16 أكتوبر 2006

جراح الروح والجسد٢


أعرف كل شيء واصمت. لأنه لن يصدقوني. لن يصدقوا أنها كانت تأخذني الى تلك الشقة في منطقة على أطراف المدينة . كنا ندخل تلك الشقة المتعفنة التي تنبعث منها رائحة البول والنتانة , كان هناك نسوة كثيرات من مختلف الأعمار والأحجام والألوان . تترأسهن عجوز شمطاء , عيناها لا تهدآن عن اللمز والغمز, ترتدي الحجاب والجميع يناديها بالحاجة . شكلها يبعث على الاشمئزاز . تأخذني " الحاجة " الى غرفة وسخة , تعطيني بعض " الحلوى والشاي " و قبل أن تقفل الباب علي تقول :

- غادي ندير لأختك " اللدون " و نبخرها , فيها " المسلمين ". أنت صغيرة حتى تكبري و نبخرك. تقفل الباب و تذهب . أنظر من ثقب الباب أرى نساء و رجالا في غرفة بعيدة . أراهم بصعوبة , لا أستطيع تمييز وجوههم . لكن أصواتهم و ضحكاتهم كانت تصلني بين الفينة والأخرى , ضحكات كنباح الكلاب.

مرة حاولت الثورة . سباب و شتم , دخلت في معركة كلامية مع خديجة. سباب و شتم منها و مني . ولا أدري كيف تطور الأمر فأصبح معركة بالأيادي . خلصتني والدتي من يدها . يومها قلت كل شيء لوالدتي وامام جميع شقيقاتي :
السينما , الرجال , كل الملفات السوداء . أخذت خديجة تبكي بهستيريا و تضرب رأسها بالحائط والدم ينزف من أنفها , و تقسم بالله و مكة والقرآن ولا أدري ماذا كذلك أن ما لأقوله كذب و تلفيق . و تبحث عن مصحف لا تجده و تحلف بقطع يديها واصابتها بالسرطان , - السيدا لم تكن مجودة آنذاك - أنا نفسي فوجئت بقدرتها الفائقة على التمثيل . كيف لم يكتشفوها بالسينما ؟ ممثلة بارعة .
هدأتها والدتي و قالت كحسم للموقف :

- اذا كنت محقة في ما تقولين - والكلام موجه لي - فلنذهب الى هذه الشقة لأرى بنفسي .
واسقط في يدي . لقد ذهبت الى هذه الشقة مرات كثيرة , لكن لا أستطيع تحديد المكان بالضبط . توجد في بعض الحواري والأزقة المتشعبة والمتشابهة . لم نكن نسلك طريقا واضحا . خديجة كانت ذكية تسلك بي طرقا ملتوية , ربما كانت تحسب حساب هذا اليوم . و كررت والدتي السؤال :

- أين توجد هذه الشقة ؟ خذيني اليها .
- تلعثميت :
- كنا نركب الحافلة و تتوه الكلمات ولا أعرف تحديد المكان . تستشيط والدتي غضبا . أنظر اليها . أعرف تتمنى والدتي لواكون كاذبة و كل ما أقوله افتراء . لا أعرف تحديد المكان . ترفع يدها و تصفعني . صدقت خديجة وكذبتني . من يومها قررت الصمت . تشتري لي الملابس بنقودها المدنسة , تأخدني الى السينما , تستري لي " الزريعة " و " كاوكاو" , تذهب الى الجحيم وابقى في الحديقة أنتظر عودتها الميمونة . أشتري اسفنجة مليئة زيتا , أنظر للمارة , يأتون , يذهبون , يضحكون , يصرخون , وراء كل شخص حكاية . أحاول أن أتخيل حكاية كل واحد يمر أمامي . مثلا هذا الشخص الذي يجلس على المقعد المواجه لي بجانب حبيبته ماذا عساه يقول لها ؟ ما هي هذه المواضيع المهمة التي يحكيها لها ؟ و لماذا هي مطأطئة راسها ؟ و هذا الرجل القميء القبيح , يبدو موظفا جد بسيط . لا بد أنه متزوج و لديه دزينة من الأولاد , و لديه بنت مثل خديجة , تذهب مع كل الرجال لكي تشتري أساور ذهبية تملأ بها الخزانة؟ أمل هذه اللعبة. أرى شرطيا. أسرح بأفكاري ثانية , أتخيلني رجلا شرطيا طويل القامة . ألقي القبض على " قدور القذر" أضربه ضربا مبرحا في بطنه . أحمل سيخا حديديا أضعه في النارحتى يحمر واكوي قضيبه حتى ينتفخ واراه يتلوى أمامي من الألم . يركع عند قدمي يقبلهما وانا أرفسه بقدمي و بعنف واغرز أظافري في وجهه حتى يسيل الدم واعلقه في ميدان عام و يرجمه الأطفال بالحجارة و يموت . تأكل الكلاب جثته النتننة . تهزني يد بعنف. أستفيق من حلمي الرائع . كانت خديجة , أتت من عند صديقتها الاخوانية و في يمناها سلة مليئة بأشياء كثيرة . كان يبدو عليها العياء . تحاول امساك يدي , أتملص منها أعبر الشارع و حدي , تسألني كالمعتاد :
- أين كنا ؟
- أنا شخصيا كنت في الحديقة , اما انت فلا أدري .
تصرخ في و جهي :
- نحن الاثنتين كنا عند صديقتي الاخوانية .
أنظر اليها بكره واستهزاء :
- واي سورة شرحتم اليوم ؟
- رأسي تؤلمني وليست لدي رغبة في مجادلتك . أنظري هذه السلة المليئة جبنا وشوكولاطة وساعة يد لك أنت .
- ساعة يد ؟ و لي أنا ؟
- نعم و من أحدث طراز . اسمعي قولي لأمي أنك وجدتها في الحافلة .
- لا أحب الساعات و لن أقول شيئا .
- بل ستقولين والا فاني سأختلق أية حكاية لسجنك في المرحاض المظلم المليء بالصراصيروالفئران والعفاريت .

ابتلعت ريقي بصعوبة . المرحاض في حد ذاته لا يخيفني , لكن الصراصير والفئران والعفاريت ؟ لا. قلت باستسلام :
- حاضر سأفعل ما تريدين . صمتت قليلا ثم سألتها :
- ألا تخافين الله ؟
فغرت فاها ثم قطبت حاجبيها و قالت :
- لماذا تسألين ؟ و لماذا أخاف ؟ هل أسرق ؟ هل أعترض طريق المارة واسلبهم أرزاقهم ؟
قلت ببرود :
- لا. تذهبين مع كل الرجال فقط .
لم أحس الا و كفها القوية تهوي على صدغي و نجوم ملونة أمام عيني .
- هذه الليلة سأعلقك في المرحاض . لا أكل ولاشرب يا بنت الكلاب .

أتذكر كل شيء بوضوح كأنه حدث بالأمس فقط . أول مرة دخلت فيها المدرسة , الصفعة رقم ألف , الاغتصاب واول سيجارة . قال لي :
- اسحبي نفسا عميقا و حاولي أن تنفثي الدخان من أنفك . أجل هكذا.
كنت أسعل بقوة وامسح الدموع من عيني . كان بوابا باحدى العمارات في سن أبي أواكبر قليلا , يرتدي جلابية بنية عفنة و طاقية مراكشية . كنت برفقة خديجة . قالت له :
- أريد أن أغير ملابسي و سأترك هذه أمانة عندك , واشارت الي .
شعرت بالخوف . الى أين تنوي الذهاب ثانية ؟
أمسكت يدها . زجرتني :
- اجلي هناك .

أتكوم في ركن الغرفة , تنزع جلبابها الرمادي و منديل رأسها . ترتدي فستانا أسود ضيقا جدا , فوق الركبتين بكثير, يكشف عن استدارة نهديها , يفضح أكثر مما يستر. تلبس حذاء بكعب عال جدا . تنظر في بقايا مرآة مكسورة و تضع الأحمر والأزرق والأخضر و تقرص خديها و تنظر لمؤخرتها و تعصر نهديها بكلتا يديها . تبتسم في رضى و تقول :

