أولا يأتي ؟ هل تنتظرين " بابا نويل " يأتيك بالحل مغلفا في ورق ملون ؟ أم تنتظرين حورية من حوريات الأساطير القديمة تضرب بعصاها السحرية فتحيل سواد أيامك الى لون وردي ؟ كان وجهها محتقنا . جلست على الكرسي وهي تلهث من شدة الانفعال .أحسست أنني عارية أمامها . كيف استطاعت أن تقرأ أفكاري ؟جاء أبي من سفره ذات يوم و كنت وحدي في البيت . بدا حزينا قال لي :- اجلسي يا ابنتي أريد أن أتكلم معك .لم تعجبني كلمة ابنتي , أحسستها كنقطة زيت تطفو فوق السطح . ثم اني لم أتعود أن أتكلم معه في أي شيء . هو يصدر الأوامر فقط وانا أنفذ .جلست فقال :- اصدقيني القول , ماذا تعرفين عن زوجتي ؟شممت من سؤاله رائحة مؤامرة , شخص ما وشى بها عند أبي .قلت بغباء :- أعرف أنها زوجتك .بدا على وشك الانفجار:- انك تفهمين ما أعني فكفي عن استفزازي .- ماذا تريدني أن أقول لك بالضبط ؟- أجيبيني بنعم أولا : هل زوجتي سلوكها سيء ؟أحسست بقلبي يدق بعنف . هل أقول له نعم ؟ ما أسهل هذه الكلمة . أقول نعم و سيتعاركان و يتبادلان الاتهامات و بعدها هدوء وصمت " الطلاق " . ستحمل ملابسها و تعود لأهلها . لكن بعد ذلك يعود أبي للبحث عن امرأة أخرى ولا أدري كيف ستكون و تتكرر المهزلة . فلأصمت هذا أفضل .سألته بغباء ثانية :- هلا فسرت لي سلوك سيء ؟ضرب المائدة الرخامية بقبضة يده و قال بعد أن تجرع كوب ماء دفعة واحدة :- هل زوجتي تخونني ؟- وهل تخونها أنت ؟- أناا والدك ولا يجوز أن تطرحي علي أسئلة بهذا الشكل.- لا أكاد أفهم انكم تجيزون أشياء و تحرمون أخرى حسب أهوائكم .- بحق الله أجيبيني على سؤالي وارحميني من هذا العذاب.- حتى والدتي تعذبت في قبرها عندما خنتها و تزوجت بعد شهرين فقط من وفاتها , لم تحترم حتى ذكراها .- لقد فعلت ذلك لأجلك , لكي تكون لك ونسا ورفيقا. لم أكن أريدك أن تتعذبي : الدراسة , عمل البيت , غسيل الملابس , الطبخ ..- كنت على استعداد أن أتحمل الصديد الا زواجك . اتيانك بامرأة نزعت كل صور أمي من على الجدران أليس أشد عذابا ؟ وزجرها لي عندما كانت تجدني أبكي معانقة صور أمي أليس أشد عذابا و قهرا ؟- ألم تنسي بعد ؟ لقد مر الكثير على هذا.- حتى الموت لن ينسيني ما عانيت .- لم أكن أظن أن سؤالي سيجلب علي كل هذه المتاعب . أجلي المناقشة لوقت لاحق واجيبيني : هل سمعت أو رأيت شيئا يثبت خيانتها لي ؟- سأجيبك , لو خنتها أثناء أسفارك الكثيرة فهي كذلك خانتك هنا . واذا أردت أن تنزل بها عقابا فامنحها فرصة لكي تعاقبك هي الأخرى .رأيت وجهه أصفر كما لم أره من قبل. حتى عندما ماتت أمي لم يصفر وجهه بهذا الشكل . أذكر يومها قال بكل هدوء : " انا لله وانا اليه راجعون " و رأيته بعد ذلك يفكر, كنت أظنه يفكر في أمي لكن أكاد أجزم أنه كان يفكر في عروسه الجديدة .شدني أبي من يدي بعنف:- خيانة الرجل ليست كخيانة المرأة .قاطعته :- الخيانة ليس لها لون و جنس . الخيانة تبقى خيانة تصرف حقير و بشع . ما رأيك بطعم الخيانة ؟ أليس مرا ؟ أمي عانت منه كثيرا حية وميتة . حتى أمي كان الناس يقولون لها زوجك رأيناه مع فلانة , زوجك رأيناه مع علانة وكانت تبكي في صمت وعندما كنت أقول لها اغضبي وثوري لكرامتك كانت تقول لي من أين لي بالعيش الحلال اذا تركته ؟ و عندما تحضر كانت تغسل قدميك وفي عينيها ذل وانكسار . كنت أكره ضعفها و خضوعها . خنتها كثيرا و لم تخنك ولا مرة .- عيب أمك أنها سلبية اذا قلت لها هذا الشيء أبيض فهوابيض حتى لو كان أسود. اذا قلت لها موتي في هذا المكان تمت لحينها . وانا كنت في حاجة لامرأة تناقشني , تعارضني كنت أحس أنني أعيش وحدي في البيت. أفكر و حدي أقرر وحدي أمك تكتفي دائما بتحريك رأسها بالموافقة حتى لو لم تفهم ما أقول . كنت محتاجا لامرأة تحسسني بوجودها , تلبس أحسن اللباس لي و تتزين لأجلي .- وها أنت تزوجت امرأة تتزين وتلبس أحسن اللباس..بثرت جملتي . كنت اود أن أكمل : تتزين ليس لك وحدك ربما ليس لك أبدا بل للرجال الآخرين .- لماذا صمتت ؟ أكملي .- لافائدة من النقاش .- ومع ذلك لم تشف غليلي , جعلت الأمور أكثر تعقيدا بالنسبة لي .- لماذا لا تطرح عليها السؤال مباشرة ؟ سيكون ذلك أفضل .دخلت غرفتي . أقفلت علي الباب , نظرت في المرآة: كيف واتتني هذه الجرأة ؟ كيف قلت لأبي كل هذا ؟ نظرت جيدا في المرآة كنت أرتعش وعرق بارد يلف جسمي.حضرت زوجة أبي , لم يخبرها بأي شيء , لم يتغير أي شيء