- اجلسي هنا عمي ابراهيم سيأتيك بزجاجة كوكاكولا.
- لاتتركيني مع أحد أرجوك .
تدفعني بعنف :
- لن أبتعد كثيرا سأكون بالطابق الأول .
- خذيني معك أرجوك .
- صديقتي مريضة ولا تحب الاطفال.
- لم أعد طفلة .
ذهبت . لماذا لاينتقم الله منها ؟ في كل الأفلام التي نراها يعذب الله الأشرار و ينتقم منهم و ينصر المظلومين . لكن متى ينتقم الله منها ؟ متى ينتهي هذا المسلسل ؟ يبدو ان الأشرار يموتون في الأفلام فقط أما في الواقع شيء آخر.
ابتسم " عمها ابراهيم " بعد أن ناولته خديجة بعض النقود . نظر الي وابتسم ثانية. افترت شفتاه الغليظتان عن أسنان صفراء صدئة . سألني وهو ينظر الي من فوق لتحت :
- كم عمرك ؟
لم أجبه. عاود النظر الي و قال :
- استديري .
أحسست بقلبي يكاد يتوقف عن الخفقان . الرجل الأسود , الحرق في فخذي و " قدور القذر". صرخ في وجهي ثانية :
- استديري .
استدرت نصف دورة وكنت أنظر بتوجس و حذر. لوى شفتيه امتعاضا و نظر الي كأني طعام حامض :
- انك نحيفة , ألا تأكلين ؟ أوف نحيفة جدا , لكن عندما تكبرين ستصبحين مثل أختك سمينة جدا و ستصبح هذه - واطبق على مؤخرتي بكلتي يديه –مليئة شحما و لحما, ستصبح شهية .
هربت من قبضته ووقفت قرب الباب المغلق :
- أين أختي ؟ خذني اليها .
ضحك ضحكته الكريهة و ظهرت أسنانه الصدئة :
- أختك فوق.
وشكل صفرا بيده اليسرى وادخل فيها سبابة اليد اليمنى بطريقة وقحة واكمل :
- عندما تكبرين ستصبحين مثلها " تدربك من دابا " .
حاولت فتح الباب , لكنه كان مغلقا بالمفتاح . ضحك ملء شدقيه ثم قال:
- تعالي أريك شيئا سيعجبك .
رفع جلبابه واخرج قضيبه . رجلاي كالقطن . قلبي .خديجة حرام عليك . تحسست الحرق في فخذي . المرحاض المظلم المليء بصراصير وعفاريت و فئران , سيخ امي . تبولت بلا شعور وأنا أرتعش.
رفع سرواله وقال بغضب :
- الله يلعن والديك , مسحي الأرض .
سمعت طرقا بالباب . كان رجلا آخر ناول البواب شيئا ما و ذهب . أخذ يقطع ذلك الشيء بسكين حادة حتى أصبح كمسحوق الحناء ووضعه في " السبسي" واخذ يدخن ثم قال :
- اقتربي .
ناولني " السبسي " ثم قال :
- اسحبي نفسا عميقا واخرجي الدخان من انفك هكذا .
سعلت بقوة . مسحت الدموع من عيني أخرج شوكولاطة رخيصة و قال لي :
- خذي هذه لا تقولي لأختك شيئا .
أخذتها وعندما استدار رميتها تحت السرير .
أخيرا جاءت خديجة . اختفت المساحيق من وجهها تماما. وقالت ل " عمها ابراهيم " :
- هل سببت لك هذه " البرهوشة " مشاكل ؟
نظر الي ثم قال :
- بالت على نفسها .
صفعتني ثم قالت :
- الله يمسخك .
ناولته النقود ثانية . نزعت ملابس " العمل " وارتدت الجلابية والبلغة ووضعت المنديل على رأسها كأنها مريم العذراء انتهت للتو من صلاتها .
فتح عمها ابراهيم الباب و خرج هوالأول ليطمئن أن الزنقة خالية من المارة . سمعناه يتحدث لرجل ما ويرحب به . نظرت خديجة من فتحة الباب و شهقت :
- أبي .
حاولت أن أنظر سحبتني بقوة . أغلقت الباب . كانت ترتعش . اصفر لون وجهها واستندت للحائط . دخل عمها ابراهيم وقال :
- الزنقة خالية . مالك ؟
سألته خديجة :
- من ذاك الرجل الذي كنت تتحدث اليه ؟
نزع طاقيته و حك صلعته ثم قال :
- هذاك الحاج . غني جدا , ياه " عنده اللي يتحرق ما يتم ". يأتي من حين لآخر عند الحاجة يفرج عن نفسه . يصرف في اليوم الواحد مرتب موظف محترم . الحاجة تختار له كل مرة أجمل البنات عندها . قد يأتي دورك يوما ما .

كان يتحدث و خديجة تزداد اصفرارا . لم تجبه . سحبتني بقوة واخذت تركض خارج العمارة . تركض و تركض كأن كل العفاريت الموجودة تحت الأرض و فوق الأرض تتعقبها. رجلايا كالقطن يا خديجة يا مجوسية . لا أستطيع الجري . أبي ماذا تفعل أنت الآخر هناك ؟ تبذر أموالك في تلك الشقق و خديجة تأتي بها من هناك . أية سخرية ؟ لم أعد أستطيع الجري . كانت تسحبني . فقدت القدرة على الوقوف . سقطت . جرحت ركبتي . لم تعبأ بي . دخلنا محلبة كنا نلهث.. الدم يسيل من ركبتي و قلبي لماذا لم يتوقف لحد الآن عن الخفقان ؟ و ضحكات بواب العمارة , أسنانه الصدئة , ستصبحين مثل أختك . أختك قحبة كتدربك من دابا , مؤخرتك ستصبح مليئة شحما ولحما, الدم ينزف من ركبتي ورائحة العرق ممتزجة برائحة البول تعطي خليطا يبعث على التغوط .
- تريدين كوكاكولا أو حليب رائب ؟
حليب رائب يا مجوسية ؟ رشوة هذه أم ماذا ؟ بالله عليك لا أريد شيئا , أريدك أن تغربي عن سمائي , أريد سما اسأليه ان كا ن لديه سم .
أخذت زجاجة كوكاكولا و شربتها دفعة واحدة . مسحت العرق عن وجهها , كانت تتمتم وحدها :
- الى درت شي حسنة وقفت لي اليوم .
حسنة ؟ عن أي حسنة تتكلمين ؟ هل ما كنت تفعلينه في الطابق الأول حسنة ؟ و ما كنت تفعلينه في الشقق المعفنة الأخرى حسنات ؟ دخلت متسولة , أعطتها عشرين فرنكا وهي تتلو شيئا في سرها . هل العشرون فرنكا التي أعطيتها للمتسولة هي التي ستدرؤ عنك الشر ؟ هي الحسنة ؟
كانت لاتزال تكلم نفسها:
- لوالتقيته وجها لوجه ماذا كان سيحدث ؟
تضرب فخذيها بكفيها . نظرت الي ثم وضعت يديها على عينيها ثم على أذنيها ثم على فمها. فهمت. لا أرى , لاأسمع , لا أتكلم . أتكلم ؟ لست على استعداد أن أبيت ليلتي في المرحاض .

دخلنا الى البيت كانت والدتي غاضبة جدا لتأخرنا وقبل أن تفتح أمي فمها سحبتها خديجة من يدها كمعزة تائهة وقالت لها:
- كنت عند فقيه
- الفقيه السوسي ؟
- لا فقيه آخر كيشوف في عظم اليهودي ؟
نسيت والدتي غضبها و كل ما حضرته في غيابنا من خصام وسب وشتم و فتحت عيناها دهشة . أما أنا فلم أعد افتح فمي دهشة و لم تعد تتسع حدقتاعينيَّ . مع خديجة أنتظر كل شيء واي شيء . ( أكملي حكايتك , ماذا رأى الفقيه في عظم اليهودي ؟ أعرف ما ستقولين مسبقا وأي حكاية ستحكين . احكي يا شهرزاد . شهرزاد سترفع راية الاستسلام أمام حكاياتك العجيبة , وامي طفلة صغيرة تصدق كل الحكايا والأكاذيب .
- قال الفقيه أن أبي فاسق .
- فاسق ؟ كيف ؟
- قال انه يذهب لدار قوادة و يصرف كل أمواله هناك .
هزت أمي كتفيها بلا مبالاة :
- انه يكذب . والدك يصلي كل وقت بوقته , ويصوم كل يوم اثنين و خميس .
- طلبي التسليم يا أمي .
- التسليم .
يأتي أبي ليلا , يامر والدتي بتجهيز الحمام , يصفر وجه أمي تقول له :
- لقد أخذت حمامك صباحا وليس من عاداتك أن تستحم مرتين في اليوم الواحد .
- لقد تعبت في المحل . شغل كثير و عرقت . ثم أنت ما شانك ؟ انا حر. أستحم مرتين أو عشرة في اليوم الواحد , أنا من يدفع فاتورة الماء والكهرباء .
تبادلت خديجة ووالدتي نظرات ذات مغزى . دخلت والدتي المطبخ , تبعتها خديجة وقالت لها بانتصار :
- شفت ؟ الفقيه عنده الحق .
صمتت والدتي و محت دموعها.
صرخت فيها خديجة :
- لماذا تبكين ؟ فيقي من الغفلة . هذه الأموال التي يصرفها على القحاب نحن أولى بها.طبعا ما دمت لا تطلبين منه لا جلالبية ولا دمليج , و يرمي لنا كل يوم فرنكات و ينصرف . عندما تكثر الأموال في يده يصرفها على الأخريات . و قد قال عمي ابراهيم ..
و تقاطعها والدتي :
- من هو عمي ابراهيم ؟
تتلعثم خديجة :
- أ.أ. أقصد الفقيه ينادونه عمي ابراهيم . قال أن أبي يصرف باسراف . عندما يأخذ حمامه و يتعشى قولي له أن يشتري لك جلبابا ولا تنامي حتى تأخذي النقود منه .
تنفذ والدتي كل الأوامر . كأن خديجة تحمل آلة للتحكم عن بعد تسيرها كما تريد . تتصرف والدتي دون تفكير أو عقل أجلس أنا و خديجة في غرفة النوم ننتظر نتيجة المفاوضات . نسمع صراخا وضربا و بكاء , فنعلم أن النتيجة فاشلة . تأتي أمي الى غرفتنا تنام معنا. ليلا أتسلل اليها . أنام في حضنها , ادفن رأسي بين ثنايا عنقها , أسرق بعض الدفء والحب وأنام .

أحاول أن أتذكر الأشياء الجميلة في حياتي , فلا أكاد أجد شيئا. حياتي ليس فيها سوى الخوف والحزن والمرض .

أتذكر أول مرة أحببت فيها, و مع ذلك لا أدري ان كانت ذكرى محزنة أم جميلة . كان يسكن في حينا و في العمارة المواجهة لبيتنا. أصعد الى السطح واطيل النظر اليه. كان وسيما كثيف الشعر أسوده و ذو شارب كث و عيناه خضراوان. كان يشبه نجوم السينما. لم يكن من أبناء بلدي ولم أكن أعرف اسمه أو ماذا يفعل فلذلك أسميته " حسن " و تخيلت أنه طالب في كلية الطب , وانه مصري الجنسية .

كنت أعرف متى يذهب الى الكلية و متى يأتي منها. أطل من الشرفة , ألتهمه بعيني . لوينظر الي فقط ؟ لكن لم يكن يحس بوجودي أبدا . أحببته بكل قوة فتاة تبلغ السادسة عشرة من عمرها تعاني الكبت والحرمان . حكيت لزميلتي في القسم عن حبي اليتيم , أملت علي فكرة جهنمية : أكتبي له رسالة و سأرميها تحت عقب باب بيته . " هكذا قالت . فرحت . كيف لم تخطر ببالي هذه الفكرة ؟ كتبت رسالة ملتهبة و بقلم أحمر ووضعت في قلب الرسالة وردة حمراء و لكن المضحك المبكي في الأمر أن صديقتي رمت الرسالة بالخطأ تحت عقب باب أناس يسكنون بالطابق الرابع في حين أن " حبيبي " يسكن في الطابق الخامس . وكانت الفضيحة . علم أهلي بالخبر . استنطاق جديد و ضرب و بكاء , ألم , حراسة مشددة و لم أعد اذهب الى المدرسة لوحدي بل برفقة " قدورالقذر" لكي " يحرسني " و " يحميني " . و كل شيء من أجل الحبيب يهون وأنا أنتظر أن يأتي حبيبي و ينقذني مما انا فيه و نتزوج و نعيش في ثبات و نبات و نخلف صبيان و بنات . هكذا علمونا في الأفلام المصرية . لكن حبيبي لم يكن يعلم بما يحدث حوله أو يعلم و يتجاهل . و عاد الى بلده , وقدا كان لبنانيا وليس مصريا واسمه " نايف " وليس " حسن " و يدرس الحقوق و ليس الطب .

كبرنا جميعا . " قدور القذر" سافر الى فرنسا و تزوج فرنسية وانجب منها . و تزوجت جميع شيقاتي الا خديجة , تجاوز عمرها الثلاثين سنة . أصبحت عصبية أكثر من المعتاد . تكاد تجن . كانت على استعداد أن تفعل أي شيء من أجل الزواج . لم تترك فقهاء ولا عرافات . جربت جميع الوصفات دون جدوى . و كانت تتقرب من كل امرأة تعرف أن لديها ابنا أو شقيقا في سن الزواج .

أخيرا تصيدت عريسا . كان وسيما جدا . أنيقا يرتدي دائما بدلة و ربطة عنق و حذاء لامعا. ورائحة عطره تسبقة . لكن ما ان يتكلم حتى يصبح المرء يطلب شيئا واحدا : متى يقفل هذا الشخص فمه ؟ كان لا يحسن الا شيئين اثنين : الأكل أو الحديث عن أصناف الطعام . و عندما يصمت فلأن عيناه مثبتتان بكل وقاحة على مؤخرة زوجة أخي الممتلئة شحما و لحما . لم يكن شخصا يبعث على الارتياح أبدا . كانت خديجة تبدو متلهفة عليه . ما ان يحضر حتى تتلاشى أمامه , وكان ينظر اليها بتعال و يعاملها بلا مبالاة . شيء غير محدد جعلنا نحس أن في الموضوع حكاية غير مريحة .
في يوم ما جاء شقيقي و قال لي :
- سمعت خديجة بالصدفة توصي ساعي البريد أن يحتفظ لها بجميع الرسائل البنكية ويسلمها لها شخصيا واعطته ورقة نقدية من فئة خمسين درهما.
- أحسست بالوساوس والشكوك تملأ رأسي لكن تظاهرت باللامبالاة :
- نقودها و هي حرة فيها, تفعل بها ما تشاء .
- نقودها ؟ أريد أن أفهم شيئا واحدا : كيف يكون لها رصيد ضخم بهذا الشكل و هي لا تعمل ؟
- أنت تعرف أن الرصيد مشترك بينها وبين والدتي . ووالدتي تضع النقود التي تحصلها من الايجار و..
أسكتني باشارة من يده :
- لاتكملي . أنت تحاولين اقناعي بشيء أنت لست مقتنعة به أصلا . البيت الذي تملكه والدتي لا يزيد عن غرفتين في المدينة القديمة , وايجار الغرفتين يكفي بالكاد لشراء علبتي سجائر و " سندويتش " , و خديجة لها رصيد بالملايين جعلته مشتركا مع والدتي للتمويه فقط . لست غبيا .
صرخت فيه بعصبية :
- مادمت لست غبيا فلماذا تكثر من طرح الأسئلة ؟
- أريد أن أواجهها واعرف من أين لها كل هذه النقود ؟
بعصبية اكبر صرخت فيه :
- واجهها اذن ماذا تنتظر؟ انها بالطابق الثاني تحضر لوازم عرسها , اذهب واسألها. لكن بودي لواسالك أنا كذلك : لماذا لم تسألها قبل الآن ؟ لماذا لم تقل من أين لك هذا عندما كانت تدفع مصاريف دراستك في المدرسة الراقية الحرة التي اخترتها عوض الجامعة ؟ أربع سنوات و هي تدفع مصاريف دراستك و ملابسك و مصروف جيبك و لم تفكر في طرح أ ي سؤال عليها , والآن بعدما تخرجت واصبحت في مركز مرموق أصبحت تطرح الأسئلة و تستعرض عضلاتك و رجولتك .
احمر وجهه , تلعثم , كور قبضته و ضرب المائدة الرخامية :
- ماذا تقصدين ؟ أنني كنت أعرف و..
- لم تكن وحدك تعرف , كلكم , كلنا.
انصرف و يلعن جذور أجدادنا جميعا.
و بعد أسبوع جاء شقيقي ثانية و علامة الانتصار بادية على وجهه و بيده رسالة :
- لقد صدق حدسي . أنظري هذه رسالة من البنك . لقد سحبت خديجة سبعين ألف درهم على دفعتين , أنظري جيدا .
و نظرت جيدا . أجل لقد سحبت سبعين ألف درهم ثم قلت ببلاهة :
- ماذا يعني هذا ؟
- سأقول لك ما ذا يعني . لقد اشترت عريسا . أجل هي من دفعت مهرها واكترت الشقة واثثتها و جهزت نفسها. هذه كل الحكاية .
كنت أعرف انه صادق في كل شيء لكن قلت له :
- لا تتعجل في حكمك عليها , ربما سحبت النقوذ من أجل شيء ما .
- مثل ماذا مثلا ؟ لماذا تدافعين عنها ؟
- اقترب عرسها ولا نريد مشاكل , هذا كل ما في الامر.
- هذا الزواج لا يجب ان يتم . سأواجهها .
افعل ما بدا لك , لكن اتركوني و شأني .
- انني أنتظر قدومها, ستسمعين و سترين , ولن أترككها حتى تعترف من أين أتت بهذه النقود اولا وبعدها أين تبخرت ؟
واتت خديجة فرحة , تحمل لفافات كثيرة . كانت تنادي على والدتي وامينة لتريهما ما تحويه اللفافات .
بعدها جاء شقيقي مكشرا ووضع ورقة البنك أمام عينيها وقال لها :
- مامعنى هذا ؟
تلون وجه خديجة بكل الألوان , كانت يداها ترتعشان وهي تمسك الورقة ثم قالت متلعثمة :
- من أين أتيت بهذه الورقة ؟
- لايهم من أين أتيت بها, المهم أن تشرحي من أين لك بهذه الملايين واين تبخرت ؟
- على ما يبدوان البنك ارتكب خطأ ما سأذهب فورا اليهم .
أجابها بسخرية :
- الأبناك مغلقة أيام الأحاد .
- اذن سأذهب اليهم غدا .
- أنت لن تذهبي الى أي مكان لأنك تعرفين أين صرفت هذه النقود , لقد اشتريت بها عريسا , و دفعت بها مهرك وايجار الشقة و جهزت نفسك .

كانت والدتي تجيل النظر اليهما فاتحة فاها وهي لا تكاد تصدق ما تسمع . عادة عندما لا تجد خديجة ما تدافع به عن نفسها فهي تنخرط في نوبة بكاء هستيرية و يزرق وجهها و تحلف بقطع رجليها ويديها و مؤخرتها واصابتها بالمرض الخايب,( هل يوجد مرض زوين ؟) ثم تسقط أرضا .. تأخذ في الركل بقدميها ويديها كأنها في حلبة المصارعة ... تتدلى شفتها السفلى .. يخرج الزبد من فمها و تصرخ والدتي جزعا :
- المسلمين , المسلمين , اعطيوني السوارت .
وتضع المفاتيح في يدها و تقرأ والدتي كل ما تحفظه من سور قرآنية بكثير من الأخطاء - كل ماتحفظه المعوذتين والفاتحة - وتهدأ خديجة رويدا رويدا. تأتيها أمينة بكأس ماء مذاب فيه قطعة سكر . يتعاون الجميع على حملها فوق السرير . نتركها لتنام . يبتلع شقيقي لسانه و ينصرف كما سبق لي وابتلعت لساني و صمتت .

فجأة ودون سابق انذار ماتت امي .هكذا فجأة . كان كل شيء هادئا في ذلك الصباح الخريفي . في ذلك اليوم رحلت والدتي حاملة معها أحزانها و همومها وانزوت بعيدا بسنواتها الخمسين .
كانت تحس آلاما في قلبها , حملتها شقيقتي الى الطبيب و بعد ذلك بساعات سمعت صرخة : أمي ماتت , أمي ماتت .
قبل و فاتها بأسبوع , أمسكت يدي و هي مسجاة على ظهرها و قالت لي :
- سامحيني يا ابنتي .
أحسست بالمرارة في حلقي . ابتلعت ريقي و قلت لها
- على ماذا أسامحك ؟ أنا من يطلب عفوك ورضاك .
كانت تبكي . عاودت امساك يدي :
- سامحيني على كل ما فعلته لك في الطفولة , أنا أمية لا أفهم في أصول التربية . خديجة كانت تسيرني , كنت أصدق كل ما كانت تقول . فهمت متأخرة كل أكاذيبها لكن الأوان فات . والدك ألغى شخصيتي واختك ألغت علقلي . كنت كالآلة أفعل ما يأمراني به . ظلمتك يا طفلتي , ظلمتك .

أنتحب . أبكي بصوت مسموع . ليتك فعلت هذا قبل الآن بكثير لكنت جنبتني آلآما نفسية كثيرة . لم أكرهك أبدا.. أبدا أمي بل لم أفكر في عتابك , كنت أفهم كل شيء . فهمت كل شيء مبكرا . كنت أعلم أنه لا حول ولا قوة لك . كنت طفلة لا تعرفين من أمور الدنيا الا ما تحكيه خديجة من أحاديث ملفقة
أحبك أمي .

حملوها واستقبلوها القبلة , نزعوا عنها جلبابها و غطوا وجهها بازار أبيض . كنت ألمس يدها , أجس نبضها , حبل الوريد في عنقها لعله ينبض . كيف تموت ؟ بكيت بحرقة . نزفت الدماء من أنفي , أغمي علي , أخذوني الى المستشفى و عندما عدت كانوا قد أخذوها الى متواها الأخير .

ذهبت أمي دون وداع , دون أن تضميني اليك , أشتاق اليك , أتمنى لوادفن رأسي بين ثنايا عنقك واستنشق عطرك الرائع مازلت أراك أمامي تعجنين الخبز الأسمر و تطبخين الطعام , أراك في الغرفة الكبرى تسبحين و تصلين , حتى في أحلامي أراك .. أبثك أشواقي , نتعانق , أستفيق.. أراك وقد خنقتي الدموع , أندم لأني استفقت واخاف أن أنام ثانية .. فأراك في حلمي وانهض لأجد الفراغ

07 أكتوبر 2006

جراح الروح والجسد١


حاولت مرارا أن أبدأ. كنت أحمل قلمي ..أوراقي البيضاء ، منزوية في ركن الغرفة. أمرر القلم على ورقتي بطريقة عشوائية .. مسرِّحةً أفكاري بعيدا، في ذلك الماضي البعيد.
عندما أستفيق من شرودي أجدني قد رسمت ندوبا .. وخطوطا كتلك التي أحملها في ذاكرتي .

لماذا أنبش الماضي ؟!
لماذا أنكأ الجراح ؟
لكي أرتاح .. و لن أرتاح الا اذا تقيأت على وجوههم كلَّ ما ظل حبيسا في جوفي طوال هذه السنين. لا داعي أن أنشر الغسيل الوسخ على الملأ ؟ بل سأنشره ؛ نعم .. نعم / وسيراه الجميع دون ابطاء .
لم يعد يهمني أحد. طز في الجميع أقولها بأعلى صوتي.
آه يا ذاكرتي .. يا ابنة الزانية ، كانك لقيطة الطرق .
لماذا لم أفقدك كما فقدت كل شيء؟!
لماذا لا يملك المرء ممحاة في مكان ما من الجمجمة تمحو كل الأشياء المحزنة والسيئة ؟!
أحاول الهروب من الماضي غير البعيد ، أجده يقف أمامي كغول خرافي يخرج لي لسانه ساخرا ، بكل جرأة . لن أتخلص منه. انه يلبسني كجلدي تماما، انه أخطبوط شيطاني يلتف حول عنقي ، يخنقني .
هذه المرة لن أهرب من ذاكرتي .. سأحكي ؛ وأحكي لأرتاح .

قبل اليوم .. كنت كسرت ألف قلم و قلم .. بكيت ألف مرة.
اليوم لملمت ما تبقى من شجاعتي ؛ و قررت أن أحكي كل شيء من دون خوف أو حشمة ... أو عيب...سأحكي بكل جرأة...سموني ما شئتم زنديقة...مجنونة...فما عدت أهتم...لقد طفح الكيل.
... بعد المدرسة كنت ألعب مع أبناء حيي نلعب لعبة العسكر واللصوص والبلي و عندما أتعب أجلس مع صديقاتي نلعب بعرائسنا نغير ملابسها , نضمها لصدورنا كما تفعل أمهاتنا معنا .

كنت أبحث عن مخبأ حتى لا يكتشفه الأصدقاء أين أختبئ؟ وراء سيارة؟ لا المكان مكشوف ويسهل القبض علي...أختبئ في حديقة المسيو جورج جارنا؟ لا...ذلك اليوم أمسك بطارق وهدده بأن يضعه في جراج الفيلا مع كلابه الخمسة. من يومها لم نعد نقترب من بيته . أين سأختبئ ؟.. اعترض طريقي رجل أسود، طويل جدا و نحيف . يا الهي كم هو طويل و بشع! شعره أكرث و كثيف يصلح عشا للحمام، وشفتاه كقطعة مقانق ويرتدي قميصا برتقاليا أزراره العليا مفتوحة تكشف عن صدر نحيف كالمشواة، و يلبس بنطلونا من الجينز ضيق من الاعلى ، واسع جدا من الأسفل..و لديه دراجة. قال لي :

ـ هيا معي ، والدك يريدك .
ولان والدتي تحذرني من الحديث مع الغرباء فقد ابتعدت عنه . أين أختبئ؟ سأذهب الى المزبلة.. لكن لا انها نتنة مملوءة فضلات آدمية وازبالا . علي قال لي : أن العفاريت تسكنها .. تستيقظ ليلا و تنام نهارا وقد أزعج العفاريت أثناء نومها فتشلني أو تتلبسني . لا .. أين أختبئ ؟ الرجل الأسود يمسك يدي بقوة . ألا تريدين الذهاب لرؤية والدك ؟ اني أعمل في المحل المجاور لمحله ، أرسلني لكي آتي بك ..
ـ ما اسم أبي؟
ـ الحاج محمد..
ـ أجل أبي الحاج محمد
واردف : أنتن خمس بنات وولد . هل أنا مخطئ؟
ـ فعلا ..فعلا

جاءت منى قالت لي : اهربي سيقبضون عليك .
أركبني دراجته و طار بي . شيء بداخلي كان يقول لي :
اقفزي من الدراجة . أهربي . لكن لم أفعل. ومن حارة لأخرى و من زقاق لآخر انتهى بنا المطاف في عمارة نائية و فوق سطح احدى العمارات أمسكني بعنف و بطحني أرضا. رفع فستاني, حاولت الصراخ . كانت يده تقفل فمي بقوة ..

أحسست بالاختناق.. جسمه ثقيل ورائحة عرقه كريهة. وهذا اللهاث قرب أذني .حاولت المقاومة وكلما قاومت و حاولت التخلص منه ازداد شراسة . وبعدها انتهى . مادة لزجة كريهة بين فخذي ، ألم.شعري أشعت، رجلايا كأنهما مصنوعتان من القطن ، لا أستطيع الوقوف .هو ممدد بجانبي يلهث كحيوان ، كخنزير، كشيطان ، وذلك الشيء الطويل جدا الضخم يتدلى بين رجليه ... و ... صرخت .استطعت أن أصرخ بقوة . جفل الحيوان الراقد بجانبي . رفع سرواله بسرعة و هرب . صعدت امرأة أوربية سمينة جدا . كانت ترطن بلغة لا أفهمها . لم أعد أفهم شيئا . حملتني , أخذتني الى بيتها بالطابق السفلي . أدخلتني الى الحمام نزعت ملابسي واخذت في غسل جسمي بماء دافئ وصابون . كنت أتلوى من الالم ، أرتعش ، أبكي . وكانت تحاول اسكاتي . غسلت عضوي جيدا .

لم تكن تكف عن السب والشتم بلغة لا أفهمها. ألبستني ملابسي ، أعطتني كأس حليب دافئ وبسكويت . ضمتني اليها .هدأت شيئا فشيئا. بعدها لم أعرف كيف و صلت الىالبيت . عندما أخبرت والدتي بالأمر، ضربت فخذيها بكفيها النحيلتين :

ـ ياويلي .. يافضيحتي
تندب خديها ، تلبس جلبابها ، تنسى أن تضع النقاب على وجهها ، تمسكني بعنف تجرني ، رجلايا كالقطن ، ألم بين فخذي ، أمي لا أستطيع ، تجرني ، كانت تكلم نفسها بصوت مرتفع :

ـ يا ويلي ، اللي عنده بنت عنده أفعى لازم تقتلها . ياريت كل أولادي ذكور .. البنات مصيبة ، يا ربي لا تورينا ما يخيفنا . تمسح دموعها . ندخل احدى الشقق في عمارة مظلمة . تأخذني الى جارتنا و هي امرأة تقوم بكل شيء . فهي طباخة في الأعراس و قابلة ـ مولدة ـ و تغسل الموتى . نزعت المرأة ملابسي واخذت تبحث عن ذلك الشيء الموجود بين الفخذين . بالتأكيد كان شيئا مهما ذلك الذي تبحث عنه . بدليل الاهتمام الذي بدا على وجهها المتغضن ، و بدليل ذلك الخوف والتوسل الذي كنت أراه في عيني والدتي التي كانت تضع يدها فوق قلبها مستندة الى الحائط . كانت والدتي تبدو و كأنها كبرت عشر سنين دفعة واحدة .

فجأة أصبح حجمها أكثر ضآلة وانكماشا. كنت أشعر بالخجل والمهانة لماذا تفعلان هذا ؟ كنت أحاول أن أخفي ذلك الشيء بأصابع مرتعشة ، فتزجرني تلك المرأة . كانت تبدو كتلك الغولة التي تأكل الأطفال في الحواديث التي تحكيها أمي لنا . كانت ضخمة جدا و فمها خال من الأسنان الا من ناب في الفك السفلي . ابتسمت ابتسامة لزجة بلا معنى وقالت لوالدتي :
ـ ابنتك طبق سليم كما أنجبتها .
تنفرج أسارير والدتي ، تمنحها نقودا . نعود الى البيت تسألها أختي خديجة :
هه ! ماذا قالت المرأة ؟
تتنفس والدتي الصعداء :
ـ الحمد لله مازالت بنت .
تنزع جلبابها ، تذهب الى المطبخ ، تعود وهي تحمل سيخا حديديا احمر رأسه بفعل النار . أجفل رعبا ..
أهرب الى الغرفة الأخرى تنادي أمي على الخديجة :
ـ امسكيها بنت الحرام ..
تقول أمينة بتوسل :
ـ سامحيها الله يخليك .
ـ ابعدي عن طريقي .
ـ يا أمي انها طفلة .. عمرها أربع سنوات لا تعرف شيئا .
ـ ما تعرف والو..هي كتعرف الشيطان فين مخبي ولده .
تمسكني خديجة و تكوي والدتي فخذي الأيسر . أرتعش .. لم أعد أستطيع حتى الصراخ . أنزوي في ركن الغرفة وابكي في صمت وامسح دموعي عندما يأتي والدي حتى لا يعرف بالأمر . تعودت أن أنام مع والدي ووالدتي : غرفتهما كانت كبيرة جدا . بها سريران كبيران و دولاب ضخم جدا وكرسي هزاز .

كان والدي ينام بمفرده على سرير وانا ووالدتي علىالسرير الآخر . أنام على ذراعها . أخفي رأسي بين ثنايا عنقها ، تهدهدني ، تحكي لي حكاية هينة التي خطفها الغول . فأنام ولا أصحو حتى الصباح . في بعض الأحيان كنت أستيقظ ليلا ، أتحسس السرير لا أجدها ، أناديها . تجيبني من مكان ما من الغرفة . لم أكن أعرف أين تختفي لكن أشعر بالأمان .
في تلك الليلة انتظرت أن تناديني كالمعتاد حتى أنام بجانبها . لكنها لم تفعل . انتظرت ، انتظرت ، وبعدها أقفلت الباب دوني .
وأنا ؟
أحسست بالحرقة في قلبي أشد ايلاما من الحرق في فخذي . كنت أنتحب كطفل يشكو حرقة الفطام . وضعت لي خديجة فراشا في الأرض و قالت بتأفف : نعسي ما تفيقي .
أجابتها أمينة : الله ينجيها .
شعرت أنني منبوذة ، مكروهة ، مدنسة . كنت أتساْل ما كل هذه الحكاية ؟ كل شيء تم في رمشة عين : الرجل الأسود ، هل يكون فعلا صديق أبي ؟ لماذا اختارني لكي ينفث في سمومه دون الآخرين ؟ لماذا ضمتني المرأة الفرنسية ؟ و لماذا ضربتني أمي وكوت فخذي ؟ هل أنا ظالمة أم مظلومة ؟ لأول مرة أنظر الى سقف الغرفة وابحث عن هذا الله بعينين دامعتين ، أسأله أن يكون كل هذا كابوسا فقط . بت ليلي كله أنتظر معجزة ترفع عني الظلم . ربما يرسل الله ملاكا أو شيطانا لا يهم . يشرح لوالدتي ما حدث و يجعلها تعطف علي ولا تنبذني أبدا .

أحسست بيد تتحسس شعري في الظلام . أجفلت ، فرحت ، قلت : أمي.
ـ أنا أمينة . لا تخافي .
ضمتني اليها. دفنت رأسي في عنقها. حاولت أن أنام . لكن الألم في مؤخرتي و فخذي . حمى تسكن جسدي . عرقي غزير، الرجل الأسود ، تلك الرائحة الكريهة المنبعثة من قضيبه المتدلي كقنفذ كريه ، المرأة الفرنسية ، حضنها قبلاتها ، و سيخ أمي الحديدي . و تلك الجملة : لا تخبري غريبا ولا قريبا بالأمر.
في الصباح أيقظتني خديجة بركلة من قدمها :
ـ فيقي يا قحبة .. نايمة في العسل .

أقفز . أنظر حولي جيدا . لم يكن كابوسا. حرقي ينز صديدا و ماء. لا أستطيع الوقوف على قدمي ، أسمع والدتي تقول لأمينة : لا أريد أن أرى وجهها ، الأكل فيها خسارة ، اعطيها الخبز حافي .
أتت أمينة ، أعطتني قطعة خبز و كأس شاي.
ـ اشربي القهوة سريعا ، لقد أتيت بها خلسة .
نظرت الى الحرق ، مسحت دمعة نزلت على خدها ضمتني اليها :
ـ ليس لدينا أي دوا بالبيت ، سأذهب عند المسيو جورج وأطلب منه مطهرا ، لكن لا .. كلابه شرسة .سأضع لك معجون أسنان . و تأتيني بمعجون الأسنان . يعاودني الألم أعض على شفتي حتى لا أصرخ.

مرت أيام تجر وراءها الأيام والشهور . ونسيت أو تناسيت الموضوع برمته لأنني بطبعي أكره تذكر كل الأشياء المحزنة .
حتى والدتي يبدوانها نسيت الموضوع . لكن حدث ثانية ما نكأ جراحي .

في حينا كان بقال طيب يغدق علي دون الجميع بالحلوى والشوكولاطة. وفي بعض الأحيان لم يكن يأخذ مني ثمن البضاعة التي أشتريها منه. وعندما أخبرت والدتي بالأمر لم تزد عن قولها أنه رجل طيب . ووالدتي لا تخطئ في حكمها على الناس اذا فهو رجل طيب . كان سمينا جدا و قصيرا ، يبدو كدولاب متحرك . يرتدي دائما وزرة زرقاء متسخة ، تحتها سروال قندريصي لا لون له ، ربما كان أبيض أو رماديا في يوم ما ، ينتعل بلغى صفراء مهترئة. وكان و جهه مفلطحا يتوسطه أنف ضخم أحمر دائما كأنه نبتة غريبة نبتت في غير موضعها. وسبابته أبدا لا تفارق أنفه .

في ذلك اليوم ذهبت لاشتري مسحوق الغسيل , طلب مني البائع " الطيب " ان أذخل الى الداخل لان مساعده غير موجود ورجله تؤلمه . ففعلت عن طيب خاطر . ربت على شعري و قال انني فتاة جميلة وقبلني على خدي واجلسني على ركبتيه وقال :
- اختاري ما تريدين و كل ما تشتهين من أنواع الحلوى .. ما تحشميش .
و بعدها أحسست شيئا محشوا بين فخذي وانفاسا متهدجة قرب أذني و ... رميت بكل الحلوى التي ملأت بها جيوبي . كانت يده ككماشة تطبق علي تشل حركتي . انظر الى الحرق في فخذي , أرتعش و....

أردت أن أخبر والدتي بالأمر , لكن تذكر الرجل اللأسود , الحرق في فخذي وجملة والدتي " لا تخبري غريبا بالأمر , لم تحافظي على نفسك " . ولم أخبر غريبا ولا قريبا بالأمر, دخلت البيت مطأطأة الرأس , اغتسلت في الحمام كما علمتني المرأة الفرنسية .

جلست في ركن قصي من البيت , كان في عيني انكسار و حزن . أعيد الشريط أمام عيني و سؤال لا يفارقني : لماذا يفعلون بي هذا ؟
في الغد أرادت والدتي ارسالي لبقال الحي , رفضت . قلت لها :
- كبرت الان . لن اذهب الى البقال و لن ألعب مع أصدقائي الذكور في الحي . ضحكت والدتي وقالت - لا تتعجلي بالدخول الى عالم الكبار .
تمتمت وحدي :
- لوالأمر يعود لي فأنا لا أريد الدخول الى عالمكم أبدا .
من يومها لم أعد تلك الفتاة المشاغبة العنيدة . رأسي دائما مطأطئة و في عيني انكسار و حزن و ذل و... وخوف كبير وكره أكبر.

والدتي كانت تبدو سعيدة لأنني لم أعد ألعب مع أبناء حيي من الذكور ولا أبرح البيت الا الى المدرسة.

لكن حتى البيت لم يعد آمنا . كان يسكن معنا قريب أبي القروي اسمه " قدور " . كان في حوالي العشرين من عمره ربما اكثر يقليل . اتخذه أبي سندا له في أعماله. و كان " قدور " هذا الامر الناهي . يحضر الى البيت فيصبح حديثنا نحن البنات همسا ومشينا على أطراف الأصابع . و كان ابي يبدو سعيدا بتجبر قريبه و تسلطه .
كان " قدور" طويلا جدا و ضخما . يحلق شعره على " الزيرو" لديه عينان متقاربتان و ضيقتان كعيني صقر . لا يتحدث كثيرا , بل لا يتحدث ابدا .عندما يعود من العمل يدخل غرفة بناها له أبي في حديقة البيت نأتيه بالطعام , يأكل في صمت , يستمع للراديو وينام .

و ليلا نادانا " قدور" لكي آتيه بكوب ماء . كنا نتفرج على فيلم مصري والصمت يسود المكان , و كل حواسنا مشدودة للفيلم .سمعت نداءه ذهبت اليه بكوب من الماء . أخذ يريني صوره واشياء أخرى لم أعد أتذكرها و كان يكلمني برفق و ليونة . كل هذا بدا غريبا في نظري , لأنه لم يكن يكلمني الا صافعا أو ناهرا أو شاتما . أحسست يدا مرتعشة تتحسس صدري و نهدي " أي نهد لطفلة لم تتجاوز السادسة من عمرها ؟ " رفع فستاني و بطحني أرضا . لم أعترض . كنت أعرف أنه لا جدوى من المقاومة أوالصراخ .استسلمت وانا ألعن كل شيء في سري . الشريط يمر أمام عيني : نفس الحكاية تتكرر . الرجل الأسود , بقال الحي , " و قدور القذر". و من بعد ذلك ؟ انتهى رفع يمناه و صفعني مهددا بسوء المصير ان أخبرت أحدا بالأمر .

تكررت اعتداءاته كنت أخضع في صمت و ذل و مهانة . لم أفكر أبدا في أن أحكي لأي أحد . سيخ امي يتراقص أمام عيني و سبابتها تتوعد بسوء العاقبة ان أخبرت أحدا بالأمر . طبعا لن أخبر أبي . وامينةالطيبة لا أراها الا في العطل . تدرس بالمدينة القديمة و تظل طوال الاسبوع عند جدتي هي و باقي شقيقاتي حيث توجد مدارسهن بالقرب من منزل جدتي . كنا نسكن هناك في الماضي , وعندما تغير سكننا الى المعاريف لم يكلف أبي نفسه عناء تغيير مدارسهن بل تركهن عند جدتي . خديجة الكبرى لا تدرس و عبد الله وحده يدرس في مدرسة تحاذي البيت .

كنت أصمت واذعن لمصيري . أحمل دميتي , أنزع ملا بسها , أشد شعرها, أصرخ في وجهها : " لم تحافظي على نفسك , اياك أن تخبري أحدا بالأمر . "
و ذات مرة ضبطتنا شقيقتي خديجة بالجرم المشهود . سحبتني من ضفيرتي الطويلة كالدواب , أخذت تبحث عن شيء موجود بين فخذي . كلهم يريدون ذلك الشيء الموجود بين الفخذين .
تبحث , تبحث . بعدها تأخذ عصى و تضربني على مؤخرتي بعنف , بجنون ..بجنون.. جنون . أتأوه , أصرخ تأتي والدتي تضرب فخذيها بكفيها , تأمرني بالاغتسال , اسمعها تتهامس مع خديجة , لا أميز سوى بعض الجمل المقطعة :
- قحبة من دابا ؟ منين خرجت ليا ؟
أخضع للذل للاستنطاق :
- منذ متى يحدث هذا ؟
--...............
- هل هذه أول مرة ؟
- ……..
تتوالى الصفعات على جسم لا يتعدى السادسة . أتلوى من الألم :
- لماذا لم تخبرينا ؟
(الخوف .الخوف يعقد اللسان . عندما أخبرتك أمي كويت فخذي . لماذا لم تضميني اليك كما فعلت المرأة الفرنسية ؟ لماذا ؟)
تشدني خديجة من شعري و تقول :
- سأسجنك في المرحاض بلا ضوء .
أتوسل اليها . أقبل يدها. تسحبني بقوة . تأخذني الى مرحاض لم نكن نستعمله كثيرا . كان مظلما , مخيفا . أبكي , أشعر بالرعب .

كنت ساعتها طفلة عوقبت على جريمة لم أرتكبها . أما " قدورالقذر" فلم تجرؤ والدتي حتى على سبه أواخبار أبي بالأمر . كأنني التي أغويته . كيف لطفلة مثلي أن تغوي شابا مثله ؟ كيف يفكر هؤلاء ؟ أليست لديهم مادة رمادية متواجدة في منطقة ما من تلك الجماجم المتعفنة يفكرون بها؟

لم يكن بمقدوري سوى الهروب الى عالمي الخاص : الى الحلم . أتخيلني وقد كبرت فجأة . عندما كان الكبار يسألون الصغار عما يريدون أن يكونوا في المستقبل , كان الجواب دائما واحدا من اثنين : اما أطباء أو معلمون.
لكن لم أكن أعرف بما أجيب , لأنني لا أعرف بالضبط ماذا أريد . كلما أعرف هواني كنت أعشق السفر. أتخيلني و قد سافرت بعيدا بعيدا جدا . أحلم أن لي طفلة أضمها الي , أمنحها الحب والحب و فساتين كثيرة و لعبا . أبدا لن تكون أقل من الاخريات , لن أنهرها , لن أكوي فخذها بل سأخفيها عن العيون القذرة.لكن أبدا لا أحلم بزوج . لم أكن أستطيع أن أتخيلني عروسا بفستان أبيض . حاولت مرارا تخيل شكل العريس فيتراءى لي وجه " قدور القذر" , أستفيق من .. من حلمي مرعوبة على واقع أشد رعبا .

تمر الايام ومن حين لآخر كانت تأخذني والدتي لتلك المرأة , بسبب و بدونه لتتأكد من أن ذلك الشيء مازال في مكانه .. وأن الطبق لم يكسر بعد . يتكرر سجني في المرحاض , أحببت السجن , كان يمنحني فرصة للانفراد بنفسي والسفر بعيدا بعيدا في عالمي الرائع الذي صنعته من مخيلتي .

كنت أغضب من والدتي , لماذا تترك غريبة تفعل بي ذلك ؟ ألم تكن تنهاني عن لمس ذلك المكان؟ أتساءل لماذا تغضب والدتي و تزجرني اذا ما ضبطتني ألمس ذلك المكان أواحكه ؟ ذلك المكان ؟ أو ليس له اسم ؟ أو ليس شيئا يخصني ؟ لماذا لم نكن نستطيع ان نتكلم عنه بحرية كأي عضو من أعضاء الجسم ؟ كالأنف , اليد , الرأس ؟ ثم لماذا لا تغضب والدتي اذا ما رأت شقيقي يلمس قضيبه ؟ عندما كنا نذهب الى الحمام للاستحمام كانت والدتي تصر أن أغطي ذلك الشيء بلباس داخلي , في حين أنني كنت أرى نساء واطفالا غيري لا يخفين ذلك الشيء الممنوع والمليء شعرا بشكل مقزز . وعندما كانت تضبطني والدتي أنظر اليهن , تزجرني بقولها " الله يعطيك العمى " .

كبرت فجأة . لم أعد كالأطفال , لأني أعرف أكثر منهم , ولانه حدثت لي أشياء لا تحدث للأطفال عادة . كنت أحس أني ملوثة . قلبي وحياتي أصبح بهما بقع سوداء كثيرة . ورغم أن السنين مرت فأنا أدين كل الذين أهانوا آدميتي و صادروا طفولتي .

أصبحت ممنوعة من اللعب خارج البيت. من البيت الى المدرسة و . وفي وقت الفراغ ألعب بدميتي وحدي .

في بعض الأحيان تأخذني والدتي الى " المدينة القديمة " نزور جدتي العجوز أو نتمشى في " الملاح " . لم أكن أحب زيارة جدتي ولا الذهاب الى الملاح حيث الزحام . لا أرى شيئا من الآشياء المعروضة . زحام , صراخ الباعة , ووجهي ملتصق بظهور ومؤخرات الناس . والدتي كانت تسحبني كالدابة .

حاولت كثيرا التمرد , لكنها تصر أن أرافقها حتى لا أبقى وحدي في البيت و يأتي " قدور القذر" و …

وصلت سن الثانية عشرة . أصبح لي نهدان بحجم حبة الحمص تؤلمانني , و شعيرات ظهرت تحت الابطين وفي منطقة العانة . في يوم دخلت المرحاض لأتبول , وجدت نقطة دم في لباسي الداخلي .شعرت بالأرض تميد بي . بكيت في صمت. لم أفهم ماذا يحدث ؟ هل هذا يحدث لكل النساء أم لي وحدي ؟ هل أخبر والدتي ؟ و صرخ كل عضو في جسمي " لا " . هذا الدم نزل من تلك المنطقة الممنوعة . ستقول والدتي ثانية أنني لم أحافظ عليه . والدتي لن تضربني اذا نزف الدم من أصبعي , لكنها حتما ستعلقني من مؤخرتي اذا ما علمت أن الدم نزل من بين الفخذين . ان الله بالتأكيد يعاقبني على شيء فعلته , وأخذت أحاول أن أسترجع في ذاكرتي كل ما فعلته خلال ذلك الأسبوع أوالشهر . لا شيء . فحتى " قدور القدر" لم يلمسني هذا الشهر . ان الله يكرهني . هكذا فكرت . وبكيت وحدي . والتزمت الصمت . غسلت لباسي الداخلي . لم يخبرني أحد من قبل أن من علامات البلوغ عند الفتاة , نزول دم الحيض . كل شيء حشومة , عيب , هراء , هراء , تخلف .

في يوم مابعد الظهيرة , لم أكن أدرس . كنت أفكر فيما يمكنني فعله. أنجزت تماريني , حفظت دروسي التي كنت أنساها فور حضور أخي الأكبر. ليست لي صديقات. وحتى ان كان لي , فوالدتي ستمنعني من زيارتهن . مللل , ملل . جاءت شقيقتي الكبرى و قالت جملة واحدة :

- هيامعي. وسحبتني من يدي .
وفي الطريق قالت لي :
- سأشتري لك " الزريعة " و " كاوكاو" .
فرحت.
- وسأشتري لك " حلوة لاكريم "
فرحت أكثر . لكن لماذا كل هذا ؟
- و .. أنت لم تعودي صغيرة , كبرت الآن .
انني أكبر متى يريدون واصغر حسب أهوائهم وأمزجتهم . ما عليناش . انها تنوي قول شيء و تمهد له .

استجمعت قواها وقالت:
سنذهب للسينما .
فغرت فمي دهشة . اتسعت عيناي . تسمرت مكاني :
- سي..نما
- ايه , هناك فيلم هندي بالألوان . أنت لم تري الأفلام الهندية الملونة , جملية وشيقة , سترين , سيعجبك الأمر .
- وابي ؟
- ماذا به أبي ؟ لن يرانا أحد .
ورفعت سبابتها في وجهي , ( أكره من يرفع سبابته في وجهي)
- اياك أن تخبري أحدا بالأمر .
السينما كانت من المحرمات . كانت أمي تقول : بنات الشوارع والساقطات هن من يذهبن للسينما . و لم نكن نجرؤ أن نمر أمامها .

دخلنا . كنت اشعر بالخوف . الظلام , أرتطم بالكراسي .جلست , لم أكن مرتاحة في جلستي . ضحكت أختي , اذ كنت أجلس على الكرسي مغلقا. فتحته أختي و شعرت بالارتياح . رأيت الفيلم , كنت مندهشة . بكيت و كنت أسمع اسمع البكاء والنحيب في كل القاعة . واكلت " الزريعة " و كاوكاو". و من حين لآخر كنت أسمع " طق مق ". التفت , كان هناك جسمان ملتصقان غارقان في بحر القبل و ..الآن عرفت لماذا كانت والدتي تقول أن السينما لا يرتادها الا الساقطات. انتهى الفيلم. رأيت فتيات يصلحن ما فسد من هندامهن بفعل أشياء غير لائقة. و في طريق العودة قالت أختي :
- أين كنا ؟
- في السينما . أجبت بعفوية .
جن جنونها .
- لقد كنا في الملاح . أين كنا ؟
- في الملاح , في الملاح .

من جملة الأشياء التي مازالت محفورة في ذاكرتي: منظر والدي و هو يضرب والدتي . كان يضربها بسبب ومن دونه. يضربها بعنف و كنا نختبئ – نحن الأبناء- في احدى الغرف . نبكي . لم نكن نجرؤ حتى على التوسل. كانت أمي تبكي و تستغيث ولا من مغيث . كنا عاجزين . نخاف أبي وجبروته و نحب أمي ولانستطيع لها شيئا .

يظل أبي يقاطعنا شهرا واكثر. يأتي من العمل يقفل عليه غرفته. لا يأكل من أكلنا أي شيء . يصبح الجو مكهربا و كئيبا . لا أحد ينطق ببنت شفة. نتكلم بالاشارات فقط . وجهاز التلفاز بلا صوت , نرى الصور فقط . اختناق .
كانت خديجة تقول لوالدتي :
- لابد انه سحر . هذا مؤكد .
- الله ياخذ فيهم الحق . لكن لماذا يسحرون لي ؟
- يحسدونك على أبي .
- فليأخذوه . لا أريده . سامحت ليهم في حقي فيه .
- يجب أن نفك السحر. غدا سأذهب عند شواف يهودي في المدينة القديمة لمعرفة من له المصلحة في ذلك .
تتردد والدتي تبدو عليها الحيرة, تقول أمينة :
- يجب أن نعرف من له المصلحة في شتات شملنا.
تستجمع والدتي قواها:
- اذهبي لكن خذي معك أختك.
و في الغد أذهب مع أختي . لكن ليس الى الفقيه. نشتري " الزريعة " و " كاوكاو " و نذهب الى السينما " فيردان " , نرى فيلما هنديا آخر . و بعد انتها ء الفيلم تقول أختي .
- اين كنا ؟
- عند الشواف .
- عظيم حفظت الدرس . والشواف أعطانا هذا .
تخرج من بين نهديها ورقة مطوية على شكل " حجاب " .
- من أين أتيت به ؟ أسألها .
- صنعته وحدي .
و في البيت تختلق خديجة حكاية عجيبة .
ندخل الى الغرفة. والدتي امينة و كوثر و خديجة وأنا. أرى تساؤلات في عيني والدتي . تقول لها خديجة بجدية :
- ذهبنا عند اليهودي , الزحام كثيف و تصوري , هناك رجال نساء و نساء أتوا من مصر و حتى الهند. شواف عفريت . عندما حان دوري قال لي أشياء غريبة كأنه يعيش معنا سبحان الله.
و تظهر اللهفة على وجه أمي:
- ماذا قال؟
- عرف لماذا أتيت دون أن يسألني . كل شيء يظهر في السبحة. قال لي أن أبي رجل متغطرس وجبار, لكن ماشي الخاطرو . هناك امرأة بيضاء سمينة , لديها علامة في يدها هي من تسحر له , فهي تغار من أمك . تنظر الي:
- أليس كذلك؟
أنظر اليها بغباء و دهشة :
- آ..نعم..ايه
تفكر والدتي قليلا ثم تصرخ:
- عرفتها. خالتكم , أختي من دمي و لحمي . عندها علامة في يدها أصبعها السبابة معقوف و هي بيضاء و سمينة.
و تقول خديجة :
- أنا كذلك فكرت فيها. ألم تري كيف تغير لونها عندما علمت أن أبي اشترى لك قفطانا ؟ تبكي والدتي بحرقة :
- الله يابنت بويا واش بغيتي عندي ؟
وتقول أمينة :
- لقد حذرناك منها كثيرا .
و تمدها خديجة بالورقة البيضاء / الحجاب :
- خذي هذا الحجاب , أطبخيه مع الشاي واسقيه لأبي .
تحتار أمي :
- لكن والدكم لا يأكل أكلنا.
تتشجع أمينة و تقول :
- سأصنع له الشاي واعطيه له. فهو يحب الشاي جدا وسيضعف أمامه.
تتنهد أمي :
- على مولانا.
تأتي خالتي كالمعتاد . لكن أمي تسلم عليها ببرود وتكلمها ببرود . لا تأتيها بالشاي والحلوى كما المعتاد . تتركها تتكلم وحدها. تجيبها أمي بين الفينة والأخرى بكلمات مقتضبة. تترك الغرفة , و تذهب الى المطبخ تتظاهر بالانشغال لشيء ما. تحس خالتي بشيء ما غير طبيعي و تنصرف غاضبة . نجحت خديجة في افساد علاقتهما.

كنت في السابعة حين اصبت بمرض " روماتيزم المفاصل " . كنت عادية ذلك اليوم , استيقظت كما المعتاد . تناولت فطوري كما المعتاد . لكن حينما كنت أكتب الدرس على دفتري , أحسست بألم في يدي , سقط القلم من أصابعي . عاودت امساكه . سقط . حاولت التقاطه , عجزت . ياالهي ماذا يحدث ؟ آلآم حادة في يدي و رجلي . حاولت النهوض , أو تحريك قدمي , فشلت . نادتني المعلمة :
- ماذا بك؟ تعالي
كنت أنظر اليها وأبكي . لم تفهم المعلمة كما لم أفهم شيئا.
صرخت في وجهي :
- تعالي ألا تسمعين ؟
كلهم يصرخون . أبي , أمي , " قدور القذر" , المعلمة . لماذا لا يتكلمون بلطف ؟
من خلال دموعي نطقت :
- لا أستطيع. أحس بآلآم في رجلي و يدي.
بهتت المعلمة . أتت الي . حاولت مساعدتي على الوقوف . فشلت .
خرجت و عادت معها المديرة وباقي المعلمين والمعلمات :
- حاولي النهوض . حركي رجليك .
- لاأستطيع
- حاولي .
آلآم , آلآم .
يربتون على شعري , على كتفي , يتكلمون في نفس الوقت , تختلط الآصوات :
- والد جاري حدث له نفس الشيء . انه الشلل .
- لا . انها حالة عصبية ستختفي بنفس السرعة التي ظهرت بها .
- لا . يجب أن يأخذها أهلها الى فقيه . يمكن " المسلمين " و تلتفت الي المديرة :
- هل أفرغت الماء الساخن في المرحاض بالأمس أو هذا الصباح ؟

- لا..لا

- هل صدمتك سيارة أو دراجة ؟

(ماهذه الأسئلة البليدة ) ؟

- لا..لا..

يتركونني . بعدها يأتي أبي يحاول تحريك قدمي ويدي . لاأستطيع . يحملني بين ذراعيه , لاأحس بالأمان بل بالخوف . واتمنى أن أفر منه . و من طبيب لآخر , تحاليل صور أشعة والنتيجة : روماتيم في المفاصل . قالوا أن السبب هما اللوزتان . لم يفهم أي احد ما علاقة اللوزتين بقدمي ويدي . حقن , حقن . أصبحت مؤخرتي مليئة بثقوب زرقاء عديدة كأنها مصفاة . احساس غريب أحسسته وأنا مريضة . أحببت هذا المرض لقد جعلهم يلتفون جميعا حولي , يضموني اليهم , يشترون لي أشياء جميلة . تعدني أمي أن تاخذني للبحر لأدفء عظامي , و زيارة ضريح " سيدي محمد " , نأخذ له الشموع و نذبح له ديكا . و خديجة كذلك تعدني بالذهاب الى السينما ان أنا وقفت على قدمي . امينة كانت تقرأ لي حكايات ألف ليلة و ليلة . يأتي أناس كثيرون يزوروني و يدعون الله لأجلي .

لكن في ذلك اليوم عندما كنت نائمة , أحسست بشيء ثقيل جاثم على صدري . حاولت ازالته بيدين واهنتين . استفقت وجدت " قدور القذر" فوق جسمي, شفتاه الكريهتان تطبقان على فمي و..لم يكن أحد بالبيت . ربما كانت والدتي في المطبخ . بكيت . هذه المرة حاولت الصراخ لكنه أطبق بيسراه لى فمي و بيمناه صفعني . كانت عيناه تلمعان بشيء غريب : الكره ؟ الحقد ؟ لا أدري . كم أتمنى لواستطيع أن أحمل سكينا واغرزه في صدره وأفتحه لأرى ان كان يحمل قلبا مثل باقي البشر , يحس , يتألم , مستحيل أن يكون له قلب . شفيت لا أدري كم مضى من الزمن , شهر؟ سنة ؟ ربما استغرق العذاب عمري كله , كان هذا المرض يأتي حتى أظنني لن أتخلص منه أبدا و يختفي حتى أكاد أنساه .


- الحمد لله , الله هادينا للطريق المستقيم . هذه الجملة سمعتها مرارا من شقيقتي خديجة . تتكلم عن الأخلاق والشرف والعفة الى آخر هذه الحكايات التي تبعث على النوم وقوفا . أمي طيبة تصدق هذا الكلام وتردد هي الأخرى : الحمد لله أولادي مهديين مرضيين ما فيهم حتى بلية .

لكن أنا لم أكن بلهاء , كل شيء مخزن في هذه الجمجمة . كنت اصمت لأنه لا أحد يصدقني . أرى واصمت . علموني أن أبتلع لساني وأصمت . مرة وتلتها بعد ذلك مرات حاولت خديجة أن تتملص مني بشتى الوسائل , لكن والدتي كانت لها بالمرصاد :

- ترافقك اختك أو لن تخرجي .
- أنا لا أفهم معني اصرارك. لماذا لا أخرج وحدي؟
- اعطني سببا واحدا يجعلك ترفضين مرافقة أختك.
- سأذهب عند صديقتي من " الأخوات المسلمات " سنناقش بعض أمورالدين , فكل يوم جمعة يعقدن مثل هذه الجلسات .
- هذا سبب أكبر يجعلني أصر على أخذ أختك معك . عسى الله يهديها و تصلي .
تستسلم شقيقتي على مضض , تنظر الي شزرا , تمسكني من يدي بعصبية و تسوقني كالدواب . نمشي , نمشي . حرب حامية الوطيس مشتعلة بداخلها . ياالهي , ماذا بها ؟ و صلنا الى حديقة الألعاب , ادخلت يدها بين نهديها واخرجت بعض النقود .

- خذي هذه النقود , العبي كما تشائين , اشتري ما تشتهين .
ترددت . كنت أجيل النظر بين اليد الممدودة بالنقود والوجه الغاضب . أخذت النقود .

- ستدخلين وحدك وعندما تنتهين من اللعب , أخرجي وقفي بجانب " العوينة " . هل تسمعين ؟ الساعة السادسة بالدقيقة أجدك هنا , كرري ما قلته .

- وانت أين ستذهبين ؟
تلعثمت , احمر وجهها . (عجبا ان وجهها يحمر)
- لن أكرر ما قلته لوالدتي .
- ووالدتي قالت أرافقك لا أن تتركيني و تذهبين .
- اسمعي , غدا أشتري لك سروال " الجينز "
(انها تساومني يجب أن أستغل الموقف)
- سروال جينز و حذاء رياضي .
ابتلعت غضبها
- حسنا لكن ابتلعي لسانك .
و قبل أن تتركني قلت لها :
- اذا لم تشتري لي سروال الجينز والحذاء الرياضي , سأخبر والدتي كل شيء , ابتداء من السينما .
اصفر وجه خديجة :
- حسنا . أنا أستاهل , أنا حمارة , هيا بنا .
و بلا مبالاة قلت :
- اذن هيا بنا الى البيت فلنعد.
ترددت بدت على وشك الانفجار :
- أقسم لك سأفي بوعدي .
ذهبت. و فهمت أنها لا تذهب عند " الأخوات المسلمات " ولا يناقشن أمور الدين أو يشرحن سورة " الفاتحة " . انها أمية تفك الخط بصعوبة ولا تعرف الظهر كم ركعة فيه . انها تذهب عند رجل , لا ليس رجلا واحدا , بل رجالا كثيرين , و تأتي محملة بأشياء كثيرة : جبنة , حلوى , مناديل مطرزة ... تسألها والدتي فتقول : صديقتي " الاخوانية " أعطتني كل هذا , ظريفة مسكينة . تفرح أمي كالأطفال . تعطينا خديجة نصيبنا من الحلوى والجبنة ولا تترك لنفسها شيءا . تقول بطيبوبة : لقد أكلت الحلوى والجبنة حتى طلعات ليا هنا , و تشير الى رأسها .
أبتسم في سري . يا ابنة الكلب . والدتي تصدقها. ببساطة لا يساورها الشك في ابنتها المهدية المرضية.
و تشتري لي سروال " الجينز" و " الحذاء الرياضي " و فساتين كثيرة , ملابس جديدة , جلابيب , حلي كثيرة ذهبية مخزنة في الخزانة , ولا أحد يسأل من أين لك هذا ؟ ليست موظفة ولا أي شيء ولا أحد يسأل . والدي يعطيها مصروف البيت , أعرف والدي شحيحا. كل ما يعطيها يكفي بالكاد لشراء ربع كيلو لحم و بعض الخضراوات. هو يصرف بسخاء حد الاسراف اذا كان هناك ضيوف . يفعل ذلك للتظاهر فقط . و مع ذلك رغم المصروف القليل تأتينا بالفاكهة أشكالا والوانا , الدجاج , المشروبات الغازية , الحلوى و... هل كانت ذكية لدرجة استغفلت معها الجميع ؟ أم كانوا أغبياء ؟ أم كانوا يفهمون ويصمتون ؟ أذكر أنها اضطرت لاستئصال الزائدة الدودية , و تكلفت أختي أمينة بالمصروف . احتارت المسكينة فالمصروف لم يكن يكفيها لشراء الضروريات .

عشنا في ضنك لمدة أسبوعين الى أن عادت أختي خديجة و عادت أيام الرخاء . هي من حقها أن تفعل كل شيء . لكن عندما علمت أنني أحببت جارنا الذي لم أكن أعرف حتى اسمه أقامت الدنيا ولم تقعدها. أخذتني من يدي الى جارتنا لتتأكد من عذريتي . ( يا الهي أي جنون ) ؟
يتبع

05 أكتوبر 2006

الهــذيان


قبلني فوق شفتي المتشققتين وقال: قبلة أبوية ... انت مثل ابنتي.مررت بلساني على شفتي, شيء لزج يسيل
منهما ...دم ..لعاب؟ لاأعرف.نور قوي مسلط على عيني...أحاول أن أفتحهما...لاأستطيع. رأسي مثقلة...أحاول ثانية...أعاود اغلاقهما...أين أنا بالضبط؟ الرجل قال لي بعد أن قضم شفتي:قبلة أبوية ...أنت مثل ابنتي.لكن أبي لا يقبلني في فمي...بل لم يقبلني أبدا, ربما فعل ذلك عندما كنت رضيعة.هل أبي يقبل أمي؟ أغمض عيني, أضغط عليهما بقوة, أتخيله...جلابية رمادية...بلغة صفراء معفرة بالتراب, وعمامة ضخمة كصحن هوائي...أمي تقف قبالته.أحاول أن أتخيلها نحيفة ترتدي قفطانا قرمزيا ومنديلا صغيرا تطل منه خصلات شعرها الأسود, تتخلله شعيرات بيضاء. كانت والدتي عندما تغضب تصرخ فينا"شيبتوني قبل الوقت".ينحني والدي بقامته الفارعة, يضع يديه حول خصر أمي...و تختفي الصورة, كما تختفي الصور من تلفازنا القديم.يتجمع غضب والدي في قبضة يده ويلكم الجهاز فتعود الصورة...يضحك بانتصار"العصا لمن عصى".أين أنا؟هل أنا هناك؟ و من يكون هذا الذي قضم شفتي و ندما ضبطته قال :قبلة أبوية.مررت بلساني على شفتي,علق به مذاق كالبلاستيك المحروق.صلاح عندما يقبلني, أتمنى أن يفعل ذلك الى ما لانهاية.كنت أحب طعم قبلاته..مذاق السجائر والخمرة الرديئة. عندما أقلع عن التدخين والشرب, لم أعد أستسيغ قبلاته, أشمه ,أبحث عن تلك الرائحة التي أدمنتها و لاأجدها... تنزوي الرغبة بعيدا, أنفلت من بين يديه يغضب و يصرخ في وجهي:- لقد تغيرت. هل تحبين شخصا غيري؟-هل لديك سيجارة و خمرة رديئة؟بهت:-هل أصبحت تد...خنين؟-لا بل أنت...ستدخن كل يوم قبل موعد الحب...وستمضمض بهذه الخمرة ...لقد أدمنت هذه الرائحة..ضحك حتى دمعت عيناه:- صدري أصبح كقفص يسكنه طائر الجاوش... انك تقودينني رأسا الى مستشفى الأمراض السرطانية..أين أنا؟ هل يمكن أن أكون هناك؟هل سيأتي من يسألني من هو ربك؟ ما هو دينك؟ من هو نبيك؟من يملك الاجابة السحرية سيقضي بقية حياته/مماته في...أحد البرامج التي تبثها احدى القنوات اليتيمة تقول اذا كنت تملك الاجابة على أسئلتنا... اتصل الان وقد يحالفك الحظ وتفوز بسفر الى...أين أنا؟مسجاة على ظهري...احدى يدي بها ابر كثيرة, لا أستطيع الحركة, رأسي تؤلمني, أنجح في تحريك يدي اليمنى, لا انها اليسرى...أتحسس جسمي تحت الغطاء ,هل هو الكفن؟ألمس نهدي, أجفل...تبدو كفلفلة مقلية مرتخية بشكل مقزز.عندما مر شهر على لقائي بصلاح, شهر أو اسبوع...ربما هي ساعات فقط, قال لي:-أريد أن ألمس نهديك.فاجأني بطلبه.-أحس أن نهديك غير حقيقيين...انهما منتفختان بشكل غريب, هل هما نهداك أم ان السوتيان محشو بقطعة اسفنج؟ هل يمكنني ان ألمسهما؟ضحكت يومها و تمنعت قليلا و قلت له:-اليوم تريد ان تتاكد من نهدي...غدا من فخذي..وماذا بعد؟لن ننتهي أبدا.أحب جسده الذي يشبه قطعة خشب متفحم,ألتصق به أكثر, أذوب في حرارة شفتيه, يكسر ضلوعي بذراعيه...هل صحيح أن لديه ضلعة زائدة؟عندما قلت لزوجي :أشتهيك.قال:أنت عديمة التربية...ألا تخجلين؟في الغد قا لي زوجي: أشتهيك.قلت له :انت عديم التربية ...ألا تخجل؟ضحك ببلادة وقال :هذا حقي000منحني اياه ديني و أجدادي.عندما أرغمني على الحب ,استسلمت و أنا متخشبة.صرخ في وجهي :هل انا متزوج من صنم؟عندما تأوهت بين ذراعيه و تلويت وتمتمت بكلمات ساخنة, صرخ في وجهي:من علمك هذا؟ من لمسك قبلي؟صلاح لم يكن يهتم بطرح اسئلة بليدة,لم يكن يجيز أشياء و يحرم أخرى حسب مزاجه.صرخت,صرخت, و صرخت...خرجت من المنزل وأنا أصرخ...كنت أجري في الطرقات و أنا أصرخ ...سمعت صرير عجلة..وجسمي يرتطم بعنف على الاسفلت,لم أعد أصرخ.أين أنا؟جاءت والدتي, وضعت يدها على رأسي , وأخذت تتمتم ببعض السور القرآنية.-أين أنا؟-أنت هنا في المستشفى.-أمي, لقد قبلني, كانت عيناه بلون الكبد المريض, وعندما ضبطته قال أنت مثل ابنتي.كان يرتدي لباسا أبيض.ممرض؟ طبيب؟ أم جزار؟ هل نحن في محل جزارة يا أمي؟- نامي يا ابنتي انك تهذين